عصير “الأبري”.. سيد المائدة الرمضانية في السودان
على مر السنين، تغيّرت #المائدة_الرمضانية في #السودان لتستوعب أصنافاً “وافدة” أو مستحدثة محلياً.. وحده #عصير_الأبري ظل صامداً في صدر المائدة، بلونه الأحمر الداكن المكتسب من البهارات والكركدي وبعض الأعشاب المحلية.
وهو ليس مجرد مشروب، فرائحته التي تفوح قبل شهر من قدوم شهر رمضان في الأحياء الشعبية، تعيد الذكريات الرائعة لرمضان وتبعث في النفوس الشعور بثبات الأشياء ورسوخها في عالم متغير.
مجلة “مذاق خاص” السودانية المتخصصة في الغذاء والصحة وصفته بـ”نكهة الشهر” الفضيل وسيد المائدة السودانية، وأفردت مساحة كبيرة لتعريف الأجيال الشابة بطريقة تحضيره، بينما قام المصور السوداني الشهير ناجي الملك بتوثيق كافة مراحل صناعة #الأبري، وقد زار بهذا الغرض العديد من الأسر المشهورة بإعداد الأصناف الجيدة من الأبري.
كيف يصنع الأبري
قبل شهر من قدوم شهر رمضان، تبدأ النسوة في مختلف الأحياء وبشكل جماعي بتحضير هذا المشروب، والذي يتطلب دقة متناهية في مكوناته، ولذلك تتولى النساء الأكبر سناً مهمة تحضير المواد أمام أعين الأكثر شباباً.
يتكون الأبري بشكل أساسي من الذرة البيضاء التي تكتسب اللون الأحمر عند طحنها، وتسمى محليا بـ”الفتريته”.
توضع تلك الذرة على قطعة من “الخيش” على تلة صغير من الرمل داخل “قبو” أو مكان مغلق، وترش بالماء لعدة أيام حتى تنبت وينبثق منها الزرع، وتسمى هذه المرحلة بـ”الذريعة”.
بعد ذلك توضع الذرة النابتة تحت الشمس، ليتساقط الذرع النابتة وتبقى حبوب الذرة بشكل منتفخ قليلاً، مكتسبةً طعماً غير طعمه الأول، مما يشكل فيما بعد النهكة الفريدة لمشروب الأبري.
بعدها تأتي مرحلة أكثر دقة، حيث تطحن تلك الحبوب بدرجة أقل من النعومة المطلقة وأكثر من “الدريش”.
يوضع بعدها ذلك الطحين في قدر كبير، ثم تخلط معه مقادير معينة من البهارات الحلوة، وهي على وجه التحديد “الغرنجال” أو الزنجبيل الأحمر، والكمّون والقرفة والحلبة والكركدي والهبهان وأحيانا الكزبرة الجافة أو العرديب. يوضع ذلك المزيج على النار، لتنسجم كافة العناصر في “عجين” سميك. وتسمى هذه المرحلة شعبيا بـ”الكوجان”. يترك هذا “العجين” لمدة يومين أو ثلاثة أيام ليصل إلى مرحلة خفيفة من “التخمير”.
بعد ذلك تأتي المرحلة الأخيرة التي تسمى بـ”يوم العواسة”، حيث يُعد هذا العجين على شكل أقراص كبيرة على الصاج تشتعل تحته أعواد كبيرة من الحطب.
تتولى مهمة “العواسة” نساء مدربات ذوات خبرة طويلة لضبط سمك الرقائق، وتتعاون نسوة الحي فيما بينهن لإعداده بكميات كبيرة تحسباً للضيوف والهدايا للأبناء المغتربين.
تطبّق تلك الأقراص ثم تحفظ جافة في إناء محكم، ثم ينقع في هذا الإناء الماء لأكثر من 3 ساعة ليعطي مشروب لون الشفق الداكن مشبع بحمرة خفيفة بمذاق ونكهة قوية تظل عالقة في الأنف واللسان لبرهة من الزمن.
ويقول كبار السن عن هذا المشروب إنه “يقطع العطش” في رمضان ويهب القوة بعد يوم من الصيام في حرارة تقترب من 45 درجة مئوية.
الرقائق الجافة ذات اللون الغامق تسافر شرقا وغربا وقلما تجد أسرة سودانية في بلاد المهجر لم تصلها هدية” الأمهات” الرمضانية، فهو بالنسبة للسودانيين مشروب يستعيد ذكريات رمضان الجماعية في الوطن.
العربية نت
الحلو مر هو مشروب وليس بعصير ….