حوارات ولقاءات

الصادق المهدي: عودتي مربوطة ببعض الطواقي التي ألبسها.. السودان ليس وطناً نسكنه، لكنه وطن يسكننا

أشعر بالغربة في القاهرة وحال الوطن يغني عن السؤال

ابنتي مريم رائدة سياسية وربة منزل ناجحة

أقول لابني عبد الرحمن: (لقد اتسع الخرق على الراتق)

عودتي مربوطة ببعض الطواقي التي ألبسها

أنجح التجارب العالم حالياً لشخصيات في عقدها العاشر

أقول لمبارك الفاضل إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ماء أبقى

للمرة الثانية خلال ثلاثة أعوام يقضي الإمام الصادق المهدي شهر رمضان بالقاهرة بعيداً عن الديار والأنصار وبدا الامام المهدي متحسراً هذه المرة على غربته لدرجة القول إنه يشعر بالغربة في أرض الكنانة (الصيحة) استنطقته في حوار يجمع بين الخاص والعام فخرجت بالتالي …

حوار: عبد الرؤوف طه – الهضيبي يس

* رمضان كريم وكيف تقضي رمضان بالقاهرة؟

– وطن رمضان ليس قطرياً بل هو في كل بقاع الأمة، لأن الإسلام وحد أمته في المسائل الشعائرية، فحيثما تكون في أقطارها تسمع الأذان، وتشهد المساجد، وعندما يأتي رمضان تشهد ممارسات متشابهة.

*طعم رمضان بالقاهرة؟

– في كل قطر مذاق تفرضه ثقافته، وبالنسبة للكيانات الدينية توجد خصوصية داخل الخصوصية الوطنية.

* رمضان مع الأنصار والأحباب؟

– بالنسبة لنا في كياننا تحرص هيئة شؤون الأنصار على تأهيل مئات الأئمة لينتشروا في كل بقاع السودان لإمامة المصلين في صلاة العشاء وبعدها صلاة التراويح بالجزء، أي في كل يوم تكون الصلاة بجزء من القرآن وتحرص لجنة مسجد الهجرة بودنوباوي على تزيين المسجد، وكذلك مساجدنا في العاصمة، ويؤم الصلاة في مسجد الهجرة الحبيب بابكر إلياس الذي أعطي صوتاً من مزامير داود ويغلب على تلاوته الخشوع على فنيات التجويد التي يتقنها أيضاً.

طبعاً كان المسجد الرابع، الشهير بمسجد الخليفة، أول تلك المساجد وكان بؤرة انطلاق هذا النشاط الدعوي المخلص، ولكن منذ سطت عليه يد البغي عام 1993م تعطلت فيه معظم منابر أنصار الله، وهو مسجد مبتلى عاش معظم حياته مأسوراً مُحارباً لأنه رمز لجماعة تأبى الانقياد للاحتلال الخارجي أو الداخلي.

*ممارسات تحرص عليها في رمضان؟

– أحرص على إصدار منشور رمضان اتباعاً لسنة الإمام المهدي عليه السلام في هذه المناسبة.

وأحرص على حضور صلاة التروايح في مسجد الهجرة ثم يخرج الجميع زكاة الفطرة وتسلم للجهة المعنية لصرفها لمستحقيها وأحرص على إقامة عدد من دعوات الإفطار للجيران في الملازمين، وللسفراء المعتمدين للسودان، ودعوة ثالثة لوجوه المجتمع السياسي والصحافي. وفي الجمعة اليتيمة، أي آخر جمعة في رمضان يحضر الجميع فطوراً من بيوتهم لمائدة مفتوحة في مسجد الهجرة إحياء لسنة سنها الإمام عبد الرحمن طيب الله ثراه، وسماه فطور المساكين؛ هذا إفطار أحرص على حضوره كل رمضان وفي رمضان تقيم الأمانة العامة لحزب الأمة القومي في دار الأمة فطوراً للمجتمع السياسي، والدبلوماسي، والصحافي، والمدني ومهما كان الطقس حاراً في رمضان داخل السودان أو خارجه أحرص على ممارسة الرياضة دون توقف أنا وأولادي، وكنت في كل خطاباتي لأولادي أثناء الدراسة أوصي: حافظوا على الثلاثة، عباداتكم، ودروسكم، والرياضة هذه الشعائر افتقدها عندما أكون بعيداً من الوطن.

*هل في غيابك تتبع هذه المناشط؟

– أساهم في بعضها مثلاً إصدار منشور رمضان وقد صدر بعنوان( اللهم ارفع عنا هذا العذاب إنا مؤمنون) وفي غيابي تقيم أسرتي نفس دعوات الفطور التقليدية ومنذ رمضان الماضي صرت أركز على ما يشبه الخلوة لمواصلة مهمة كتابة السيرة النبوية بعنوان محمد الإنسان رسول الإنسانية، وسوف أواصل المهمة هذا العام بإذن الله.

*خلال ثلاثة أعوام قضيت عامين من شهر رمضان بالقاهرة ما هو شعورك وأنت بعيد عن الديار والأنصار والأحباب؟

– يلاحظ كثيرون أنني منذ حين أعمل مراجعات تزيل عن الدعوة الأنصارية ما قد يكون علق عليها من ملامح طائفية تبعدها عن تيار الصحوة الإسلامية العام، أفعل ذلك بقراءة تدبر لوثائقها، وقد كتبتُ عدداً من الكتب في هذ الصدد وهو أمر ابتدره الإمام عبد الرحمن الصادق بطرق عملية ونظرية مختلفة، وبشكل يتدبر روح الدعوة وأقوال صاحبها وأفعاله، ويعتبر المهدية دعوة لنداء مستقبلي لا ماضوي، متجدد لا متبدد.

*ما هي الأشواق التي تنتابك وأنت خارج الوطن؟

– الرابطة الأنصارية أشواق وجدانية تجمعني بأهلها إينما كنت، في السجن أو في المنفى، أو في غياب اختياري، فقد تعرضت لكل هذه الابتلاءات سُجنت في عهود الاستبداد حوالي ثمانية أعوام ونصف، وفي العهد المايوي جمع لي السجن والمنفى في القاهرة لمدة عامين وفي العهدين المايوي والحالي غبت اختيارياً ما جملته 10 أعوام كل هذا الغياب كان جغرافياً لا يؤثر في الوصال الوجداني حالة وصفها وصفاً دقيقاً الشاعر الفلسطيني تميم البرغوثي في بردته الجديدة:

ما ليْ أَحِنُّ لِمَنْ لَمْ أَلْقَهُمْ أَبَدَا وَيَمْلِكُونَ عَلَيَّ الرُّوحَ والجَسَدَا

وَسُنَّةُ اللهِ في الأحبَابِ أَنَّ لَهُم وَجْهَاً يَزِيدُ وُضُوحَاً كُلَّمَا اْبْتَعَدَا

ولكن هنالك أشواق للوطن الكبير، والوطن الصغير أم درمان، لا تبرح.. أما أشواق الوطن الصغير فتعبر عنها أبيات العبادي رحمه الله:

طريت أم در طريت ناسا وكيف أسلاها وأتناسى؟

أما أشواق الوطن الكبير فخير من عبر عنها شاعر ارتري:

من غادرَ الأرضَ في يومٍ سعيدٍ غدا في سجنِ غربته للنفس سجَّانا

*هل كل الطقوس الرمضانية التي كنت تمارسها بالداخل ستكون موجودة بالخارج؟

– مع أن هنالك شعائر رمضانية خاصة بكل الأقطار الإسلامية لا سيما في القاهرة، لكنني في رمضان الذي قضيته في القاهرة وهذا العام الذي سوف أسافر فيه لبعض البلدان بإذن الله، وسأواصل كتابة السيرة وما يتاح لي من وقت سيكون في مواصلة تلك المهمة، لأنني حريص أن أكمل هذه السيرة في ظرف عام إن شاء الله.

*من يرافق الإمام في شهر رمضان من الذي يقوم بقضاء حوائجه المنزلية؟

– الآن معي بنتي د. مريم الصادق، وهي بالإضافة لدورها السياسي المعلوم ربة منزل مدبرة، وهنالك سيدة اريترية كانت مع جماعتنا منذ الهجرة في تهتدون، ثم زكوها للعمل بمنزلي منذ عام 2000م، وهي الآن مديرة منزلي في القاهرة وهي مسلمة وتؤدي واجباتها بكفاءة عالية.

وعندما أكون في خارج مصر ففي كل قطر هنالك أحباب يقومون بالواجب خير قيام، فأحبابنا عندهم 73 مكتباً في كل الأقطار، وهم يقومون بمهام كثيرة، ومن بينها المهام الاجتماعية ومعهم لا يحوجني شيء، جزاهم الله خيراً.

*حدثنا عن رمضان في بواكير عمرك عن الجزيرة أبا وأم درمان وقبة المهدي؟

– كما هو معلوم فإن الإمام عبد الرحمن، الصبي الجريح الذي قصد الأعداء قتله في الشكابة ضمن خطة المحتل الآثم إبادة جماعية للخلفاء، والأمراء، وأبناء المهدي، خطة دموية بعدها أبرق ونجيت زوجه قائلاً يا للمسرة، قضينا على المهدية، كل الطغاة في كل مكان وزمان يتوهمون أن القضاء على عقيدة أو فكرة مسألة أمنية ولكن الإمام عبد الرحمن طيب الله ثراه استطاع في عشرات محدودة من السنين بعث الدعوة في ثوب جديد. كان لهذا البعث مركزان إحدهما في ود نوباوي، أي دار الهجرة والآخر في الجزيرة أبا. ونحن في طفولتنا كنا حيراناً في خلاوي القرآن. الخلوة هي عبارة عن كشافة تربوية تؤدي دورها لا سيما في رمضان.

* لماذا تقيم بالقاهرة تحديداً وليس المدينة المنورة؟

– كثير من الناس يختارون الجوار في المدينة المنورة وهذا اختيار يشبع أشواقاً روحية، ولكن القاهرة مركز علمي، وإعلامي، ودبلوماسي ممتاز، وفيها مجتمع ديني متعدد الاجتهادات، وفيها مجتمع مدني متطور. وأكثر السودانيين يعتبرونها متنفساً لا يجارى.

*متى يعود الإمام لوطنه؟

– أعود إن شاء الله بعد إكمال مهمتي. لقد خرجت من الوطن تلبية لدعوة السيد ثابو أمبيكي هذا ضمن مجهوده لإحياء حوار خريطة الطريق، وقد بينت له الممكن في هذا المجال. وكما تعلم فإني ألبس خمس طواقي، وبالتالي لدي مهام مرتبطة بأنشطة دولية وإقليمية، ففي الأشهر الثلاثة الماضية زرت أديس أبابا، القاهرة، إسلام أباد، لندن، باريس، جزر المالديف، وعمان؛ وهنالك مهام مرتبطة ببعض الطواقي التي ألبسها، وسأعود إن شاء الله لدى إنجازها. ولكن غيابي لم يؤثر على مهامي بالداخل، فأنا على اتصال بمؤسساتنا، وهي مؤسسات تقودها أجهزة منتخبة لا تتأثر سلباً بغيابي ولدى اجتماعنا في جزر المالديف قبل شهر تفاهمنا، ونتيجة لذلك اقترح د. داود حدايبة، أحد أصدقائنا، أن نرتب لاجتماع طاولة مستديرة لخبراء التنمية في العالم الإسلامي لإعداد نموذج دليل التنمية من منظورنا. هذا نشاط سوف أشارك فيه. كذلك كنت أتحدث عن تكوين مجلس حكماء للعمل من أجل وقف الحروب الدائرة في منطقتنا، وقد تقدم الأخ سمير حباشنة بمبادرة من تسع نقاط تقدم لكل الأطراف المقتتلة، وقد وافقتُ على التوقيع على هذه المذكرة، وأسعى لضم عدد كبير من الأسماء من السودان والمغرب وتونس وباكستان ونيجيريا ومصر، وأتوقع أن يكون لها أثر مهم في الصلح المنشود.

* هل تشعر بالغربة حالياً؟

– نعم أشعر بالغربة ولكن يخفف منها أن السودان وطن بداخلي، أنت تتابع أن ما من حدث فيه إلا ولي فيه حضور أشبه بالمشاهدة.

* هل العمر يسمح بغربة أطول؟

– جاء في الأثر اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً، وأعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً. ابن آدم ليس كالمواشي تقاس قيمته بسنه أنجح قيادات بلداننا في أنجح تجارب ديمقراطية: ميشيل عون في لبنان في العقد التاسع من عمره . والباجي قائد السبسي ومهاتير محمد في تونس وماليزيا في العقد العاشر، قال الكاتب غابرييل غارسيا ماركيز تقولون الإنسان عندما يشيخ يفقد حماسته العاطفية والفكرية، وأقول أنه لا يشيخ إلا عندما يفقد حماسته العاطفية والفكرية، شعاري الذي أرفعه في وجه الذين يضطهدون الناس قياساً على عمرهم هو من الركاب إلى التراب.

*رسالة في بريد الحكومة؟

-لقد استنفدتم الشعارات التي ظهر للناس جميعاً أنها جعجعة بلا طحين وحال الوطن يغني عن السؤال واستنفدتم تحريك البيادق في الطاولة في العام مرتين ولا جدوى، لأن القرار أحادي وفوقي، المخرج هو الدعوة لملتقى جامع يحدد برنامجاً قومياً للخلاص الوطني تنفذه رئاسة وفاقية. أي محاولة دون ذلك هي محاولة لعلاج السل بقرص أسبرين.

*رسالة لعبد الرحمن الصادق؟

– لم أوافق على تقلدك منصباً سياسياً ولكنك رأيت أنك تستطيع من داخل النظام تحقيق مصلحة وطنية لا يمكن تحقيق مصلحة وطنية إلا في نظام جديد، يا ابني قد اتسع الخرق على الراتق.

ـ رسالة لمبارك الفاضل؟

أما لابن عمي فأقول: إن المنبت لا أرضاً قطع ولا ماء أبقى.

أمثل تكتلاً في المعارضة يضم 21 حزباً

قضايا السودان صارت تبحث وأحياناً تبرم خارجه

السودان ليس وطناً نسكنه، لكنه وطن يسكننا

لن أعتزل المنابر الفكرية والسياسية ولدي رسالة

اقترحت على الرئيس البشير برنامجاً قومياً من عشر نقاط

عندي خمس طواقي دولية تشدني لنشاطات إقليمية ودولية

للمرة الثانية خلال ثلاثة أعوام يقضي الإمام الصادق المهدي شهر رمضان بالقاهرة بعيداً عن الديار والأنصار وبدا الإمام المهدي متحسراً هذه المرة على غربته لدرجة القول إنه يشعر بالغربة في أرض الكنانة (الصيحة) استنطقته في حوار يجمع بين الخاص والعام فخرجت بالتالي :

حوار: عبدالرؤوف طه – الهضيبي يس

ماذا عن دور القوى السياسية المعارضة في هذا التوقيت؟

القوى السياسية صفة تنطبق على كل الذين يرفضون منح شرعية لنظام تأسس بانقلاب عسكري ما يجعل الانقلابية نهجاً مقبولاً للتغيير السياسي. كما تنطبق على الذين اعتبروا سياسات النظام مسؤولة عن تشويه الشعار الإسلامي بربطه بالاستبداد والإقصاء والتمكين. وتنطبق على الذين يعتبرون النظام مسؤولاً عن اتباع سياسات حتمت انفصال الجنوب. سياسات أشعلت الحرب الأهلية منذ 2003م في دارفور، سياسات أشعلتها كذلك في جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. والذين يرون أن النظام اتبع سياسات دمرت الاقتصاد الوطني ورهنت الإرادة الوطنية لمحاور خارجية لا تخدم مصالح البلاد العليا. لذلك ينطبق صفة المعارضة على كل الذين يرفضون هذا النظام ويعملون من أجل نظام جديد، ومع اتفاق هؤلاء على هذا الهدف فإنهم يختلفون على وسائل تحقيقه.

إني أمثل تكتلاً في المعارضة يضم 21 حزباً ومنظمات مجتمع مدني، دعم كل الحركات المعارضة للنظام من منطلق سياسي أو مطلبي.

بعض هذه الأحزاب حركات مسلحة كانت في يناير 2013م تؤمن بتقرير المصير للمناطق المهمشة في السودان وتجعل من بين وسائلها إسقاط النظام بالقوة. ولكننا منذ إقناعهم بإعلان باريس في أغسطس 2014م اتفقنا على التخلي عن تقرير المصير من الأهداف وعن إسقاط النظام بالقوة من الوسائل. والآن طرحنا للاتفاق الجامع عهداً لبناء الوطن ملحقاً بسياسات بديلة في كل المجالات ونسعى لجمع أكبر صف من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني وأفراد لتأييد هذا العهد.

ونخطط لتحرك مدني سلمي ينظم اعتصامات في ألف موقع داخل وخارج السودان، يحشد الجماهير في هذه الاعتصامات، وسوف ترفع لافتات فيها كلمات مختصرة وواضحة: أيها النظام الانقلابي لقد فشلتم ودمرتم البلاد تنحوا وسلموا السلطة للشعب.

سوف نحشد لهذا الموقف أوسع قوى فكرية، وسياسية، ومدنية، ونسعى أن تباركها الأسرة الدولية التي مهما تعاملت مع النظام الحاكم بحكم الأمر الواقع لن تمنحه شرعية لسوء سجله في حقوق الإنسان، ولملاحقة المحكمة الجنائية الدولية لقيادته فلا تصافحها الوفود الدولية الزائرة للبلاد وعندما تزور أية دولة فيها قضاء مستقل تلاحق بغية اعتقالها. هذا ما نحن بصدده.

لماذا أنت في القاهرة والسودان يشهد ظروفاً استثنائية؟

صحيح السودان يشهد ظروفاً استثنائية، لقد خرجت قبل ثلاثة شهور تلبية لدعوة من السيد ثامبو أمبيكي في أديس أبابا وكما قد تعلم فأنا عندي خمس طواقي دولية تشدني لنشاطات إقليمية ودولية وفي هذه الفترة زرت إثيوبيا، وفرنسا، وبريطانيا، وباكستان، والأردن، وجزر المالديف، ومصر. مصر بلد يشعر فيه السودانيون خارج وطنهم بوطن آخر.

كما تعلم قضايا السودان بسبب عجز حكامه صارت تبحث وأحياناً تبرم خارج السودان، وكل الاتفاقيات التي أبرمها هذا النظام تحمل أسماء خارج الوطن: مشاكوس، ونيفاشا، وأبوجا، والدوحة، وأديس أبابا. والدول المهمة كلها عينت مبعوثين خاصين للسودان لكي يتحركوا خارج النظام البروتوكولي. وسياسات النظام جعلت السودان لأول مرة في تاريخه موضوع قرارات مجلس أمن تحت الفصل السابع الذي يصنفه خطراً على الأمن والسلام الدوليين. الواقع الذي صنعته إخفاقات النظام هو الذي جعل شؤون السودان إلى حد كبير تدار خارج الوطن. ومع ذلك فأنا بعيد عن الوطن جغرافياً مشدود إليه لأنه يجري في دمي. وسوف أعود سرعان ما أحضر اجتماعات مبرمجة حضوري لها مهم.

ما حقيقة أن وجودك بالخارج هروب من مواجهة أزمة الداخل؟

لا، وجودي في الخارج كما أوضحت الإجابة أعلاه ليس هروباً فالسودان ليس وطناً نسكنه، لكنه وطن يسكننا وكما جاء في البردة الجديدة:

وسنة الله في الأحباب أن لهم وجهاً يزيد وضوحاً كلما ابتعدا

لو تابعت اجتماعاتي ونشاطاتي ومحاضراتي ومقالاتي المستمرة لأدركت أنني حاضر في الشأن السوداني بصورة أقوى كثيراً من قوم يعيشون في السودان الآن ولكن بينهم وبين قضاياه وهموم أهله طلاق بائن.

تظل المعارضة تتحدث عن تغيير، دون رؤية خطوات ملموسة؟

فيما قلت لك رداً على السؤال الأول ما بين الخطوات الملموسة التي نخطوها.

في تقديرك لماذ يسعى الحزب الحاكم بالسودان إلى حسم معركة الانتخابات لعام 2020م من الآن؟

الحزب الحاكم الآن بشهادة أهم المفكرين الذين ساندوا الانقلاب مفلس تماماً فكراً وبرنامجاً وإن كان ثرياً من الأموال العامة المجنبة. وهذا طبعاً فساد. وإثارة الحديث عن انتخابات 2020م ملهاة سياسية يلوكها قادة النظام وتذكرني بتلك السيدة التي تطمئن أولادها الجياع بحلة ملأتها ماء وحصى وشدتها في النار! الذين صدقوا أن في هذه الحلة ما يسمن أو يغني عن جوع هم دراويش سياسة. الإمام المهدي عرف درويش بالذي لا يعرف مصلحته. وما معنى الحديث عن انتخابات والواقع الأمني، والاقتصادي، والدولي يجعل الوطن في حالة احتضار؟ هذا مثل حشاش بدقنو أو الذي يحسب أنه يمتلك ألف جرادة طائرة. الأولوية اليوم لأزمات آنية لا يمكن أن يلهى من يده على الجمر عنها. ما معنى أن تقول لشخص يوشك على الغرق: الشهر القادم سوف نزفك لتاجوج؟

لكي يستحق الإجراء أن يسمى انتخابات ينبغي أن تتوافر سبعة شروط حددناها في خطابات سار بذكرها الركبان. فإذا تخلفت تلك الشروط فإن أية إجراءات تسمى انتخابات كلمة حق يراد بها باطل.

هناك سبب ذاتي لإثارة هذا الموضوع الانصرافي وهو أن بعض الناس في المؤتمر الوطني وبعض الشباب العاطل أرادوا التزلف لرئيس الجمهورية لنيل منافع غير مستحقة.

هل من محاولات للبحث عن معادلة سياسية جديدة للأزمة السودانية؟

لم يعد هناك شك بين عقلاء الوطن باختلاف أفكارهم وأحزابهم أن أزمات البلاد تتطلب إبرام سلام عادل شامل، وإقامة حكم انتقالي قومي يطبق برنامج إصلاح اقتصادي اتضحت معالمه، ويكفل الحريات العامة، ويعقد مؤتمراً قومياً لكتابة الدستور، ويجري عدالة انتقالية للحقيقة والإنصاف، ويرد للسودان دوره في العلاقات الخارجية المبرأ من العدائية ومن التبعية في العلاقات الدولية، والمبرأ من المحورية البلهاء في العلاقات الإقليمية، ويسترد دور السودان التوفيقي في إطفاء نيران الفتنة بين الأشقاء في عوالمنا العربية، والإسلامية، والأفريقية.

كيف تنظر إلى دعوات البعض لخروج السودان من التحالف العسكري العربي بقيادة السعودية في حرب اليمن؟

منذ تأزم الموقف في اليمن أدنت إجهاض حركة الربيع العربي، ثم أدنت فرض حل من جانب واحد. وقلت وأكرر إن دور السودان التاريخي كما حدث في أكثر من مناسبة عربية هو العمل من أجل وفاق الفرقاء. حدث هذا ما بين مصر والمملكة العربية السعودية ما بين الملك فيصل والرئيس عبد الناصر رحمهما الله، وحدث ما بين المملكة الأردنية الهاشمية وحركة التحرير الفلسطينية، وما بين إيران والعراق في حرب 1980-1988م. هذا هو دورنا التاريخي بل واجبنا الإيماني (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ) . هذه الحرب ضارة بكل أطرافها، ولا تفيد إلا تمدد الأنشطة الإرهابية والتدخل الدولي في الشؤون العربية والإسلامية. والآن هناك عدد كبير من العلماء والمفكرين والساسة وأنا منهم بعد أن تأكد أن الجامعة العربية عاجزة سوف نقوم بمبادرة لوقف إطلاق النار وتقديم مشروع صلح عادل. ماذا عن المترتبات اقتصادية واجتماعية المتوقعة حال استمرار الوضع كما هو عليه الآن بالسودان؟

نعم إن أوضاع السودان المأزومة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً يمكن أن تؤدي لانهيارات أو مغامرات غير محسوبة العواقب. ما جعل كثيراً من الحادبين حتى من خارج القوى السياسية يتقدمون بمبادرات لإيجاد مخرج وهبوط آمن بدل حادث مدمر. ومن يتابع الأخبار ووسائط التواصل الاجتماعي يشهد ما لا يقل عن 10 مبادرات من حادبين لإيجاد مخرج وطني، بعضها واقعي، وبعضها رومانسي، ولكن كلها تتفق على وضع حد لما عليه السودان الآن.

هل بقاؤك بالخارج حقا يتيح لك حرية التحرك والتعبير أكثر من الداخل؟

عندما كنت بالداخل تحركت في أكثر من مجال، وخاطبتُ اجتماعات كثيرة، وطفت بسبع ولايات، بل اعتقد أن حركتنا الفكرية والسياسية عبرت عن شرعية دستورية لم يستطع النظام الانقلابي مهما اجتهد محوها.

وكما هو معلوم هذه الأنشطة جلبت لي التحقيقات والاعتقالات فقد بلغت اعتقالاتي في ظل هذا النظام أكثر منها في أي نظام آخر، أكثر عدداً لأطول مدة. ولكن هذا الكيد اعتبره نعمة خفية لأنها تكسب صاحبها ثقة شعبية ومحبة لا سيما وهم يعلمون أنني من أجل مبادئ يؤيدونها لم أقبل أية وظائف مهما علت.

وفي الخارج واصلت الأنشطة الفكرية، والسياسية، والتعبوية، والدبلوماسية؛ يعني الموقع داخل أوخارج السودان لا يؤثر في حقيقة دينامية الحركة.

متى سوف تعتزل المنابر السياسية؟

لن اعتزل المنابر الفكرية والسياسية فعندي رسالة، ولكنني أرتب لاعتزال المنابر الحزبية للانصراف لأنشطة فكرية، ثقافية، قومية، إقليمية، دولية، واهتمام كبير ببناء مؤسسة اقتصادية. هذه الخطة مبرمجة الآن وسوف يرتبط تنفيذها بالمؤتمر العام الثامن الذي يجري الإعداد له حالياً.

حال لقائك بالرئيس البشير الآن أهم النصائح والرسائل التي بإمكانك أن تبعثها له؟

قبل اندلاع الحرب في منطقتي جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق التقيت الأخ البشير لقاءً ثنائياً، وكانت الأمور مأزومة وكان قد أمضى في السلطة أكثر من عقدين، تاريخ اللقاء مارس 2011م. ومع الأزمات القائمة كانت نذر الحرب في المنطقتين في الأفق. قلت له: الأخ الرئيس تجنباً لما قد يحدث من مضار للبلاد اقترح عليك برنامجاً قومياً من عشر نقاط حددتها. واقترح أن تحتل مكاناً تاريخياً بدعوة أشخاص حددتهم، وأن تبلغهم موافقتك على البرنامج القومي، وأنك توافق أن ينفذه رئيس وفاقي اقترحت له كيفية اختيار هذا الرئيس الوفاقي. وسلمته هذه المقترحات في رسالة مكتوبة. ولكنه لم يستجب لها.

إذا لقيته كما اقترحت فإن نصيحتي له سوف تكون، أنت تعلم أنني كنت ضحية انقلابكم، وكانت إعلاناتكم كأن الانقلاب ضد شخصي لا ضد الائتلاف الحاكم. مع ذلك كنت مستعداً أن أتجاوز عن المرارة ووجدتم في جيبي لدى اعتقالي في 5/6/1989 خطاباً لكم اقترح أساساً لتجاوز المواجهات والتركيز على إيجاد مخرج قومي للبلاد. أهملتم المذكرة وكان ما كان.

وأنت تعلم أنه عندما لغم بعض المعارضين العاصمة لتفجيرها بآليات حديثة أنني أوقفت ذلك بحزم.

(مقاطعة) وماذا حدث بعدها؟

في مايو 2014م اجتمعت الهيئة المركزية لحزب الأمة القومي وذكر الأعضاء مخالفات المؤسسات وباسمهم أعلنت أن هذه المخالفات ينبغي التحقيق الوطني فيها وإحقاق الحق قبل أن تأتي مساءلات دولية بشأنها، هذا الموقف الواضح قوبل من جانبكم ببلاغ كيدي تحت المادة”50″ لاعتقالي باعتبار أنني دعوت لإسقاط النظام بالقوة.

وأنت تعلم أننا اعترضنا على ميثاق الفجر الجديد الذي تبنته الجبهة الثورية السودانية لما فيه من إسقاط النظام بالقوة وتقرير المصير للمناطق المهمشة. ولكن بالتواصل الأخوي اقتنعت معنا فصائل الجبهة الثورية كلها بإعلان باريس في أغسطس 2014م، الإعلان الذي فيه إعلان والتخلي عن إسقاط النظام بالقوة وعن تقرير المصير. وبدل أن يرحب نظامكم بهذا الفتح رميتم الاجتماع والإعلان بحديث كيدي أن الاجتماع في باريس تدبير إسرائيلي بهدف احتلال الفاشر!

ولدى حضوركم لقاء القمة الأفريقية في جنوب أفريقيا وقرار المحكمة الدستورية فيها باعتقالك بأمر المحكمة الجنائية الدولية. وأجمع المعارضون أن هذه فرصة للخلاص منك. أنا باسم حزب الأمة القومي قلت لا. صحيح نحن مع المحكمة ونراها تطوراً دولياً حميداً لصالح المظلومين ولكن مثل هذا الاعتقال يعرِّض البلاد لاضطرابات فنحن نريد التوفيق بين العدالة والمساءلة. صحيح وجد لكم الرئيس جنوب الأفريقي مخرجاً غير قانوني عرضه للمساءلة السياسية والقانونية فيما بعد.

وأنت تعلم الدور البناء الذي قمنا به لتوقيع نداء السودان لخريطة الطريق في أغسطس 2016م.

وتعلم أنني لم أقبل رئاسة نداء السودان إلا بعد تأكيد وسائله السلمية لتحقيق أهدافه ما نص عليه إعلان دستوري للنداء. واتفقنا أن الفصائل المسلحة سوف تستمر كذلك إلى أن يبرم اتفاق سلام عادل شامل، ولكن لا لاستخدام السلاح لإقامة النظام الجديد المنشود. ولو نظرتم للموضوع من زاوية عقلانية ووطنية لاعتبرتم أن موقفي هذا سوف يساهم في استمرار كافة فصائل النداء الالتزام بالوسائل الخالية من العنف لتحقيق الأهداف، ولكن أجهزتكم لم تجد في هذه الإيجابيات فرصة وطنية كما ينبغي بل ألفت بلاغات كيدية ما أنزل الله بها من سلطان.

ولكن يا أخي السودان في خطر، وأنتم قد اتخذتم تدابير لحماية أمنكم داخلية وخارجية هي من المخاطر على الأمن القومي السوداني.

لقد أعرضت عن مذكرتي لك في مارس 2011م، ولكن الآن الاستجابة لها باعتماد برنامج خلاص وطني قومي تنفذه حكومة برئاسة رئيس وفاقي صارت أوجب الواجبات يمنحك فرصة تاريخية لتحقيق نجدة للوطن والتكفير عما أصابه.

إذا أقبلت على هذا الموقف فسوف تجد تجاوباً قومياً بلا حدود.

والله من وراء القصد.

حوار: عبدالرؤوف طه – الهضيبي يس
الصيحة