العولمة تحيل الموتى إلى سلعة كمالية
أصيب الجيولوجي البريطاني برايان تاندي بنوبة قلبية شديدة أودت بحياته، فرحل عن الدنيا مخلفا أرملة وبنتين، هما جيل البالغة من العمر 23 سنة، وكلير ذات التسعة عشرة سنة، ومن فرط حبهما لأبيهما الراحل فقد قررت البنتان الاحتفاظ به قريبا منهما بالمعنى الحرفي للكلمة، كتبت عنه وعن الأسرة المكلومة قبل سنوات، ثم وخلال وجودي في لندن )وما زلت فيها منذ الـ25 من إبريل المنصرم(، قرأت حكايته – أو ما طرأ فيها من تطورات في الصحف اللندنية.
فوجئت بأن البنتين استردتا – أو هكذا زعمتا- والدهما المتوفى، وهو يلمع ويتوهج ويتلألأ، والسر في ذلك ان كلير وجيل كانتا قد قامتا بحرق جثة الوالد العزيز، ثم تسليم الرماد الناجم عن الحرق إلى شركة »لايف جم«، وتعني »درَّة الحياة« لتحويله إلى قطعتي ماس يتم تثبيتهما في خاتمين ترتديانهما الفتاتان، وما يحدث هو أن الشركة تقوم باستلام رماد المتوفين وتسخينه في فرن يحتوي القليل جدا من الاوكسجين، للتخلص من الشوائب وبعدها يتم تحويل الفحم إلى جرافايت، وهو الكربون الطري الذي تصنع منه أقلام الرصاص بالتسخين على درجات حرارة عالية للغاية، ثم يوضع مسحوق الجرافايت في جهاز ضغط قوي بمعدل 900 ألف باوند )رطل انجليزي( للبوصة المربعة، ويُعرّض لحرارة تبلغ 3000 درجة، ويستغرق انتاج قطعة ماس من المتوفى عدة سنوات، تظل خلالها بقاياه تتعرض للتسخين والضغط والضرب عدة مرات، يعني بابا برايان تاندي ظل يتعرض للشوي على مدى سنوات حتى »استوى«، وأصلا الماس الأصلي ينتج عن كربون ظل مضغوطا ويتعرض لحرارة عالية في جوف الأرض لآلاف السنين
وقد افتتحت شركة لايف جم وهي أمريكية فروعا لها في بريطانيا وعدد من الأقطار الأوربية، وبما اننا مولعون بالتداوي في بريطانيا رغم ان النظام الصحي فيها لم يعد افضل حالا من النظام الصحي في الصومال، فإنني انصح كل قارئ يتم ابلاغه بان عزيزا لديه توفي في بريطانيا ودفن هناك أن يتوجه إلى الشرطة ليتم نبش القبر للتأكد من أن »المرحوم« مدفون فعلا بكامل هيكله العظمي، أو اخضاع من رافقوا المريض خلال رحلة طلب الاستشفاء للمراقبة لسنوات، للتأكد من انهم لا يملكون قطعا من الماس!! وطالما ان انتاج الماس من جثة الميت ممكن فعلينا فرض حراسات مشددة كالتي يحظى بها البيت الابيض على المقابر، كي لا تقوم عصابات بسرقة جثامين الموتى وحرقهم بقصد الإثراء بتحويلهم إلى ماس!! المقرف في حكاية الراحل العزيز برايان تاندي ان ارملته وبنتاه تزعمان ان بهدلة بقاياه وتحويلها إلى فصين من الماس »سيجعل الراحل يحس بالسعادة«، لأنه سيبقى لصيقا بالبنتين، لأنه سيكون خاتما في أصبع كل منهما، والرجل قد يقبل طوعا أو كرها ان يكون )خاتما( في إصبع زوجته، بل وشبشبا في رجلها، ولكنني لا أعرف رجلا يقبل ان يكون خاتما في إصبع ابنته.
حققت العلوم فتوحات كبيرة في السنوات الأخيرة خاصة في مجالات الطب والصحة والتكنولوجيا، ولكن معظمها خضع لشروط العولمة التي تحيل كل شيء إلى سلعة، وآخر صرعة هي تحويل جثث المتوفين إلى احجار كريمة للزينة!! نعرف جميعا أنه لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها، وهو المنطق الذي يجعل الكثيرين لا يمانعون في نقل اعضائهم بعد وفاتهم إلى اشخاص آخرين يعانون من علل مستعصية، ولكن حكاية تاندي الذي تحول إلى خاتم تجعلني أقشعر من فكرة ان يحمل شخص اعضائي بعد موتي، ماذا مثلا لو نقل الاطباء كبدك إلى شخص يقوم بمجرد تعافيه بتلويثها )كبدك( بالمشروبات الكحولية الرخيصة المغشوشة )هنا أجاري من يزعمون ان الكحوليات غالية الثمن لا تضر الكبد!!(؟ ماذا يقول الناس عنك لو تم نقل قرنيتك إلى شخص فاسترد بصره وبات يستخدم تلك القرنية في متابعة برامج )إباحية(، ومعاكسة بنات الناس في الأسواق؟ أو ذاك الذي تنتقل اليه رئتك فيلوثها بالنيكوتين والقار؟
زاوية غائمة
جعفر عباس
يا ابو الجعافر يا مرطب. موسم الرطب قرب !!
خلي الفلسفة الفارغة، سفر لندن ما حاجة بفتخرو بيها…لكن حكاية انو النظام الصحي البريطاني أسوأ من الصومالي دي شطحت فيها…بدل الفلسفة دي ماتجي لندن تاني واقعد أتعالج في قطر الدخلها كله بالغاز والبترول وفرق الكورة اقل من ميزانية النظام الصحي الحكومي البريطاني!!! صحيح اقرع ونزهي