تحقيقات وتقارير

وزارة التربية ولاية الخرطوم .. فساد في خضم حملة الفساد ..؟

قبل ثلاث سنوات بالضبط، أي في أبريل من عام 2015، كشفنا عبر تحقيق صحفي، واحدة من أكبر عمليات الفساد المنظم في وزارة التربية والتعليم بولاية الخرطوم، وظننا وقتها أن انجازاً قد تحقق لمصلحة الحقيقة وكشف المفسدين، والحفاظ على المال العام، غير أن الواقع أكد أننا كنا من الحالمين، وأن متسع الحسرة على ضياع المال العام وعلى التعليم لا حدود له، وقبل أن ندخل في التفاصيل، يجب أن نشير إلى أن الفساد الذي نعنيه كان في إدارة التعليم قبل المدرسي، والتي تقع على عاتقها آلاف من الرياض الخاصة واليوم تكشف لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن الذين ضبطناهم يتلاعبون في المال العام، ظلوا يتلاعبون بالمال العام، تحت سمع وبصر المسؤولين، دون وازع ولا رادع، كيف وقد أمنوا العقوبة، والفرق الوحيد أنهم هذه المرة يفسدون وقد أعلنت حملة فساد..لكن المفارقة المدهشة أنهم اليوم أكثر جرأة على المال العام، لجهة أن مديرة الإدارة إلهام عثمان في الفائته أقرت واعترفت بأنها مدت يدها على المال العام، ولكنها هذه المرة استدعت جهاز أمن الوزارة لطردي خارج المكتب.

 

تجار الظلام:
الإدارة العامة للتعليم قبل المدرسي، هي واحدة من الإدارات الحديثة، والتي في بذرة تكوينها كثير من الثغرات التي تسمح بالفساد والتجاوزات، وهي شبيه بإدارات كثيرة في الدولة، وهي إدارات في مؤسسات حكومية عليها ضبط النشاط الخاص ومراقبته وتقويمه، وباختصار هي إدارة التعليم قبل المدرسي القطاع الخاصة، أي أن الإدارة التي تعامل مباشرة من أصحاب مصالح و(بزنس) في التعليم قبل المدرسي، بمعنى آخر على إلهام عثمان مدير إدارة التعليم قبل المدرسي أن تتعامل مع الرياض الخاصة التي تؤسس ليجني أصحابها أرباحاً مادية، ومن هنا يدخل الفساد، في ظل قوانين وتشريعات ضعيفه ولاوائح شبه منعدمة، تجعل الإدارة تقبع في منطقة منخفضة الإضاءة أن لم تكن مظلمة تماماً يسهل التكسب منها والحصول على مال بطرق قانونية أو غير قانونية وهذا ما حدث في وزارة التربية الخرطوم.

 

تحصيل أموال:
قبل ثلاث سنوات كما ذكرنا آنفاً، الصدفة وحدها قادتنا لاكتشاف التجاوزات التي تتم في إدارة التعليم قبل المدرسي- المفارقة أن إلهام عثمان هي نفسها المديرة قبل ثلاث سنوات- والصدفة كانت عندما حضرت مديرة روضة تشتكي من نزع روضتها في بري، وأبرزت ورقة تحصل بموجبها مدير التعليم بمحلية الخرطوم عبد العزيز عجبنا من المعلمة مبلغ (850) جنيهاً، الورقة طبعة بالكمبيوتر لا إصال ولا يحزنون، عبد العزيز بعد أن واجهناه اعترف بالخطأ، إلا أن عدد من الذين قابلناهم في محلية الخرطوم أكدوا لنا أن التجاوز أكبر بكثيرمن ورقة عبد العزيز التي يتحصل بها رسوم تجديد الرياض، ونبهونا إلى الدورات التدريبية التي تقيمها إلهام عثمان في إدارة التعليم قبل المدرسي، وعن أموال يحصل عليها الموجه التربوي من الرياض لإدارة التعليم في الوزارة نصيب فيها وأخذنا ننقب في أضابير إدارة التعليم قبل المدرسي لتتكشف لنا حقائق خطيرة، في مجملها، تحصيل أموال بطرق غير مشروعة وصرفها قبل أن تتدخل خزينة الدولة.

 

الدورات التدريبية المال السائب:
من واقع الحال يبدو أن الدورات التدريبية أو الكورسات التي تلزم بها إدارة التعليم قبل المدرسي، معلمات الرياض تدر أموال طائلة على إدارة التعليم قبل المدرسي، لذا متمسكة بها وبذات الطريقة المخالفة لأبسط القواعد والضوابط المتبعة في الدولة في تحصيل المال العام وصرفه، والدورات التي نحن بصددها، هي دورات أو كورسات سنوية، تلزم بها الوزارة معلمات الرياض، وهي دورات متعددة، منها المتقدمة والبراعم والحالات الخاصة والإبداعية وإدارة الرياض، كل هذه الدورات لا تتعدى الواحدة فيها أكثر من ثلاث أسابيع وبعضها لا يتجاوز الأسبوع الواحد وقالت معلمة تحدثت لـ(الجريدة) ” كورس البراعم أسبوع واحد فقط ولا نتعلم شيء مفيد” ولكل واحدة من هذه الكورسات رسوم ويمكن للمعلمة أن تحضر أكثر من كورس في فترة الكورسات، فمثلاً المتقدمة رسومها المحددة (350) جنيهاً، والبراعم (330) جنيهاً، والحالات الخاصة (280) جنيهاً، إضافة إلى رسوم تسجيل تختلف من محلية وأخرى، في محلية الخرطوم وبحري يتم تحصيل (30) جنيهاً كرسوم تسجيل عن كل معلمة وتصل هذه الرسوم إلى (100) جنيهاً في محليات أخرى، لا نريد أن نعيد عليكم الكلام ولكن كل هذه الرسوم يتم تحصيلها بدون إيصالات، لا أكترونية ولا ورقية حتى.

 

إلهام تحتمي بالأمن:
توجهنا إلى مديرة الإدارة العامة إدارة التعليم قبل المدرسي، إلهام عثمان، وفي حقيقة الأمر، أصبحنا “زباين”، نعرفها وتعرفنا، وفي المرة الماضية كانت شديدة التعاون مع التحقيق، اعترفت بحصولها على أموال بطريقة غير شرعية، وقالت أنها حصلت على (80) ألف جنيه كحافز، رغم أن مصادر قالت أن رقمها غير دقيق، لجهة أنها حصلت على أكثر من ذلك، ولم تتعاون إلهام وحدها مع التحقيق الصحفي ولكن أيضا المدير الفني بمحلية الخرطوم فاطمة التجاني والتي اعترفت بتحصيلهم أموال بطريقة غير قانونية وصرفها بطريقة غير قانونية، وكذلك مدير التعليم بمحلية الخرطوم عبد العزيز عجبنا، ولكن هذه المرة الوضع اختلف ويبدوا أن أحدهم نصح إلهام بعدم التعاون مع الصحافة مهما تحصلت من أدلة ومعلومات مسنودة بالمستندات، وفور ما دخلت على مكتبها، وسألتها عن كيف عادوا إلى إقامة الدورات التدريبية بذات الطريقة القديمة، وبدون إيصالات إلكترونية أمالية، قالت “أنا ما دايره اتكلم” أعدنا عليها السؤال بعد أن قلنا لها” حتى أن رئاسة الجمهورية عبر لجنة التحصيل غير القانوني منعتكم من هذه الممارسة” كان ردها هذه المرة “أسأل مدير عام الوزارة” وأضافة ” أنا ما بتكلم إلا أمام مدير عام الوزارة” في إشارة إلى أن الأمر تم هذه المرة بعلمه وبإذنه، ثم عبر الهاتف استدعت أحد أفراد أمن الوزارة واسمه فاروق، وطلبت منه أن يأخذ هاتفي ويمنعني من التسجيل، سنتوقف هنا لنروي ماذا حدث وكيف تكشفت الحقائق بعد مكالمتها ولكن سنورد جزء من حديثها قبل ثلاث سنوات، لنبين كيف تدار الأمور في هذا البلد، وكيف يفسد الموظف العاك ولماذا وفوق هذا وذلك لماذا إنهار التعليم ووصل إلى ما وصل إليه فألى إفادات إلهام السابقة.

 

إلهام تعترف:
سألناها: كيف يتم تحصيل رسوم الدورات التدريبية؟
قالت: عبر إيصالات مالية طبعاً..
– ولكن حسب مصادرنا لا توجد إيصالات، هل بطرفك أي إيصالات لهذا الغرض؟ وهل هي أورنيك 15 أ؟..
قالت: في الحقيقة لا توجد أرانيك (15أ) هي إيصالات عادية..
ـ ولكن هذه مخالفة..
ـ كان ردها أنها وجدت الأمر في إدارة التعليم قبل المدرسي يسير بهذه الطريقة دون أن يتم تحصيل الأموال عبر أورنيك رسمي..
وبعد أن أعدنا عليها السؤال لجأت إلى حيلة دفاعية أخرى وهي أنها غير مسؤولة عن الأموال بل تشرف فنياً فقط على هذه الدورات وأن المسؤولية تقع على عاتق مدير إدارة التعليم قبل المدرسي في المحلية- سنتحدث مع عبد العزيز عجبنا مدير الإدارة في محلية الخرطوم-
من جانبنا قلنا لها: إدارة المحلية تقع ضمن مسؤولياتك..

قالت إن هذا صحيح ولكنها مسؤولة عن النواحي الفنية ولا علاقة لها بأموال الدورات.. -غير أن هذه المنطق سينهار في بعد أن نكشف لها أن إدارتها تحصل على مبلغ مقدر من هذا المال ويسلم لها وتحصل هي شخصياً منه على حافز –
قلنا لها إن المعلومات المتوفرة تقول إنها تحصل على (12) ألف جنيه من كل محلية من محليات الخرطوم السبع بعد نهاية كل دورة تدريبية.. المدهش أنها أقرت بحصولها على المال ولكن قالت إنها لم تتحصل على المبلغ إلا في هذا العام فهذه هي المرة الأولى التي تحصل فيها على 12 ألف من كل محلية (مبلغ 84 ألفا) وذكرت أنها في السابق كانت تحصل على أقل من هذا المبلغ بكثير.

 

فساد:
لا شك أن إدارة التعليم قبل المدرسي وقعت في المحظور وتحصلت على أموال بطريقة غير شرعية وصرفتها كذلك بطريقة غير سليمة، رئاسة الجمهورية قبل إدارة التحصيل غير القانوني منعت إلهام عثمان من هذه الممارسة وطالبتها بكشف حساب لهذه الدورات قبل ثلاث سنوات، ولكن ماذا حدث، ومن أين وجدت إلهام الجراة لإقامة الدورة التدريبية والحصول على المال بذات الطريقة التي منعت منها، وهل فرح مصطفى وزير التربية بولاية الخرطوم يعلم بما يجري؟
كل ذلك في الحلقة القادمة.

 

 

الخرطوم: شوقي عبد العظيم
صحيفة الجريدة