مركز الرحمة لتحفيظ القرآن الكريم .. سحابة (رحمة) تمطر بسماء دلَّوت البحر
خيرُ الناس الذين يتعلمون القرآن ويعلمونه الناس ، وأنعم بها من خيرية ورفعة وتشريف .. جهات ومؤسسات عديدة على امتداد سوداننا الحبيب تسعى لتنال شرف الخيرية هذه ، عبر (الخلوة) باعتبارها المكان الوحيد الذي يقصده طالب حفظ القرآن ، وتختزن الذاكرة السودانية صورة (الخلوة) بعدد من الناس يجلسون في مكان نائي ، (غُبش) ويرتدون ثياب (رثَّة) و(متسخة) يأكلون (العصيدة) ويفترشون الأرض ويلتحفون السماء . هذه الصورة مؤكد أنها مقلوبة وتحتاج إلى تعديل وإصلاح من الجميع ، فطالب القرآن ينبغي أن يكون ذا هيئة حسنة وثياب نظيفة وبيئة مثالية ، إذ شرف العلم بشرف المعلوم ، والعلم هنا كتاب الله وكلامه ، وليس أعظم ولا أشرف من هذا العلم . لماذا تغيب عن الخلاوى القاعات المكيفة ويحرم الطلاب من استخدام (التاب) و(الآيباد) والشاشات الذكية ، ولا يدرسون الإنجليزية ؟ .
السبت الماضي شرفت برؤية ثمار تجربة متميزة قام بها رجال ومشايخ متميزون ، لم تبلغ بعد الثالثة من عمرها ، إلا أنها أينعت وخرَّجت أشبال حفظوا كتاب الله في أقل من 24 شهراً وأعمارهم لم تتجاوز الخمسة عشر ربيعاً . إنه مركز الرحمة النموذجي لتحفيظ القرآن الكريم بدولت البحر ريفي رفاعة .
خدمة كتاب الله
يقول الشيخ عبد الحفيظ المبارك مدير المركز وأحد المؤسسين ، إن الفكرة مستقاة من عدد من مراكز تحفيظ القرآن الكريم المنتشرة بولايات السودان المختلفة ، وتم تأسيس مركز الرحمة النموذجي لتحفيظ القرآن الكريم بمدينةدلَّوت البحر ، بهدف خدمة كتاب الله تعالى وتعليمه للنشء حفظاً وفهماً وتفسيراً وتطبيقاً ، حتى يشملهم شرف حديث النبي صلى الله عليه وسلم : ” خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه ” . هذا فضلاً عن حاجة المنطقة وأهلها لمركز تحفيظ مستمر . هذه الدوافع وغيرها كانت دافعاً لإنشاء المركز والذي تم افتتاحه غرة رمضان 1436 هـ – 2015م .
الإلتحاق بالمركز
لا يشترط المركز سوى الرغبة الأكيدة من الطالب وأسرته مع التفرغ الكامل مدة عامين ، وأن يكون العمر من 9 – 11 سنة ، ومؤخراً تم القبول لأطفال رياض الأطفال (4-5) سنة ، بجانب رسوم رمزية تدفع شهرياً لتوفير الإعاشة للطلاب ويراعى فيها الأيتام والفقراء .
البداية
بعد قبول الطالب يتم الجلوس معه ووضع خطة متكاملة لمستواه في الكتابة والقراءة ، ويشرع المشرف والشيخ المحفِّظ مباشرةً في تنفيذ الخطة لكل طالب على حدا . ويدرس جميع الطلاب (القاعدة النوراينة) وذلك لمعرفة أبجديات اللغة العربية وضبط الحركات الكلمات وتجويد القراءة والكتابة . ثم برنامج الحفظ والمراجعة .
قوام المركز
بدأ المركز بعدد (16) طالباً كدفعة أولى ، على الرغم من أن عدد المتقدمين كان أكثر إلا أن ضيق المكان حتَّم على الإدارة أن تبدأ بهذا العدد . وبعد عام واحد فتح باب القبول للدفعة الثانية ، تقدم أكثر من ثمانين طالباً ، وتم قبول (37) منهم ، وفي العام الماضي تم فتح الباب للدفعة الثالثة ، وتم قبول (45) طالباً و(10) طالبات وعدد (25) طالب و(20) طالبة بعمر 4 سنوات وفي مرحلة رياض الأطفال . وقوة المركز الحالية (160) طالب وطالبة .
البرنامج الدراسي
يبدأ المركز برنامجه اليومي بعيد صلاة الفجر ، بكتابة المقرر اليومي في اللوح أو الكراس ، وتصحيح القراءة ، ثم استراحة تناول شاي الصباح ، بعدها حفظ اللوح حتى وقت الفطور ، وبعده راحة وقيلولة ، ومعاهد الحفظ والمراجعة بعد الظهر ، ثم تناول وجبة الغداء ، وبعد العصر تسميع اللوح والمراجعة ، وبعد العشاء السُبع ، ومنها يعود الطلاب إلى منازلهم .
الثمار والنتائج
حتى كتابة هذه السطور كان (25) طالباً قد أكملوا الحفظ ، وأول طالب ختم حفظ القرآن كاملاً في خلال 15 شهر فقط ، ونال شهادة الحفظ من جامعة القرآن الكريم وعمره لا يتجاوز الـ13 عاماً ، وجلس حوالي (5) طلاب للامتحان وفي انتظار النتيجة من جامعة القرآن الكريم .
برامج لا صفية
يهتم المركز بجانب تنمية المواهب والقدرات ، للمناشط الترفيهية والألعاب الرياضية والمسابقات والجوائز ، ورفع القدرات في المواد الأساسية (لغة عربية ، رياضيات ، لغة إنجليزية) وذلك بجلب أساتذة متخصصين في هذه المجالات .
مميزات
من أبرز ما يميز مركز الرحمة التناغم والتناسق الذي يسود الطلاب لجهة أن أعمارهم متقاربة ، ثم أنهم من بيئة ومنطقة واحدة ، إضافة لرغبتهم الأكيدة في الحفظ والتعليم ، فضلاً عن تحفيز الوالدين لهم ، وتوجيهات الإدارة ونصائحهم المستمرة في أهمية حفظ كتاب الله وما يترتب عليه من تفتح الذهن والمدارك والنجاح ، وصغر سنهم ، ما يشكل عامل مساعد في سرعة وإتقان الحفظ .
قالوا عن المركز
على الرغم من حداثة ميلاد المركز إلا أن المتميز دائماً يظهر ويتلألأ وتشرأب له الأعناق لرؤيته ، حيث زار الأستاذ أحمد محمد علي فشاشوية وزير الدولة برئاسة الجمهورية ورئيس المفوضية القومية لمراقبة الإيرادات المالية ، وهو صاحب ومؤسس فكرة مدارس تاج الحافظين ، وأبدى إعجابه وسعادته بتجربة المركز ووصفه بأنه نموذجي ومن أميز المراكز وذلك لأنه يخدم أبناء المنطقة ، قائلاً بأن هذه الميزة غير موجود في كل مراكز التحفيظ على مستوى السودان ، فعظم المراكز تجد أن طلابها من خارج المنطقة وحتى إن وجدت من المنطقة فهم قلة قليلة ، وقال إن هذه الفكرة جديرة بالانتشار ومن شأنها أن تؤدي لتوطين ونشر القرآن بالمنطقة . كذلك من الذين زاروا المركز معتمد محلية رفاعة وعدد من المشايخ من داخل السودان وخارجه . ومدير مكتب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وعدد من منظمات المجتمع المدني .
آفاق النجاح
من عوامل نجاح أي فكرة أو مشروع ، أن ترى إنتشاره واستنساخ فكرته ، ونسبة لما تحقق من تميز ونجاح لمركز الرحمة لتحفيظ القرآن الكريم بدلوت البحر ، فإن عدد من الولايات حذت حذوهم واستنت بسنتهم وطريقتهم في الفكرة وتطبيقها ، ويقول الشيخ عبد الحفيظ المبارك إنهم على استعداد للتعاون وتقديم الخطط والبرامج لأي جهة تريد نقل هذه التجربة وتطبيقها ، سعياً في نشر كتاب الله وتحصين الأجيال من الفتن ووسائل الاستلاب الفكري والثقافي .
الجودة والتطوير
يحتوي المركز على هيكل إداري يعمل بروح الفريق الواحد ، يتكون من (عبد الحفيظ المبارك مدير المركز ، موسى سعيد نائب المدير ، عبد الحليم المبارك وعز الدين مصطفى مشرفين على الطلاب ، محمود صديق مسؤول الإعلام ، إبراهيم حسن المسؤول المالي ، وصلاح عبد الله مسؤول العلاقات ، 5 محفظين) ويتولى قسم الجودة والتطوير بالمركز بحث الإمكانات والسبل التي ترفع من الإرتقاء به في العملية التربوية والإدراية وتطوير قدرات المعلمين والطلاب وعقد الدورات التدريبية وقياس أداء الطلاب والمعلمين ومعالجة الإشكالات والاستفادة من الوسائل التعليمية والتقنية الحديثة في إيصال رسالة المركز .
أولياء الأمور
اهتم المركز بإشراك أولياء أمور الطلاب الدراسين بالمركز والمهتمين بأخذ رأيهم ومشورتهم ، حيث يشكل جميعهم مجلس الآباء ، ويروى الأخ (عز الدين عقيد) – يدرس أبناءه بالمركز – الأثر والتغير الإيجابي الذي وجده في سلوك وتعامل أبناءه قبل التحاقهم ببرنامج التحفيظ والبعد التحاقهم ، ويشير لارتياحه من البرنامج الديني والتربوي والأخلاقي الذي تسلح به أبناءه ، مشيراً لتخلقهم بأخلاق القرآن في تعاملهم مع زملائهم ووالديهم وإخوتهم ، داعياً الآباء وأولياء الأمور حث أبنائهم الالتحاق بمثل هذه المراكز ليناولوا سعادة الدنيا والآخرة .
تاج الحافظين
بعد أن يحفظ الطالب القرآن الكريم كاملاً بالمركز ، يكون زملاؤه بالتعليم الأكاديمي في الصف السابع ، ينتقل الطالب من مركز التحفيظ إلى مدرسة تاج الحافظين التي تتبع لمركز الرحمة نفسه ويدرس بها الصف الثامن ، ويمتحن لشهادة الأساس ويواصل تعليمه الأكاديمي مع زملاءه ، ويكون بذلك قد نال شرف حفظ كاتب الله ، وأدرك زملاءه .
وتقول وزارة التربية التعليم إن فكرة مدارس تاج الحافظين تستند في الأساس على دمج حفظة كتاب الله في الخلاوي بالمساجد السودانية وبمدارس تحفيظ القرآن في التعليم الأكاديمي العام ، وذلك لضمان مستقبل هؤلاء الحفظة ولإتاحة الفرصة لهم للمنافسة مع طلاب التعليم العام انطلاقاً من قاعدة تربوية واحدة . من خلال منهج معين لهذه المدارس يختصر سنوات الأساس الست في عامين فقط ينتقل بعدها طالب تاج الحافظين الى المرحلة الثانوية ثم المنافسة للمرحلة الجامعية.
الرؤية المستقبلية
من أهم عوامل النجاح لأي مشروع وضع الرؤية والخطة الاستراتيجية ، يقول الشيخ عبد الحفيظ المبارك مدير المركز ، بحمد الله تم التصديق مدرسة تاج الحافظين أساس ورياض الصالحين ، ولدينا رؤية متكاملة للمركز في مساحة كبيرة ، تشتمل على بناء مسجد وقاعات دراسية للطلاب والتحفيظ ، ومكاتب إدارية ، وقاعات لرياض الصالحين ومدرسة تاج الحافظين الأساس والثانوي ، قسم للبنين وقسم للبنات . وبحمد الله تبرع بعض الخيرين بمساحة الأرض ، ونسعى لجلب التمويل للبدء في التشييد . وفي إطار الرؤية المستقبلية لتطوير المركز يقول المهندس عمار عثمان – من مؤسسي المركز – إنهم في حاجة للاستفادة من التقنيات الحديثة في خدمة القرآن وأهله ، مشيراً لسعيهم تشييد معامل وجلب أجهزة كمبيوتر ولابتوب للاستفادة منها في تحفيظ القرآن وعلومه . وامتدح مساهمات الحكومة في دعم واستقرار المركز ، إلا أنه عاد وقال إن المركز يحتاج لوقفة المحسنين والخيرين .
دلَّوت البحر : عمر عبد السيد