منوعات

«الطاعون في العصر الأموي» .. صفحات مجهولة

يضيء كتاب” الطاعون في العصر الأموي – صفحات مجهولة من تاريخ الخلافة الأموية”، لمؤلفه أحمد العَدوي، على آثار الطاعون الذي حل وباء وانتشر في العصر الأموي.

وانعكاس نتائجه على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتحديداً في بلاد الشام والعراق ومصر وشمال إفريقيا. وعلى ما خلّفه هذا الوباء من اختلالات ديموغرافية عظيمة امتدت آثارها لسنوات طويلة.

يُناقش المؤلف في الفصل الأول «الطاعون وعالم العصور الوسطى»، مكانة الطاعون في عالم العصور الوسطى وأسباب فتكه بالناس.

كما يشتمل على تعريف بماهية هذا المرض وطبيعته، وتأثيره في أوجه الحياة، ومنزلته في التراث العربي، حيث ترك فيضاً من التساؤلات الدينية والفلسفية والفقهية.. فينقل لنا وجهات نظر المتفقهين في الشأن، حيث بينهم من نهى عن الخروج من أرض ضربها الطاعون، وآخرون أجازوا الخروج منها نجاة بالنفس.

ويستعرض الباحث في هذا الفصل آراء وتوصيفات أهل الاختصاص في ذلك الزمان حول هذا الوباء، فينقل لنا تعريفات حول هذا المرض الفتاك لأبي بكر الرازي وابن حجر العسقلاني وابن النفيس وابن سينا…

ولا يغفل نظرة العوام من الناس، الذين اعتبروا الطاعون عقاباً إلهياً يُصيب الناس من جراء انشغالهم بالدنيا وانهماكهم بالملذات وارتكابهم المعاصي وإهمال ما عليهم من فرائض وطاعات. وككل ظاهرة مؤثرة، تكثر الآراء والتكهنات، فشاع بينهم أنّ للحيوانات قدرة على استشعار قرب وقوع هذا الوباء، فإن عوت الكـــلاب وجاوبتها الذئاب ففي ذلك علامة هي بمثابة نذير شؤم بقرب حدوثه.

في الفصل الثاني «فورات الطواعين في العصر الأموي» يحصي الطواعين التي وقعت في عصر بني أمية، ويحدد تعاقبها الكرونولوجي، ويعرض لأخبار الطواعين في صدر الإسلام.

كما أثبتها الرواة والمؤرخون، ويناقش الإشكالات المحيطة بها. ويحصي الباحث استناداً إلى المصادر الموثقة تاريخياً نحو 20 فورة من الطاعون في العصر الأموي، حيث دام الوباء في إحدى المرات أكثر من سبعة أعوام أزهقت خلالها أرواح الآلاف.

ويقف الباحث في الفصل الثالث على الآثار الديموغرافية للطواعين وانعكاساتها على المجتمع والدولة في العصر الأموي؛ فيُشير في سياق هذا الفصل إلى سرعة تفشي هذا المرض نتيجة لجهل الناس بالتعاطي معه في غياب إرشادات الوقاية والحيطة.

فقد حصد هذا المرض على سبيل المثال في إحدى جولاته ما نسبته 93300 ضحية لكل 100000 نسمة، فكانت النعوش تتوالى دفعة واحدة ما بين مئة إلى 500 نعش وفي كل نعش ما بين ثلاث إلى أربع جثث.

ويشرح المؤلف أنه تسبب الطاعون أيضاً بخلو القرى والضياع من الناس، مما أثر بشكل مُباشر على موارد الدولة المتمثلة في الجزية والخراج وفقدها الأيدي العاملة، فارتفعت الأسعار من جراء نقص الأيدي العاملة، وبلغت مستويات غير مسبوقة.

حيث وصل التضخم إلى حد فاق 50 بالمئة. ومما تسبب به الطاعون يذكر الباحث انتهاج الدولة لسياسة التهجير القسري لإعادة التوازن الديموغرافي إلى البقاع الأكثر تضرراً بسبب تفشي هذا المرض الذي أسهم في إحداث هجرات عشوائية، لجأ الناس إليها هرباً من الوباء القاتل.

وهذا ما حدا بالدولة إلى اتخاذ إجراءات صارمة وصلت إلى حد منع الفلاحين من مُغادرة قراهم، ثم لجأت إلى وشم الفلاحين والأكرة على أياديهم بأسماء القرى التي ينتمون إليها حتى يسهل أمر إعادتهم إليها.

ومن نتائج فورات هذه الطواعين المتتالية، تراجع في أعداد العرب، وهم عماد جيوش بني أمية في العراق والشام، تراجعاً حاداً، أصاب الدولة لأموية بالوهن والضعف وأفقدها مقدراتها، فعجزت عن مقاومة الثورة العباسية التي اختار روادها توقيتاً ملائماً لثورتهم بين طاعونين كبيرين أصابا الشام والعراق بين عامي 743 و748 م هما طاعونا مُسلم بن قُتيبة وطاعون غراب.

وقد أسفرا عن خسائر مادية وبشرية هائلة أصابت قلب الدولة الأموية. وانتهت الدراسة إلى تأكيد تراجع دور دمشق وفقدانها الثقل الذي تميزت به في عصر الخلافة الأموية، وكذا الأمر بالنسبة لسلوك خلفائها الذين هجروها ونأوا عنها فراراً من الطاعون.

صحيفة البيان