رأي ومقالات

الحكومة هزمت التمرد والسوق هزم الحكومة!!

إن حرب الجنوب الاستنزافية تفجّرت شرارتها الأولى في أغسطس عام 1955 وتوقفت بعد توقيع اتفاقية نيفاشا في عام 2005 وبين البداية والنهاية نصف قرن كامل

من الزمان تخللته هدنة توقفت فيها الحرب لأكثر من عقد من الزمان بعد توقيع اتفاقية السلام في أديس أبابا في شهر مارس عام 1972، وانفجرت شرارات التمرد والحرب مرة أخرى في شهر مايو عام 1983. ومن حسنات اتفاقية نيفاشا أنها أوقفت الحرب الاستنزافية بين الشمال والجنوب، ومن سيئاتها أنها فتحت بؤراً دامية أخرى في المنطقتين مع ترك قنابل زمنية قابلة للانفجار بين الفينة والأخرى في أبيي التي ظلت قضيتها معلقة … وبعد توقيع اتفاقية السلام في عام 1972 تدفقت المساعدات المالية والعينية بسخاء من الدول الغربية ومن المنظمات التي تدافعت لتقديم دعمها بحماس دافق ولكن بعد توقيع اتفاقية نيفاشا في عام 2005 أحجمت تلك الدول والمنظمات عن تقديم المساعدات اللازمة وعقد مؤتمر للمانحين في أوسلو ولكن كانت وعود الخواجات خادعة كاذبة وبدلاً من تقديم المساعدات المالية والعينية أشعلوا نار الحرب في دارفور ودعموا حركات التمرد الدارفورية الحاملة للسلاح دعماً مالياً ولوجستياً ضخماً واشترطوا أن يقدموا ما التزموا به في أوسلو بعد إيقاف الحرب في دارفور رغم أنهم هم الذين أشعلوا نيران الحرب فيها وكانوا يصبون عليها الزيت لتزداد اشتعالاً وفي هذا قمة الخبث واللعب على كل الحبال…

وخلاصة القول إن هذه الحروب أُزهقت فيها أرواح طاهرة عزيزة وفقد الوطن أبناءً بررة عزيزين عليه وتيتم أطفال وترملت نساء واستنزفت أموال طائلة خصماً على التنمية والخدمات والطعام والدواء والكساء وحورب المتمردون بيد تحمل السلاح وأخرى ترفع غصن الزيتون وتحاور وتفاوض في جولات مفاوضات عصية شاقة وكلما تم استرضاء حركة تمرد بالمال والجاه والسلطة ظهرت عدة فصائل أخرى تطالب بذات الامتيازات وبعضهم وجد نفسه حائراً متأرجحاً بين امتيازات السلطة وامتيازات التمرد ويصبح هنا ويمسي هناك وبعد انفصال الجنوب فإن بعض الذين أثروا ثراءً فاحشاً وصاروا من كبار الأغنياء بسبب تمردهم ونضالهم المزعوم سعوا لإقامة ما أطلقوا عليه الجنوب الجديد الذي أرادوا باسمه أن يبرموا مع الحكومة اتفاقية تماثل اتفاقية نيفاشا يقتسموا بموجبها السلطة معها وأرادوا استمرار الحرب والصعود على جماجم الأبرياء للضغط على الحكومة لتنفيذ مطالبهم ورغباتهم في الوصول للسلطة واعتلاء مواقعها الدستورية في كافة مستوياتها. وقد أثروا مالياً ولكنهم يريدون السلطة (وسلطة للساق ولا مال للخناق) ولكن طموحاتهم الذاتية الجامحة اصطدمت بصخرة الرفض الشعبي لهذه الألاعيب … وإن بعض المتمردين ارتضوا أن يكونوا مرتزقة في دولة الجنوب وبعضهم ارتضوا أن يكونوا مرتزقة عند حفتر في ليبيا ومن المحتمل أن يتخلى عنهم ويستغني عن ارتزاقهم وخدماتهم قريباً كما تشير لذلك بعض قرائن الأحوال. وإن عام 2020 سيكون عاماً حاسماً وسيكون الوصول لمواقع السلطة عن طريق صناديق الاقتراع وسيسدل الستار على المحاصصات عبر الترضيات التي تمت بعد توقيع اتفاقيات يكون أمدها قد انتهى وقتئذ. وتبقت بعض جيوب التمرد وخلايا نائمة يمكن حسمها، وإن شوكة التمرد كادت تنكسر نهائياً… وتزامن مع وجود المتمردين طوال السنوات الفائتة من هم أخطر منهم وهم الجشعون الفاسدون أثرياء الحرام والغفلة وحكايتهم طويلة فصولها مثيرة وحدثت انتباهة وصحوة يمكن أن نستدعي عنوان توفيق الحكيم ونسميها عودة الوعي وأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي وبدأت معركة محاربة القطط السمان ونأمل ألا تكون معركة فوقية في قوائم محددة والأمل أن تكون شاملة وبكل أسف إن الحكومة تركت الحبل على الغارب وحدثت فوضى لا مثيل لها في الأسواق وارتفعت الأسعار ارتفاعاً جنونياً بلا رقيب أو حسيب والمؤسف أن الجمعيات التعاونية قد حوربت وأضحت ضعيفة مع إلغاء التموين ولابد أن تتدخل الدولة لتحسم هذه الفوضى. وإن تحرير الأسعار لا يعني الجشع والطمع المبالغ فيه في كافة السلع وأهم الضروريات.. وإن الحكومة هزمت التمرد ولكن السوق الأسود هزمها ونأمل ألا تستسلم وعليها أن تصارعه حتى تصرعه.

بقلم :صديق البادي
صحيفة الانتباهه.