خطوة جادة
بقرار السيد رئيس الجمهورية أمس، الذي تم بموجبه إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، تكون البلاد قد دخلت مرحلة جديدة، ليت المعارضة تتفهمها وتعي موجباتها ومطلوبها،
فقيادة الدولة والحكومة بدأت بالفعل في ترجمة مخرجات الحوار الوطني إلى واقع عملي، وتهيئة الحياة العامة في البلاد لمقتضى التطور السياسي بالاتفاق على الدستور الدائم والتبادل السلمي للسلطة، وإشاعة روح الحوار بين كل الفرقاء الوطنيين، وإزالة مظاهر الشقاق والخلاف والافتراق.
> لقد كان واضحاً في خطاب السيد الرئيس أمام البرلمان قبل أيام، وما نتج من تحركات سياسية مهمة ولقاء المدير العام لجهاز الأمن الوطني مع بعض قيادات وأعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، ثم لقاءات واجتماعات أحزاب حكومة الوفاق الوطني، كان واضحاً عدم التراجع إلى الوراء والبحث الجاد عن السبل الكفيلة بتحقيق الحد المطلوب من التعايش الآمن والمثمر بين القوى السياسية كافة خاصة أحزاب الحكومة ومعارضيها، وليس هناك بالطبع من وسيلة أسرع في نزع فتيل التوتر وتقليل مساحة الخلاف غير إبداء النية الحسنة واتخاذ الخطوات الكفيلة بتقريب الشقة وسد الخُلة بين أبناء الوطن الواحد، ولذا يصبح العفو عن المعتقلين بمثابة جسر وقنطرة يتم العبور فوقها إلى واقع سياسي جديد، لا يمكن الحديث بعده عن مواجهات أو صدامات.
> خلال الأيام الفائتة اتخذ السيد الرئيس قرارات إيجابية مهمة، قرار تمديد وقف إطلاق النار في المنطقتين، ثم العفو عن كل المعتقلين السياسيين وإطلاق سراحهم فوراً بعد صدور القرار، وهذه خطوات تزيد فرص الالتقاء والتفاهم وتمتن جُدر الثقة بين الشركاء الوطنيين، وَلَم تكن الحكومة محتارة أو يتملكها خوف ووجل من شيء وهي تتخذ هذه القرارات الشجاعة، فلولا تماسك الحكومة وقوة سلطانها وثقتها في نفسها، لما أطلقت سراح هؤلاء القادة والمعتقلين السياسيين وسط أجواء الغلاء الطاحن والأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وهي بهذه الخطوة كسبت عدة نقاط لصالحها ومدت أياديها بيضاء من غير سوء لخصومها.
> لكن هل يا ترى ستقدر قوى المعارضة هذه الخطوة الحكومية؟ وتتجه مباشرةً نحو الموعد الذي ضربته لها الحكومة للالتقاء من أجل المصلحة العامة وانتشال البلاد من لجة الصراعات والنزاعات، أم أنها ــ أي أحزاب المعارضة ــ تواصل انحدارها إلى القاع وتقابل الانفراج السياسي المنتظر بتعنت وجمود وسوء تقدير يعيد الأوضاع إلى المربع الصفري؟
> ينتظر من المعارضة السياسية والحركات المتمردة التي تحمل السلاح، أن تستثمر في المستقبل وتستفيد من فرص التقارب الوطني، وتتقدم لتسهم مع الجميع في وضع الدستور القادم وضمان عدم التراجع إلى الخلف.
> نحن في مرحلة مفصلية مهمة من تاريخنا، تبرز فيها المواقف الوطنية وتفرز الساحة السياسية خياراتها السليمة، وسيكون الأفضل دائماً هو بناء التماسك الوطني ولجم الحروب وإدراك ما يمكن إدراكه من حوار وتفاهم واتفاق.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة