مع فلسطين.. هل تغيَّرنا إلى هذا الحد؟!
مع فلسطين.. هل تغيَّرنا إلى هذا الحد؟!
هل وطننا العربي الكبير مُغيب ولاهٍ الي هذه الدرجة المُزرية والمخجلة، وهل واقعنا الراهن منحدر سياسياً وأخلاقياً إلى القاع في هذه المرحلة المهمة من حركة التاريخ ..؟
لقد لاحت بالنسبة للشعب الفلسطيني لحظة ساطعة في نضاله وجهاده وكفاحه، لم نعطها نحن الشعوب العربية حقها من الاهتمام والتقدير، فالمسيرات والتظاهرات التي تجري في الأراضي المحتلة وعدد الشهداء المتصاعد والأعداد المهولة من الجرحى الذين يسقطون مع انطلاق كل تحرك شعبي ضخم، والصدور المفتوحة وهي تواجه رصاص وقذائف آلة الحرب الصهيونية، لهو تحول ضخم في الصراع مع العدو المحتل، وثمن غالٍ يدفعه الشعب الفلسطيني كل يوم ولا بد ان يجد مقابله حقه السليب … اليوم أو غداً .. لكنه سيجده حتماً وحتماً سينتصر .. وهو وعد إلهي غير مكذوب.
فبينما القادة السياسيون العرب يبيعون القضية الفلسطينية بثمن بخس على أرصفة الأنظمة الدولية الظالمة المتجبرة والمستكبرة، ويتوددون لليهود والصهاينة ويتحالفون معم، تقبع النخب العربية من مثقفين ومتعلمين ومستنيرين وراء خوفهم من البطش السياسي وتخاذلهم المقيت ويتابعون الدم الفلسطيني يسيل على شاشات التلفزة ومواقع (اللايف) على الشبكة الالكترونية، يتلذذون بالفجيعة وهم قابعون في كراسيهم الوثيرة يتفرجون وفناجين القهوة أمامهم ولفافات السيجائر بين أصابعهم والمسبحات تطقطق بين أيادي البعض منهم، ومن ينطق منهم يتحدث بلغة الشجب والتنديد التي ما قتلت ذبابة ولا أخافت العدو ..
وحده الشعب الفلسطيني يقاتل وينازل ويتحدى، ونحن لا نلوح له حتى ببشارة النصرة أو تحية الإجلال والإكبار، تركناه وحيداً .. أعزل .. بلا نصير، لكنه يتزود بثقته في الواحد القهار فهو لا يخذل ولا يهمل، لقد أعاد الفلسطينيون الصراع الى جوهره واصله، هو صراع على الارض والقدس وحق العودة، وما من قيمة عليا في هذه الدنيا تسمو الى قيمة الأرض وحبها والتراب والارتباط الأبدي به، فالشعور الانساني النبيل هو الذي يجعل من حق العودة الي الاصل والتراب والوطن فوق أي شعور آخر، فالإنسان مهما أُبعد عن أرضه وترابه ومهد آبائه وأجداده، لا يمكن ان ينسى ويسلو، لقد راهن العدو الصهيوني على مقولة وشعار استئصالي ثابت هو (الأجداد يموتون والأحفاد ينسون) ، لكن اتضح من مسيرات قطاع غزة الصامدة ان الاحفاد ما نسوا فهم مستمسكون بحقهم، توارثوا مفاتيح بيوتهم السليبة وحفنات التراب الرمل التي حملها الاجداد معهم عندما اجلوا ليتذكروا ارضهم، مثل هذه الاجيال لا يمكن محوها وكشطها من حركة النضال الفلسطيني ولا من حركة التاريخ الانساني.
لقد حاولت الصهيونية العالمية ومن خلفها الغرب الحاقد طيلة السنوات السبعين الماضية وهي عمر احتلال فلسطين، إزاحة حق العودة من أجندة التفاوض والمطالب الفلسطينية، وجرى خلال كل هذه العقود الطويلة تسويق المخطط الصهيوني بتوطين الفلسطينيين في مناطق أخرى خارج بلادهم أو تعويضهم، وسخرت إمكانات إعلامية وأُعدت سياقات ومشروعات سياسية لإلهاء الشعب الفلسطيني والشعوب العربية عن قضية اللاجئين وحق العودة، وإبعادها من الأجندة السياسية العربية ..
ولما استيأس الشعب الفلسطيني من النظام الرسمي العربي الذي يهرول هرولة عمياء نحو العدو الصهيوني ويتمرغ عند أقدامه النجسة، لم يستكن هذا الشعب الجبار ولم ولن يستسلم ابداً، فها هو يفجر الآن مسيراته المباركة ويضع حق العودة وقضية اللاجئين في مقدمة الاهتمامات الدولية، ويجبر العالم على ان يستمع الى هذه القضية الانسانية ويفجر في صخور الجاهلية العربية جدولاً للضوء من جديد ..
مهما كان عدد الشهداء والجرحى في مسيرات العودة الظافرة، فإنها ستحقق هدفها النبيل، فالمطلوب من الشعوب العربية ألا تكتفي بالتفرج عليها وابداء حسن النوايا فقط، فأول سلاح لمواجهة العدو الصهيوني هو تضامننا مع إخوتنا وإعلان وقفتنا معهم، فالرهان على وعي الشعوب وشعورها الحي ونصرتها المباركة هو الطريق نحو الانتصار.. ولا نامت أعين الجبناء.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة