هل تعلم الحكمة من كون النبي ولد يتيمًا ؟
لله سبحانه وتعالى في تقدير حكم كثيرة، ندرك بعضها، ويغيب عن فهمنا البعض الأخر، ولكن قدر الله وتقديره كله خير، وكان من قدر الله أن يولد الحبيب سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويعيش يتيمًا، وقد يتعجب البعض من سبب ذلك، إلا أن في ذلك حكم ذكر بعضها العلماء.
مات عبدالله والد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانت أمه السيدة آمنة بنت وهب في شهرها الثاني من حملها، وما أن مر أربعة أشهر على ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتقل إلى بادية بني سعد كعادة العرب حينها ليشب هناك، فلما بلغ السادسة توفت أمهن فانتقل لكنف جده عبدالمطلب لمدة سنتين، إلا أنه وافته المنية هو الآخر، ليكفله عمه أبو طالب الذي كان له سندًا وتوفي قبل الهجرة بثلاث سنوات.
وهكذا عاش الحبيب صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله يتيمًا يتنقل من كفالة لكفالة، إلا أن كفيلة الأكبر الذي أواه هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي تكفل به، يقول تعالى: {ألم يجدك يتيمًا فآوى}، ليربيه بعين الرعاية: {فإنك بأعيننا}، وكما قال النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”.
ويحكي لنا ابن هشام في السيرة النبوية فيقول: “كانت خديجة رضي الله عنها وزير صدق عن الإسلام، يشكو الرسول إليها ويجد عندها أنسه وسلواه. أما أبو طالب، فقد كان عضدًا وحرزًا في أمره، فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول صلى الله عليه وآله وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع له في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه ترابا، ودخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: لا تبك يا بنية فإن الله مانع أباك”.
أما عن الحكمة من كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولد وعاش يتيمًا حتى لا يقول أهل الشرك والكفر أن الإسلام قد انتشر واستقر بفضل عشيرته وأهله، أو يقولوا إن أباه قد نصره أو إن جده أو عمه قد تعصبوا له فانتشر الإسلام بدعمهم، فالله سبحانه وتعالى أراد أن يكون الفضل كله لله.
ومن الحكمة كذلك من نشأة الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم يتيمًا ألا يدعي البعض أن سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد تلقى دعوة الإسلام وتعلمها من أبوه أو من جده ليكون لقومه السيادة على قريش.
يقول الإمام الشهيد الدكتور محمد رمضان البوطي في كتابه “فقه السيرة النبوية”: “لقد اختار الله عز وجل لنبيه هذه النشأة لحكم باهرة، لعل من أهمها أن لا يكون للمبطلين سبيل إلى إدخال الريبة في القلوب أو إيهام الناس بأن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم إنما رضع لبان دعوته ورسالته التي نادى بها منذ صباه، بإرشاد وتوجيه من أبيه وجده. هكذا أرادت حكمة الله أن ينشأ رسوله يتيما، تتولاه عناية الله وحدها”.
مصراوي