الطيب مصطفى

لماذا تُهدّدون المهدي وقد أنجز؟!

دُهشتُ لحديث السيد الصادق المهدي عن احتمال تعرّضه للاعتقال عند عودته إلى السودان، ولقوله إنه تلقّى تهديداً بذلك على خلفية أن الحكومة لوّحت بمقاضاة أحزاب نداء السودان (لتحالفها مع قوى متمردة تحمل السلاح)!

أعجب أن يقول المهدي ذلك، وأعجب أكثر إن كانت قد صدرت من الحكومة أي إشارة تُوحي بذلك الاحتمال، سيما وأن المهدي قد حقّق إنجازاً ضخماً ينبغي أن يُقدّر ويُشكر عليه، ذلك أنه نجح في إقناع الحركات المسلحة بالجنوح إلى السلام.

لقد استبشرتُ كثيراً عندما قرأتُ بياناً لتحالف (نداء السودان) الذي اجتمع مؤخراً في باريس واختار السيد الصادق المهدي رئيساً، ولكن استبشاري كان أكبر بتبنّي التحالف النشاط السلمي الديمقراطي بديلاً للعمل المسلح، وأوشكتُ أن أعلن مساندتي لذلك البيان كما فعلتً بعد صدور إعلان باريس الذي أُبرم قبل نحو ثلاث سنوات.

لقد حمل البيان بشائر مفرحة حيث نصّ على أن نداء السودان ملتزم بتحقيق مطالب الشعب السوداني المشروعة بالوسائل الخالية من العنف من خلال حوار باستحقاقاته على سنة (كوديسا) جنوب أفريقيا عام 1992 وأن القوى السياسية الحاملة للسلاح المنتمية لنداء السودان مُلتزمة بأهداف النداء السلمية البعيدة عن العمل العسكري.

لن أهتم بالتصريحات التي نُسبت بعد ذلك لمناوي أو غيره طالما أن بيان التحالف أكد على نبذ العنف والعمل المسلّح.

لعل القراء يذكرون كيف أفلح المهدي قديماً في إقناع حلفائه من الحركات المسلحة لتوقيع إعلان باريس القاضي بالعمل السلمي بعيداً عن استخدام السلاح، والذي مهّد لتوقيع الحكومة ممثلة في غازي صلاح الدين وأحمد سعد عمر اتفاقاً مماثلاً مع الحركات المسلحة في أديس أبابا في الخامس من ديسمبر 2014 برعاية الوسيط الأفريقي ثابو أمبيكي.

لو كان المهدي قد انحاز إلى نهج حلفائه المحاربين لكان قد ارتكب جُرماً يوقِع تحت طائلة القانون، ولكن المهدي فعل ما ظلّت الحكومة تسعى إلى تحقيقه من خلال التفاوض مع حملة السلاح، فلماذا تأمر الحكومة الناس بالبر وتنسى نفسها؟!

أعلم أن مناوي وجبريل تعرّضا لنقد عنيف من بعض شياطين الإنس جرّاء تنصيب المهدي رئيساً للنداء، وكذلك لارتضائهما العمل السلمي، لكن ما يهُمّنا أنهما وقّعا مع المهدي على البيان الصادر عن تحالف نداء السودان.

أود أن أسأل هل خسرت الحكومة بتوقيعها على خارطة طريق المبعوث الأفريقي أمبيكي قبل سنوات، أم ربحت وحاصرت الحركة الشعبية (قطاع الشمال) والحركات المسلحة الأخرى، وكسبت الاتحاد الافريقي وما يُسمّى بالمجتمع الدولي الذي قدّر موقفها وأشاد به؟

لن تخسر الحكومة من أي سعي تبذله في سبيل تحقيق الأهداف التي ما أقامت الحوار إلا من أجلها.

على الحكومة أن تعلم أنها هي قبل غيرها المنوط بها تهيئة المناخ للانتقال إلى مربع التداول السلمي الديمقراطي بعيداً عن الاحتراب، وذلك بخفض الجناح في مواجهة الآخر المحارِب والممانِع ولن تخسر من ذلك شيئاً إنما ستكسب ويُحسب لها في أضابير التاريخ.

بالله عليكم ماذا كسبت الحكومة بموقفها المُتعنّت حين اعتقلت المهدي لمجرد إبدائه رأياً حول الدعم السريع متناسية موقفه حينما جاءها طائعاً ومُستجيباً لدعوتها للحوار؟! لقد اعتزل المهدي الحوار وخسرت الحكومة وخسرنا جميعاً.

أقسم بالله العظيم، أنه لو كان الأمر بيدي لأرسلت الوفود لإعادة المهدي من منفاه الاختياري بدلاً من استعدائه واستبقائه في الخارج.

قبل نحو عام خاطبتُ مؤتمر ولاية الخرطوم فقلتُ لهم، رداً على (تفاخرهم) أنهم عقدوا ما يقرب من ألف مؤتمر تنشيطي: هل نسيتم الحديث الشريف (والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم)؟ ألا تعلمون أن كثيراً من الأحزاب لا تملك أن تقيم مؤتمراً واحداً وأنتم تتمرغون في المال والنعيم ؟! لماذا لا تقومون بدور الأخ الأكبر فتنعمون على الأحزاب بشيء من ما أنعم الله عليكم به؟

أقول للحكومة وللمؤتمر الوطني، إن الساحة السياسية غير متكافئة، ولا يوجد ما يهدد بقاءكم فلماذا لا تُوطّئون أكنافكم وتهيّئون الساحة لانتخابات ستكتسحونها ليس لأنكم بلا عيوب أو لأنكم أنجزتم ما يؤهّلكم للفوز إنما لأنكم جرفتم الحياة السياسية وأفقرتم القوى الأخرى، فلماذا لا تُهيئون الساحة لفوزكم القادم من خلال المسار الديمقراطي وليس من خلال التضييق على المُعدمين واستدامة الحرب التي أهلكت الحرث والنسل وعطّلت مسيرة البلاد ؟!

الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة