رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: مسؤول سوداني اختلس ثلاثة ملايين جنيه يظهر وهو يؤدي شعيرة الحج.. الدهشة تلجم (إبليس)

سر الكراهية!

-1-القصَّة ليست قديمة: مسؤولٌ ولائيٌّ (مربوع القامة، خمريُّ اللون، عسليُّ العينين)، اختلس ثلاثة ملايين جنيه – 3 مليارات بالقديم – واختفى من المدينة، دون أن يترك أثراً.. فُتح البلاغ وبدأت التحقيقات، وتطايرت الشائعات.. معلومات تقول إنه هرب إلى ليبيا، وأخرى تُؤكِّد أنه شُوهد بمصر، وآخرون يجزمون أنه ما يزال موجوداً داخل الأراضي السودانية.

لكنَّ المُفاجأة التي لم يتوقَّعها الجميع – ولا حتى إبليس وأبناؤه الأشرار – جاءت لتُؤكِّد ظهور المُختلِس الهارب في الأراضي المُقدَّسة لتأدية شعيرة الحج، بكُلِّ أركانها (الإحرام، والوقوف بعرفة، والطواف، والسعي بين الصفا والمروة)!

وليس من المُستبعد أن تكون الدَّهشة قد ألجمت (إبليس) ذات نفسه، حينما رأى المُختلِس الهارب يرميه بسبعة حجارة!

-2-

نعم، القِصَّة قد يرويها البعض للتندُّر والسُّخرية، مُستغلِّين ما بالمفارقة من غرابة لا تحدث ولا في الكوميديا السوداء، في أفلام المخرج الأمريكي ستانلي كوبريك.

ما فعله المسؤول الهارب، ليس تصرُّفاً شاذاً واستثنائياً، بل للأسف هو تعبيرٌ عن تصوُّرٍ شائهٍ له تجلِّيات على مستويات مُتعدِّدة في مُجتمعنا هذه الأيام.

تذكَّرت تلك القصَّة، حينما اطَّلعت قبل يومين، على عمود عميق ولطيف للدكتور عبد اللطيف البوني، وهو بقلمه الرَّشيق يتناول ظاهرة خطيرة مُتعلِّقةً بتسامح المجتمع مع مُنتهكي المال العام من القطط السمان والنمور المُتوحِّشة.

ويُدلِّلُ البوني على ذلك بأن مُرتادي السجون من جرائم (نطِّ الحيط وسرقة العتان -جمع عتود-)، قد يرفض الناس تزويجهم، ويمنع الآباء الأبناء من مُخالطتهم، بينما الذين يغرفون من المال العام يتزوَّجون ويُثنّون ويُثلِّثون ويُربِّعون، ويتبرَّعون ببناء المساجد والتصدُّق على الفقراء، أي يصبحون من صفوة القوم.

البوني يُريد أن يقول إن للفساد حاضنةً اجتماعية، تُوفِّر له أفضل ظروف الحماية.

-3-

سبق أن كتبتُ في ذات هذه المساحة وقبل سنوات، عن أنماط من السلوك المُشابه لسلوك المسؤول الهارب، وقلتُ بالحرف.

(لوثةٌ قيميةٌ أصابت الكثيرين في الفترة الأخيرة، مصدرها اعتقادهم أن التعبُّد الشخصي من صيام وقيام وحج وإنفاق، قادرٌ على تطهيرهم من رجس أكل أموال الناس بالباطل)!

أحدُهم يختلس ويُزوِّر ويُنافق ويرشو ويرتشي، ويمتلئ جيبه بالعُمولات الحرام، ثم يُصلِّي الصبح في الصفِّ الأوَّل، ويصوم الاثنين والخميس، ويذهب للحجِّ عشرات المرَّات، ويظنُّ – خائب الرجاء – أن ذلك من باب الحسنات التي تُذهب السيئات!

والمُؤسف أن الثقافة العامة تتساهل في الجرائم المُتعدِّية على المُجتمع، مثل الرشوة والاختلاس، وإهدار المال العام والمحسوبية، وتتشدَّدُ في الجرائم اللازمة للفرد، والمُقتصر ضررها على قلَّة أو أفراد !

مثل هذا التديُّن، شبيهٌ بتديُّن الراقصات في الملاهي الليلية في مصر، يجمعن أموال الليالي الحمراء ليذهبن بها إلى الحج والعمرة، ثم يعدن إلى شارعَي الهرم ومحمد علي، لتعويض ما أنفقنه من مال في حجِّهن المزعوم!

-4-

لا قداسة في الثقافة السودانية للمال العام، ولا تجريمَ اجتماعي يتم للمعتدين عليه، بل الحكومة بمفهومها الوظيفي في العقل الجمعي السوداني منذ التركية إلى اليوم تجد مُقاومةً سالبةً من المُجتمع تصل إلى حدود الكراهية واستباحة أموالها، بنهب تِبرها والتمرُّغ في تُرابها.

للأسف هناك غبنٌ وغيظٌ قديمٌ مُتجدِّدٌ على كُلِّ ما هو حكومي!
-5-

صديقنا جرَّاح التجميل المشهور دكتور عبد السميع عبد الله، يضع مشرطه على مكمن الأذى، ولكنَّه يترك الجرح عارياً!

في مكتب الصديق العزيز دكتور نزار خالد محجوب بمستشفى الفيصل، في (ونسة) وحديث عام، وصلنا معاً إلى هذه النقطة.

ما هو سرُّ العداء التاريخيِّ بين المواطنين وجهاز الدولة؟

لدكتور عبد السميع تفسيرٌ بديعٌ وجديرٌ بالتأمُّل والنقاش.

يقول دكتور عبد السميع:

كُلُّ المسؤولين وكبار الموظفين في أيام الاستعمار، كانوا من الإنجليز والأتراك والمصريِّين.

هؤلاء تم التعامل معهم باعتبارهم في مناطق شدَّة، فقد جاءوا إلى السودان دون رغبة، لذا كانوا قساةً في تعاملهم مع المُواطنين.

للتَّخفيف عليهم، أُغدقت عليهم الامتيازات والمُخصّصات من كُلِّ نوعٍ لإرضائهم، حتى أصبحوا في عزلةٍ نفسيةٍ تامَّة عن المُواطنين.

امتيازاتٌ على مستوى السكن والطعام والمُرتَّبات، ووسائل النقل وفرص التعليم لأبنائهم، وكُلِّ ضروب المعيشة.

خرج المُستعمِرون من السودان، وجاءت النُّخب الوطنية لتحتفظ بكُلِّ امتيازات المُستعمِر.

مع الشعور بالاستعلاء على المواطنين، في رأي عبد السميع، أن جهاز الدولة السودانية مُصمَّمٌ منذ الاستعمار لا لتحقيق رفاهية المواطنين، ولكن لمصلحة كبار التنفيذيين والسياسيين!

-أخيراً-

أعتقد أن ذلك التشريح يُفسِّر حالة الغبن والغيظ التاريخي، من قِبَلِ أغلب المُواطنين تجاه كُلِّ رمزيات الدولة والسلطة.

استعلاءٌ وترفُّعٌ من قِبَلِ المسؤولين في مقابل مشاعر الكراهية من قِبَلِ المواطنين!

بقلم
ضياء الدين بلال

‫5 تعليقات

  1. للأسف الاعتداء على المال العام أصبح ثقافة مجتمع
    وكل شيئ شخص يبرر لنفسه .

  2. لما لا تكون لك جرأة للحديث عن للقطط السمان بدل ان تسلخ جلد المسكين صاحب التلاته مليون بس.. وكمان ولائي

  3. عجبتني مقارنة الشكش المصريات فعلا شبه بين الفئتين ولكن الرقاصات المصريات اشرف من الكيزان لانهن اموالهن اتى من عرقهن بغض النظر عن عرق رقيص او عتالة اما الكيزان فلصوص و عصابة جريمة منظمة استولت على دولة السودان
    ……….
    الاخ ضياء دائما اراه متأنقا يحوم حول منطقة المستشفيات الخاصة فضيل والفيصل الخ
    ما هو السر؟ هل هو طبيب ؟
    ام يمتلك يا ترى معملا او صيدلية في ذلك الشارع؟

  4. المهم منو الذي فعل ذلك نسمع عن افعال ولا ندري من الفاعل حتي الكلام عن الباقين ما معروفين والله لو تم ذكر اسماء المشتبه بهم فقط لكان رادا ومؤثرا علي الكثير لان التستر والتحلل والتكتم شجع البعض والله يهمل ولا يهمل

  5. المهم منو الذي فعل ذلك نسمع عن افعال ولا ندري من الفاعل حتي الكلام عن الباقين ما معروفين والله لو تم ذكر اسماء المشتبه بهم فقط لكان رادا ومؤثرا علي الكثير لان التستر والتحلل والتكتم شجع البعض واللهيمهل ولا يهمل