بعيداً عن الكتابة السياسية..
تنتهج الكاتبة والمعلقة الصحافية الروسية الأمريكية نينا خروتشوفا، حفيدة ابن الزعيم السوفياتي الأسبق نيكيتا خرتشوف، ذات الطريقة التي اشتهر بها جدها الذي وقف ذات يوم وخلع حذاءه وضرب به المنصة الرئيسة التي يخطب منها في القاعة الكبرى للأمم المتحدة،
ولا تزال الذاكرة السياسية العالمية تتذكر وتحتفظ بتلك الصورة طازجة، لأكبر إهانة تلقتها المنظمة الدولية.
> ويبرع نيكيتا خروتشوف -وكذا عُرف- بأبرع قاموس سياسي في تعليقاته وتعاملاته العفوية مع زعماء العالم، وسخريته التي تجري على لسانه ..
> ونينا خروتشوفا أستاذة العلاقات الدولية في جامعة (نيو سكول) بالولايات المتحدة الأمريكية، لا تبدو أنها ورثت من جدها الكبير صفات كثيرة في مقدمتها لسانه اللاذع، بل ورثت روحه العدائية البدوية، التي ذهبت بالجد معزولاً عن قيادة الدولة والحزب الشيوعي السوفيتي. وتعد حقبته من (1955 – 1964)م، بمثابة التطهر من الستالينية الفجة رغم قساوة أيام خروتشوف وهو يدشن الحرب الباردة.
> في مقالاتها التي تكتبها في عدة صحف ودوريات ومواقع إلكترونية عالمية، تدهشك هذه الروسية القحة بعباراتها وسخريتها ومعلوماتها وأسلوبها الممتع والشائق في الكتابة وقدرتها على التحليل وإلمامها بدقائق الأمور، وتفوقها على نفسها في الوصف، وتلك صفة تُنسب في علوم الإنثروبولجيا أن مكمنها وموئلها جزيرة العرب، ولذا لقب الرئيس خروتشوف سابقاً بأنه ( الإعرابي ) الذي حكم الاتحاد السوفيتي، لما كان في سليقته البدوية من تلقائية وعفو خاطر، ووضوح في عباراته ودقيق وصفه .
> ومع صدور كتاب (نساء الكرملين) للكاتبة لاريسفا سيليفيا في1997م، الذي يسلط الأضواء على حياة وطبيعة وشخصيات عقيلات الزعماء السوفيت، كان واضحاً أن الحياة المفعمة الملهمة في عهد الاتحاد السوفيتي منذ انتصار لينين حتى تبخر وتفكك الاتحاد السوفيتي على يد غورباتشوف، مرت على جسور هذا التاريخ نساء في الكرملين عاصرن أزواجهن وتابعن تقلبات السياسة الدولية ومحنها وأهوالها بجانب ظروفهن القاسية وهي في أكناف رجال أقاموا العالم وأقعدوه، تخرج من بينهن مثل الكاتبة التي سُميت على جدتها نينا الكبرى زوجة خروتشوف التي عاشت معه كما سبقتها الأخريات في الكرملين وقريباً منه.
> رحلت نينا خروتشوفا الى الولايات المتحدة، ودرست هناك بعد تخرجها في جامعة موسكو، ثم نالت الجنسية الأمريكية، وصارت أكاديمية رفيعة المستوى تدرس العلاقات الدولية في جامعات الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية من جامعة كولومبيا في نيويورك الى جامعة ستانفورد وجامعة برينستون، ثم كلية نيو سكول التي تعمل فيها حالياً أستاذة للشؤون الدولية وعميدة مساعدة للشؤون الأكاديمية، وهي كذلك كاتبة في مجلة النيوزويك وصحيفة نيويورك تايمز والوول ستريت جونال والفاينانشال تايمز وعدد من المواقع الإلكترونية، وهي كذلك خبيرة بارزة في معهد السياسات الدولية. وتكتب الحفيدة المملوءة بزهو الجد والجدة على السواء بلغتها الخاصة، وتعلق على الأحداث والوقائع السياسية بقلم صحافي مغموس في محبرة ( الإعرابي العتيد) ، وكأنك تحس في كلمات بضرب الجزمة السوداء على منضدة الأمم المتحدة، وقهقهات ساخرة من زعماء العالم في وجوههم .. وليس ذلك فحسب، بل هي كجدتها أيضاً التي يُقال إنها أدخلت الى الكرملين في السابق ثقافة وموضة جديدة، فهي -أي الجدة- ببدانتها ووجهها الطفولي كانت أنيقة وعفوية الى حد لا يوصف، وقد أعجب بها في مطلع الستينيات الرئيس الأكثر وسامة في العالم عند تلك الحقبة جون كيندي وهي تجلس بجانبه في زيارة زوجها الشهيرة الى الولايات المتحدة قبل أزمة الصواريخ الكوبية ومحاولة أمريكا غزو كوبا ومعركة خليج الخنازير، وتعد الجدة نينا من أميز كوادر الحزب الشيوعي السوفيتي منذ العشرينيات من القرن الماضي، ودرست الاقتصاد السياسي ودرست في مدارس الكادر للحزب الشيوعي في موسكو واكتسبت عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والبولندية والأوكرانية، بجانب الروسية .
> أما نينا الابنة محل مقالنا، فهي جمعت كل خصال الأسرة الخروتشوفية، تكتب بلغتها الخاصة وتمارس نقدها اللاذع وتجيد استخدام المعلومات المتوفرة لديها، فهي ليست مجرد طفرة بيولوجية لأسرة مخلوطة بالسياسة والعمل في مناجم الفحم والرعي والزراعة، بل خليط من تراكيب فكرية وسياسية ومهارات صحافية وأكثر ما تبدعه هذه السيدة قدرتها على توليد العناوين لمقالاتها المدهشة..
> عندما تجلس لتقارن بينها و ما عند بنات الزعماء والقادة السياسيين وحظوظهن في الفكر والأدب السياسي والعمق المعرفي والنشاط الكثيف في غمر الساحات الفارغة في صحافة العالم وعلى الشبكة العنكبوتية بالإبداع الكتابي ومتابعة الشأن العام، تجد البون شاسعاً جداً .. تلك صورة من العالم .. وهذه كلمات بعيدة بالكامل عن السياسة قاتلها الله …
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة