في مكافحة الإرهاب
تم في وزارة الخارجية نهار أمس، التوقيع على اتفاقية بين الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب ومنظمة تعمل كآلية من آليات الاتحاد الأوروبي في مواجهة هذا الهم العالمي هي المنظمة الإيبيرية الأسبانية،
التي تعمل في مجالات التطوير والتأهيل للقدرات للمؤسسات والأجهزة الحكومية والمجتمعية وغيرها، لمحاربة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي واليمن، وتعد الاتفاقية من الاتفاقيات التي نشطت الهيئة الوطنية التي تأسست أخيراً، للعمل على مجابهة هذا الخطر العالمي الذي بات يهدد المجتمعات وأمنها واستقرارها عن طريق التطرف العنيف، وأمس بحضور سفراء الاتحاد الأوروبي وممثليهم، تم التوقيع على الاتفاقية مع المنظمة التي تعمل في محيطنا ومجالنا الحيوي في المنطقة التي حددت فيها نطاق نشاطاتها وعملها، ولا تخطئ عين أهمية التعاون الإقليمي والدولي في هذا المجال، خاصة أن السودان معروف دولياً بأنه محور مهم من محاور الحرب على الإرهاب .. ومع ذلك مازال اسمه مدرجاً على القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
> وينبغي لمثل هذه الاتفاقيات أن تحفز الأطراف الدولية كلها على التعاون البناء والاتفاق على تعريف واضح ومتفق عليه لمفهوم الإرهاب، ففي كثير من بلدان العالم خاصة المنطقة العربية يوجد التباس كبير وتعمد أحياناً في التعاطي مع مفهوم الإرهاب، ولم يتفق العالم بعد على تحديد تعريف يحمل مقاربات تجعل من الإرهاب مفهوماً موحداً وضابطاً، فالتعامل الحالي يميل بكفة المفهوم الغربي للإرهاب الذي تحاول فيه جهات غربية تصوير الإرهاب كأنه إرهاب ديني إسلامي يقوم به مسلمون، في حين أن العقلاء حتى في الدوائر الغربية يفهمون أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له ولا جنس له، وتصر بعض الاطراف في المنطقة على توليد تصنيفات وتسويق معلومات تربط الإسلام والتنظيمات السياسية والجمعيات الدعوية ومنظمات العمل الطوعي الإسلامية بالإرهاب.
> والحرب على الإرهاب اتخذت عدة وسائل وطرق مختلفة ومتنوعة، فكل الإجراءات التي تمت عبر العمل العسكري المباشر أو التنسيقات بين أجهزة المخابرات العالمية أو محاصرة تحويلات الأموال وتتبع مصادر التمويل، لم تنهِ هذه الظاهرة أو تقلل من أخطارها، فوسائل المجموعات الإرهابية تتطور تطوراً طردياً تبعاً لما يواجهها من تحديات، لكن ليس هناك أسلوب أنجع من التخطيط السليم لمحاربة التطرف العنيف ونشر الوعي والحوارات الفكرية المتعمقة وتطوير أساليب الدعوة، وتجفيف منابع الفكر المتطرف بالوعي والتعليم والتنمية الاجتماعية، وعندما تغرق أجهزة الدول خاصة العسكرية والاستخبارية فقط في معالجاتها التي تعرفها، فإنها قد تحقق نتائج اليوم، لكن بطبيعة منهج التطرف العنيف تتوالد الحركات من حركات وتتناسل المجموعات كما البكتريا لوجود بيئات اجتماعية وظروف اقتصادية تساعد على تناميها وانشطارها الأميبي متعدد الأوجه والمسارات.
> إذا كانت الاتفاقية التي تم توقيعها أمس في وزارة الخارجية بحضور وكيلها الذي خاطب الحفل، فإن تطبيقاتها التي تشمل المنطقة يجب التعامل فيها بنوع من التدقيق والوضوح، فمنطقة القرن الإفريقي واليمن تعد اليوم من أخطر المناطق في العالم بعد العراق وسوريا التي تتم فيها محاربة الإرهاب المتمثل في تنظيمات معروفة (تنظيم القاعدة في اليمن) و (اتحاد الشباب المجاهدين في الصومال)، بجانب تنظيمات صغيرة أخرى وجمعيات طوعية، وليس أمام الدول الغربية خاصة بلدان الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا غير السعي نحو معالجات اجتماعية واقتصادية وتنموية وخدمية، تساعد على إحداث التنمية الاجتماعية والنهضة الاقتصادية، فالحرب العسكرية والضربات الجوية ظلت بطيئة في محاصرة هذه الظاهرة وفي بعض الأحيان زادت الطين بلةً، فما فرَّخته الحرب على الإرهاب ومحاصرة ظاهرة القرصنة في باب المندب والمحيط الهندي ومنطقة الساحل الشرقي والشمالي الشرقي للقرن الإفريقي، هو مزيد من الساخطين والغاضبين في المنطقة.
> خلاصة القول أنه لا بد من انتهاج وسائل حديثة وفاعلة في مثل هذه الاتفاقية، (لم نطلع علي نصها بعد) فتبادل المعلومات وتأهيل أدوات الدول مثل النيابات والقضاء وأجهزة الأمن والشرطة والملاحقات القانونية والأنظمة المصرفية ومؤسسات التنمية الاجتماعية، هي وسائل للتحكم والحرب، لكن القضاء على الظاهرة ينبغي أن يتمدد ليشمل مجالات أخرى ذات تأثير، ومن المفيد أن تقدح في الأذهان أفكار جديدة تكون جديرة بالانتباه لها حتى يتأسس مفهوم ومنهج مواتٍ للتعامل مع هذه الظاهرة العالمية.
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة