وزراء القطاع الاقتصادي بالبرلمان للمرة الثالثة موازنة 2018م.. مواجهة الجرح والتعديل
يبدو أن لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية بالبرلمان قد توافقت مع وزراء القطاع الاقتصادى على التواصل الدوري حينما قال رئيسها علي محمود “اتفقنا على أن نجلس كل ثلاثة أسابيع لمناقشة ما تم تنفيذه فيما يتعلق بأمر معاش الناس”، ولكن وفقاً للنظام المعمول به فى السودان “الرئاسي” هل يحق للبرلمان أن يستدعي وزراء القطاع الاقتصادي.. تأتيك الإجابة نفياً، ففي العرف السياسي السوداني، فإن عضوية مجلس الوزراء أعلى من عضوية البرلمان.. إذ أن الوزير ليس مسؤولاً لدى البرلمان بل يمكنه مجاوبة أعضاء البرلمان عن أي سؤال يطرح وأيضًا يمكنه الاستجابة أو يبتعث من ينوب عنه أو لا يولي الأمر اهمية.. وهنا يبرز السؤال الأهم هل تعيين الوزراء أو تغييرهم يخضع لإستشارة البرلمان أم لا؟
استدراك
يحاول المجلس الوطني استدراك ما يمكن استدراكه والربع الأول من العام 2018م يكاد ينقضي، وهو ما يبين مقدرة القطاع الاقتصادي “وزارة المالية “على تنفيذ ما اتفق عليه في الموازنة العامة والتي أجازها البرلمان في خواتيم العام المنقضي 2017م، وهو ما دعا لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بالبرلمان للجلوس إلى وزراء القطاع وإحاطته بما تم من إجراءات في الواقع ومعرفة ما تم في الربع الأول من العام الجاري، وهو ما يسمى “بجرد حساب”. فكل التوقعات تشير إلى أن الربع الأول حفل بالكثير فيما يتعلق بالمالية العامة والقطاع النقدي والاستثمار والزراعة والثروة الحيوانية والاتصالات والموارد المائية والكهرباء والتجارة والصناعة والزراعة والاستثمارات التي لم تتضح رؤيتها حتى الآن بل تعول كثيراً على الاستثمارات الأمريكية بعد زيارة وفد رجال أعمال إلى السودان..
تقلبات
ففي قطاع المالية العامة شهدت زيادة في سعر الدولار الجمركي أثر على قطاع الاستيراد، وفيما يتعلق بالقطاع النقدي سحبت السيولة من المصارف وأثرت على التجارة والتجار برغم انخفاض سعر الصرف . أما الثروة الحيوانية فآثرت انعقاد ملتقى في انتظار مخرجاته. ورغم أن وزارة التجارة سعت لإبراز دورها ضمن تقلبات السوق اليومية، إلا أنها لم تستطع إجازة القوانين المحلية فيما يتعلق بالاحتكار والغش والتهريب والإغراق، وظلت السلع ترتفع يوماً بعد يوم، ولازال ملف الانضمام للمنظمة الدولية معلقاً. أما قطاع الاتصالات توقف دولابه عند قطع الشرائح غير المسجلة. وانصب جهد وزارة التعاون الدولي على اللقاءات مع الوكالات الدولية والمنظمات في سبيل الحصول على منح ومشروعات جديدة. أما وزارة الصناعة فعزمت على عقد معرض صنع في السودان واستيراد سكر من الخارج، وفيما يتصل بالموارد المائية والكهرباء شهد السودان إطفاء عام ثلاث مرات خلال شهر واحد في الوقت الذي تشكو فيه الزارعة من قلة تخصيص الموارد.
وقفة جادة
إذاً المسألة برمتها تتطلب وقفة جادة ومراجعة لكل إخفاق، حيث يرى اقتصاديون أن الموضوع يتعلق بالسياسات، وليس بالأشخاص، كما أن تنفيذ أي استراتيجية يتطلب تحجيم الإنفاق الكبير على دولاب الدولة المترهل في الوقت الذي يطالب آخرؤن باتباع سياسة جديدة “مرحلة انتقالية ” حتى 2020 بحل كل المحالس التشريعية لإعادة هيكلة نظام الحكم والاقتصاد السوداني، فلابد من خطوات تنظيم لترتيب المسيرة.
ترقيعات
يقول الاقتصادي عبدالله الرمادي “للصيحة” إن السياسة الاقتصادية التي تقوم على الترقيعات لا تعالج المشكل الاقتصادي، ويرى أن كل ما يجري هو مسكنات يختفي أثره مما يتطلب معالجة أس الداء. ويوضح الرمادي أن الصورة أضحت معكوسة الآن، فبدلاً من أن يكون وزراء القطاع الاقتصادي ذوي مهنية اقتصادية عالية يخططون لتنفيذ مهامهم الاقتصادية أصبحوا يعولون على توجيهات السياسيين، الأمر الذي يبين عدم مقدرة القطاع الاقتصادي على إدارة دفة الاقتصاد “ضياع وقت”، وهذا أدخل السودان في أزمة أصبح الفكاك منها صعباً، وهو في طريقه إلى مرحلة الجمود بدليل توقف حركة الصادر والوارد، بالتالي أصاب الضرر قطاع النقل وكسدت موارد الدولة، واعتبر هذا بداية لشللٍ والدولة أضيرت بفقدانها 90% من إيرادات الجمارك للإنفاق على دولاب الدولة، وقال: إذا استمر الحال على ما هو عليه ستعجز الحكومة عن سداد الرواتب كما يرى أن العلاج ليس في تجفيف السيولة بل إيقاف الإنفاق الحكومي بتقليص العدد الكبير من الوزراء. ويقول: سيبرر القطاع الاقتصادي موقفه بتحسن الأوضاع، ولكن منذ العام 2012م يظل يضلل القطاع متخذي القرار فالبديل واضح، وهو تأزم الوضع.
مشكلة قائمة
أما البروفسور ميرغنى ابن عوف أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم فيقول “للصيحة”: حينما يتم استدعاء وزراء القطاع الاقتصادي إلى البرلمان يعني وجود مشكلة قائمة تستوجب الحل، ولكنه يؤكد أن أي عضو بمجلس الوزراء يعني هو أعلى مرتبة من عضوية البرلمان، بمعنى أن قراره نافذ فكل الوزراء الذين تم استدعاؤهم لم يحدثوا أمراً إيجابياً. وكل الوزراء يعملون كما يشاءون لغياب المؤسسية.. والأمر الآخر كما يقول ابن عوف من الذى قال إن كل القطاع مسؤول عن الأزمة فالذين يديرون القطاع بالحزب لا يستشارون؟ وأضاف كل الضائقة الحالية مردها سياسات وزارة المالية وبنك السودان . ويقول: يجب مناداة كل وزير لوحده لأن هنالك سياسات قطاعية تدعمها رئاسة الدولة يجب ألا يكون هنالك شمول للوزراء، فمثلاً تحجيم السيولة ليست قانونية ولا شرعية ولا أخلاقية، ولكنه يرى أن الاستدعاء غير ذي قيمة بالرجوع إلى ما سبق من استدعاءات ولم تغير الحكومة موقفها، ولم تحدث ردة فعل من البرلمان وحتى الجزء الرقابي بالبرلمان ضعيف كما أن التشريعات البرلمانية تحتاج إلى متابعة ورقابة لأداء المؤسسة التنفيذية. وأضاف: مثلاً الرئيس يوجه بتمكين المودعين من أموالهم، ولكن لا حياة لمن تنادي، فهنالك فساد لا ينصلح حاله إلا بتغيير السياسات والإلزام.
إجراءات قاسية
بينما يرى الاقتصادي هيثم فتحي أن موازاة العام 2018 طبقت إجراءات قاسية ورفعت الدولار الجمركي وهي أول ميزانية بعد رفع العقوبات، لكنها أثرت على الأسعار وانخفض الجنيه ما أدى إلى تدخل مؤسسة الرئاسة وإصدار سياسات وقوانين مصاحبة لها الأمر الذي أدى إلى استقرار سعر الصرف لحد ما. لكنه أدى إلى ارتفاع الأسعار وتوقف حركة الاستيراد وشح في السيولة، فمساءلة السلطة التنفيذية حول أعمالها ضمان تنفيذ السياسات هو طريقة فعالة. خاصة وأننا على وشك الانتهاء من الربع الأول من الموازنة العامة للدولة، ففي العديد من الدول يمكن لأعضاء البرلمان أن يعدلوا الموازنة أو حتى يصوغوها بأنفسهم إذا لم تتحقق أهدافها أوانحرفت عن مسارها.
الصيحة.