غازي وروح الوثبة
رحل رجل بمواصفات نادرة.. قمة الرضاء مع النفس وانموذجاً للشفافية.. قال كلمته في الكل ومضى إلى قدره المحتوم.. طابعاً في الذاكرة الجمعية تلك الملامح السودانية الأصيلة التي لا تخلو من الوضوح السافر والسخرية المليحة.. رجل له مفردته الخاصة ومواقفه الثائرة حيث لا تستطيع استبانة وجهته في صباح غده.. كما كان يقول «أنا ما في زول بمسكني الليلة معاك بكرة تتلولو أبقى ضدك».. له كاريزما مميزة تجمع بين ما هو مبدئي اصيل وما هو عصري مستحدث بمظهر يدلل على ثورة متحركة وهيئة تكاد تكون ثابتة بنطاله الأسود ذي الحمالات وشعره الأبيض.. تكاد تجزم أنك تعرفه من على البعد بتلك الهيئة.. محامياً ضليعاً.. وصاحب نظرة سياسية مختلفة تحوي الجرأة والحزم وعدم الخشية من تبني المواقف وان حدت به إلى تعدد الاتجاهات وتغير موجهاتها.. «غازي سليمان».. كلمات عالقة باعزازه للمرأة ولسانه الرطب يذكر أمه.. حتى يظن أن الجميع يحفظ اسم امه «أم النصر».. فقد كان يذكرها في أصعب المواقف والمنابر الساخنة.. مواقفه القانونية كانت تثبت تملكه لناصية مهنته وكان حفياً بها مترعاً بحبه لهذا السودان.. عندما استيقن من رؤية السودان الجديد لم يلتف ودخل في محراب الراحل «د. جون قرنق دي مبيور» كما يحلو أن يردد.. ولم يمنعه ذلك من اظهار معارضته لقادة الحركة الشعبية من بعده عندما التفوا على وحدة السودان وسعوا مع الساعين لهذا الانفصال البئيس.
التقيته مرة في مكتب «مدير التحرير» وسألته وأنا يقين بأنه سوف يقول رداً قاطعاً «يا استاذ غازي هل يمكن أن نطلق عمومية مفهوم القيادة على بعض الاسماء في الحركة الشعبية مثل عرمان، عقار، الحلو» رد عليّ بصوت قاطعاً غير آبه لما تحويه اجابته من أثر بصورة تكاد تكون جازمة «ديل عملاء بس» ومثل هذه الآراء الواضحة ولدت للرجل أكثر من معادي أو ناقم لكنه كان لا يأبه لذلك كثيراً لانه صاحب الصوت الصادق في المقام الأول مع نفسه.. كانت له صولات في اللقاءات السياسية والمنابر الاعلامية في القضايا الساخنة والتي لها مردودات شعبية ويشهد له «البرلمان» بمداخلاته القوية وروح الوثبة التي كانت تجعله دائماً في حالة متحفزة وتواقة للمشاركة بالآراء والأفكار المستنيرة الواضحة.. لم يخفي وصفه للبعض بالتبعية للأجندات الخارجية خوفاً على آرائه الفلسفية فقد كان ثاقباً واضحاً اتفق الناس معه أم اختلفوا.. فالرجل قال كلمته ومضى بسيرة وطنية لا يتشكك أحد في اصالتها أو مكنونها وإن أهاب بعض الناس بشفافيته الزائدة التي لا تعرف حدود البشر ولفها بكلمات واصمة واضحة.
٭ آخر الكلامرحل «غازي سليمان» الرجل المحترم لايمانه بما يعتقد فيه من رأي وحزن عليه الكثيرون وترك خلفه مواقف ارتضاها لتاريخه السياسي والعزاء كل العزاء للسودان ولاهله ولأم النصر «الابنة».
[/JUSTIFY]
سياج – آخر لحظة
[email]fadwamusa8@hotmail.com[/email]