ما بعد عودته و المطالب بطرده ؛ الخرطوم و القاهرة.. رمال تتحرك بأجندة مختلفة
ما إن وطأت قدم سفير الخرطوم أرض الكنانة حتى بدأت الآلة الإعلامية المصرية في إعادة تشغيل أسطوانة الهجوم على السودان. حيث تناولت صحيفة الوطن المصرية خبراً مفاده أن الناشط الحقوقي المصري بخيت إسماعيل تقدم بدعوى قضائية تطالب بطرد السفير عبد المحمود عبدالحليم العائد لتوه إلى القاهرة مستنداً على حجج تقول إن السودان ارتمى في الحضن “التركي القطري” مستمداً منهما قوته للهجوم على مصر. وقال السفير عبد الحليم عبد المحمود سفير الخرطوم لدى القاهرة لـ”الصيحة ” أمس إن الدعوى التي رفعها أحد المواطنين المصرين دعوى سخيفة لا تستحق الرد.
دعوى قديمة:
الدعوى التي تقدم بها الناشط الحقوقي المصري بخيت إسماعيل تم تقديمها للمحكمة عقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للخرطوم قبل أكثر من شهرين، بيد أن سحب الخرطوم سفيرها في الفترة الماضية أدى لتجميدها ثم تفعيلها مرة أخرى بعد عودة السفير السوداني لمباشرة مهامه بالقاهرة (الإثنين الماضي).
رد اعتبار:
مساء الإثنين الماضي عاد السفير عبد المحمود عبد الحليم إلى مباشرة عمله بالقاهرة بعد فترة غياب قضاها بالخرطوم قاربت الشهرين، فوجد الرجل استقبالاً حاشدًا بمطار القاهرة من قبل الجالية السودانية على حد قول السفير (للصيحة)، في ذات الوقت وجد عبد المحمود عبد الحليم رمالاً متحركة من تحت قدميه بعد دخول شكوى الناشط الحقوقي المصري بخيت إسماعيل إلى أضابير القضاء.
في ذات السياق يرى مراقبون أن الدعوى أراد بها البعض رد اعتبار مصر بعد سحب الخرطوم سفيرها في الفترة الماضية، مما اعتبرته نخب مصرية نوعاً من التطاول والاستفزاز السوداني، ويجب أن يأتي الرد بأسرع وقت ممكن على خطوة الخرطوم الماضية، فكانت البداية بشكوى المستشار بخيت إسماعيل المطالبة بطرد سفير السودان من القاهرة .
معركة قانونية:
الشاهد في الأمر أن القاهرة تظهر خلافها مع الخرطوم عبر الإعلام الموالي للحكومة المصرية الذي يشن هجوماً مكثفاً على النظام السوداني مما حدا بعدد من وسائل الإعلام السودانية أن ترد على الهجوم الإعلامي المصري لدرجة جعلت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يتدخل بنفسه لإيقاف الهجوم الإعلامي على السودان، بالفعل توقف في فترة ما بعد سحب السفير السوداني من القاهرة التراشق الإعلامي بين الطرفين، بيد أن معركة جديدة وبوسائل مختلفة بدأت تلوح في الأفق وهو معركة القانون التي لجأ إليها بعضهم لطرد السفير السوداني من مصر.
ويرى البعض أن المعركة أو الحرب القانونية القادمة تقودها جهات داخل النظام المصري ولا يقودها أشخاص مستقلون .
دعوى غريبة:
تقدم المستشار المصري بخيت إسماعيل بدعوى تطالب بطرد سفير السودان من مصر ما جعل القانوني أبوبكر هاشم الجعلي يفندها بالقول إنها لا أساس لها من القانون الدولي، ووجود السفراء يحتكم للقانون الدولي والأعراف الدبلوماسية، وليس من حق أي محكمة محلية قبول مثل هذه الدعاوى. كما أن تبادل السفراء أمر سيادي يخضع للقانون الدولي لا يحق لأي مواطن الطعن في وجود الدبلوماسيين والسفراء. كما أن سفير السودان بالقاهرة موجود كشخص دبلوماسي وليس كمواطن مصري، والقانون الدولي هو الذي يحدد بقاءه، ومضى في حديثه (للصيحة): حتى لو دخلت السودان في حرب مع مصر ليس من حق أي مواطن مصري أن يتقدم بدعوى لطرد السفير لأن الأمر يخضع للتقديرات السياسية للدولة، ولا ينبغي لأي شخص تحديد العلاقات بين الدول.
أول سابقة تاريخية:
من ناحية دبلوماسية، يقول السفير الرشيد أبوشامة حول الدعوى القانونية المطالبة بطرد السفير السوداني من مصر: لا توجد سابقة في العمل الدبلوماسي الدولي بأن يطالب مواطن بطرد سفير، مبيناً أن القانون الدولي لسنة 1961م، يوفر حصانة دبلوماسية لكل سفير، بالتالي لا يحق محاكمة أي سفير سواء أكانت محاكمة جنائية أو غيرها.
بيد أن أبوشامة عاد وقال (للصيحة): يمكن للدولة أن تطرد السفير كشخص غير مرغوب فيه، ولكن ليس من حق أي دولة أن تحاكم السفير في المحاكم أو تقبل دعوى قضائية ضده، ويبين أن الدعوى التي دفع بها المستشار المصري قصد بها إثارة زوابع إعلامية غير مجدية من الأساس ولن تجد آذاناً صاغيه من الدولة المصرية.
استفزاز مصري:
الشاهد في الأمر أن العلاقة بين الخرطوم والقاهرة ظلت متأرجحة طوال الفترة الماضية، ولم تعرف الهدوء رغم سعي الدبلوماسية في البلدين إيجاد معالجات عاجلة لوقف التراشق الإعلامي، بيد أن كل محاولات التهدئة فشلت، وظلت العلاقة بين البلدين لا تعرف الهدوء. ويقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية د. حسن الساعوري إن مصر تريد إسكات السودان إعلامياً حتى لا يتحدث عن القضايا الخاصة بالحدود، كما أنها تحتل أراضي سودانية مثل حلايب وشلاتين، وكان ينبغي على الحكومة السودانية اتخاذ موقف من سفير القاهرة بالخرطوم، وليس العكس بسبب تلك الأفعال، وأضاف (للصيحة): القاهرة تستفز الخرطوم من خلال تحرك بعض مواطنيها لطرد السفير السوداني وعلى الخرطوم أن تقوم برد الصاع صاعين من خلال طرد السفير المصري، بل واتخاذ مواقف جادة وقطع كل العلاقات مع مصر سواء كانت علاقات اقتصادية أو دبلوماسية وقطع العلاقات داخل المنظمات الدولية حتى تعلم مصر أن السودان لا يمكن أن يصمت على مطالبه.
صحيفة الصيحة.