رأي ومقالات

د. أمين حسن عمر يكتب: المدوّنة السياسية الحكومة الإليكترونية..كي ما تعود الحكومة خادماً

العمل الحكومي ليس ولا يجب أن يكون باباً للرزق إلا للقليل من أُولي الأهلية لخدمة المجتمع وتقديم عوائد عادلة لما يدفع من ضرائب ومن مكوس

لقد تأسست الخدمة المدنية على عهد الاستعمار على رؤية محددة وواضحة لما يُراد لها ومن يُراد منها. فقد أراد لها المستعمرون أن تكون محدودة العدد محدودة المهام

يجب الاقتصاد في إنشاء الوظائف الحكومية، فلا تنشأ وظيفة إلا إذا مست الحاجة إلى إنشائها مع تحديد مهمتها بكل دقة. وتأهيل شاغلها للاضطلاع بهذه المهمة

لن يكفي لمحاربة المحسوبية أن نذكّر الناس بأنها ظلمٌ بينٌ، ولكن لابد لنا من سن التشريعات، واتخاذ التحوّطات التي تسد منافذ المحسوبية

الحكومة الإليكترونية ليست بديلاً للحكومة الحقيقية ولكنها (انترفيس) تنوب عنها في تحقيق الاتصال وتقديم الخدمات بكفاءة ليس لها نظير في الحكومة العادية

ظل الحديث يدور ويتصاعد عن الحكومة الإلكترونية في السودان منذ نحو عقد من الزمان. ولم يأت العمل قوياً قوة القول إلا مؤخراً. فقد تسارع المضي في هذا السبيل بنشاط ملحوظ ومحمود من وزارة الاتصالات والمعلوماتية

امتداداً للطالع الحسن الذي يلوح لتطوير الحكومة الكلاسيكية إلى حكومة إليكترونية، فإن التطور الكبير في الهواتف المتنقلة وبخاصة التطور السريع والانتشار المذهل للهواتف المتنقلة الذكية يؤذن بتحول كبير يجعل تطبيق الحكومة الإلكترونية أكبر وأنجع مما يؤمله الخبراء

الحكومة الفضلى لن تتحقق إلا بمزيد من الكفاءة والشفافية والتفاعل مع المواطن.. وأقصر السبيل إلى تحقيق ذلك هي الحكومة التي تدخل مع كل مواطن إلى بيته بل إلى جيبه في هاتفه المحمول

هذا حديث مستعاد عن أهمية إصلاح الخدمة المدنية لا من خلال إعادة إنتاجها بل من خلال تجاوزها بالكامل لفلسفة جديدة ونمط جديد للإداء يقوم على الأتمتة التامة للخدمات الحكومية. هذه الأتمتة التي لو لم يكن من ثمارها إلا إثنتان لكفى.. إحداهما سرعة الأداء وكفاءته، والثانية مكافحة الفساد والإهدار. والمحسوبية والفساد وتعطيل المصالح وحجبها هي آفة الآفات في كل خدمة عامة مدنية أو غير مدنية.

الخدمة المدنية.. الرؤية والمهمة

لابد من رؤية فاحصة للخدمة المدنية ما هي وما هي مهماتها ومقاصدها وغايتها؟ لقد تأسست الخدمة المدنية على عهد الاستعمار على رؤية محددة وواضحة لما يُراد لها ومن يُراد منها. فقد أراد لها المستعمرون أن تكون محدودة العدد محدودة المهام . وأن تنهض على فكرة ضبط المواطن والإحاطة به أكثر من فكرة تقديم الخدمات إليه. وهي فكرة مخالفة تماماً لفلسفة الخدمة المدنية في بريطانيا وغيرها من الدول المُستعمرة والتي أنشأت الخدمة المدنية فيها لتنظيم حراك المواطنين بما يتيح حركية أسرع في الإنتاج والإنجاز . فالأصل هنالك هو شعار (دعه يعمل دعه يمر)، وأما القاعدة هنا فلا حركة ولا حراك إلا بإذن ورخصة. فعلى عهد سالفة الذكر الإدارة الاستعمارية فحتى ركوب الحمار كان يحتاج لرخصة من الجهات المالكة لزمام كل حركة في الحياة العامة. والخدمة المدنية في الغرب إنما جُعلت وسيلة لتقديم الخدمات للمواطنين، ولكي تكون وسيطاً فاعلاً بين الحكومة والمواطن في إرساء السياسات وإنفاذ التشريعات. والإصلاح الأكبر للخدمة المدنية اليوم سواء على المستوى الولائي أو الاتحادي هو اعتناق عقيدة مدنية جديدة للخدمة المدنية تعيد إليها وضعها خادمةً للمجتمع لا آمرة متأمّرة عليه، وتجعلها أشبه بكاسحة العوائق والصعوبات عن طريق المواطن، ليتمكن من المرور الآمن السريع لتجسيد أفكاره وتحقيق أهدافه. وهذا يعني أنها يجب أن لا تشبع على حساب دافع الضريبة ولا تسمن على هزاله. وألا تستقوي عليه بنفوذها وسلطانها، بل أن تستخدم ما أوتيت من سلطان وتمكين لتسهيل حركته وتيسير مروره وتأمين حقوقه وتحصيل مصالحه. وهذا يعني أول ما يعني أن لا تُنشأ الوظائف في الخدمة المدنية لتشغيل العاطلين، بل لخدمة المواطنين، ولا تزال ثقافة تشغيل العاطلين هي الثقافة السائدة، فإيجاد وظيفة لشخص ما تعلو في الاعتبار على مناسبة هذا الشخص لأداء مطلوب تلكم الوظيفة. ولابد من تصحيح هذا الوضع بجعل توفير الخدمة وتقديمها للمواطنين أولى في الاعتبار من تشغيل فرد ما مهما تمس حاجته للعمل، فالعمل الحكومي ليس ولا يجب أن يكون باباً للرزق إلا للقليل من أُولي الأهلية لخدمة المجتمع وتقديم عوائد عادلة لما يدفع من ضرائب ومن مكوس. ويجب الاقتصاد في إنشاء الوظائف الحكومية، فلا تُنشأ وظيفة إلا إذا مسّت الحاجة إلى إنشائها مع تحديد مهمتها بكل دقة، وتأهيل شاغلها للاضطلاع بهذه المهمة. وهذا يعني عدة أشياء:

أولها الاستيعاب الأمين النزيه للوظائف بلا محاباة ولا محسوبية. والمحسوبية داء عضال يقتات من ثقافة مجتمع تزدهر فيه المجاملة، وإيثار أولي القربى على أولي الصحبة وأولي الصحبة على الغرباء. والمحسوبية غالبها مُظاهرةٌ وموالاة للأقرباء وللمعارف. ولكن شِقًّا منها ليس بالقليل مظاهرة للأولياء السياسيين أو حتى غير السياسيين. ومحاربة المحسوبية تقتضي أن نسميها باسمها الصحيح خيانة لأمانة التولية. فمن ولَّى فرداً وهو يعلم من هو أفضل منه فقد خان الأمانة واستحق الملامة. ولن يكفي لمحاربة المحسوبية أن نذكر الناس بأنها ظلمٌ بينٌ، ولكن لابد لنا من سن التشريعات. واتخاذ التحوطات التي تسد منافذ المحسوبية، فللعالم تجارب يمكننا الاستظهار بها في إطار منظومة شاملة لتعزيز النزاهة العامة في الحياة العامة. ولقد أنشأت الدولة مفوضية مستقلة للخدمة المدنية ومن تتبعي لما تقوم به فإنها تستحق حمداً كثيراً وتشجيعاً ودعماً أكثر، فهي قد شرعت في أتمتة المسابقات والامتحانات بحيث يعرف الممتحن نتيجه اختباره إليكترونياً، ولكن هذا شوط لابد له أن يُستكمل باعتماد نظام المطابقة الإليكترونية حتى في مستوى المعاينات. وفي حال استبعاد مرشح لعلة أخرى لا تتصل بالكفاية والمناسبة فيتوجّب إطلاعه على تلكم العلة، سواء كانت ترتبط بالصحة العامة أو الاعتبارات الأمنية. ويجب على التشريع أن ينص على ذلك وأن يضمنه، فكل الناس يستحق حكماً عادلاً.

بناء القدرات لتقديم الخدمات

والأمر الثاني الذي يلي الاختيار الأوفق للفرد المناسب للمهمة هو الإعداد الأولي للمستقطب من خلال التعريف النظري بالوظيفة، ثم التدريب العملي على الوظيفة أثناء ممارسة الآخرين لها on the job training ثم خطة مرسومة لبناء القدرات عبر مراحل الترقّي المختلفة. وثالث الأمور هيكل مرن فاعل ومتفاعل قادر على إنجاز المهمات بشكل متسق ومتناسق ومنسجم. ورابعاً تدريب أصحاب الوظائف على التفكير الإيجابي المبادِر والسلوك المتواضع المتعاطف مع المواطنين. ولقد كان من دأب قدامى كبار الموظفين أن يمهروا رسائلهم لمن يراسلون من الناس سواء علوا فوقهم أم اتّضعوا من تحتهم، بـ(خادمكم المخلص أو خادمكم المطيع). ولعلّ ذلك بعض ما يُبذل لترويض النفس على التواضع وإن علا بها المقام أو المنصب. خامساً من المعلوم أن جزءاً من وظيفة الخدمة المدنية هي وظيفة تنظيمية regulative . ولذلك يتوجب تدريب خُدّام الشعب على أن مهمتهم التنظيمية هي مثل مهمة رجل المرور لتسريع حركة المرور لا إعاقتها كما تجب المحاسبة الصارمة لكل سلوك يؤدي إلى تعقيد أو تأخير معاملات المواطن. وتعقيد الأداء منشؤه إجراءات متزيّدة لا طائل من ورائها، وكذلكم سلوك إداري متغطرس متعجرف هو أقرب لإظهار القدرة والسلطة منه لأداء الأمانة وتقديم الخدمة وتسهيل المهمة.

ونحن في السودان اليوم نعيش واقع حكومة فيدرالية اتحادية، ما يعني أن غالب الخدمات التي تقدم مباشرة للشعب صارت من مهام الخدمة المدنية في الولايات. ولذلك فإن الحديث عن إصلاح الخدمة المدنية يعني أكثر ما يعني هو إصلاحها في الولايات، ولا يستثني هذا الحكومة الاتحادية. والخدمة على المستوى القومي الأعلى والتي ضمرُت بالحكم الاتحادي يتوجب عليها أن تضمُر أكثر بالتفسّح لحكومات الولايات، وبتحويل كثير من المهمات للقطاع الخاص وللمجتمع المدني . وتحويل الحكومة إلى مهمة التنسيق والتنظيم ليكون ذلك هو جوهر العمل الحكومي على المستوى القومي. فتصبح الحكومة منظماً للنشاط لا مُشغلاً له Regulator not operator . ولا شك أن الاتجاه العام يمضي إلى ذلك المسار، ولكنه لا يمضي بغير مقاومة تتأبى على التكيف مع الرؤى الجديدة والمتغيرات المتبدّلة.

وإصلاح الخدمة المدنية يعني المزيد من الحرية والكفاءة المؤسسية . بيدأ أنه يعني في ذات الوقت المزيد من التنسيق والتفاعل وتكامل الأدوار في خدمة رؤية إستراتيجية تبدو واضحة للجميع. ويتضح لكل مؤسسة دورها في إنفاذها. ولعله من حسن الطالع أن فرصة سانحة عظيمة تتاح الآن لإنجاز تفاعلية سريعة، وتحقيق الاتساق والتنسيق بقدر لم يكن مُتصوّراً من قبل. وذلك من خلال اغتنام فرصة تكنولوجيا المعلومات. تلكم التي تطورت الآن إلى مرحلة الإدارة بالمعرفة، حيث يحصد الناس ثمرة ذلك سرعة في الإنجاز وكفاءة في الأداء، واقتصاداً في المدخلات وتعظيماً للفوائد. ومما يفعم النفس بالسعادة أن الاستظهار بتطبيقات ما عاد يعرف اليوم بالحكومة الإليكترونية أصبح في متناول الجميع بغير مال كثير ولا جهد جهيد. ثم إن هذه التطبيقات يمكن أن تتنزّل على الأداء الحكومي تدرجاً في إطار خطة زمنية معلومة متسارعة لإكمال تطبيقاتها بقدر الحاجة إليها. ولقد دار ويدور حديث كثير عن الحكومة الإليكترونية، ولعل المناسبة سنحت للإشادة الكبيرة بما قامت به وتقوم وزارة الاتصالات ومؤسساتها التابعة لها في قطاعي الاتصالات والمعلوماتية، فقد أبصر الناس بأنفسهم كيف أنه بعد تطبيق التحصيل الإليكتروني زادت الإيرادات العامة من الجمارك ومن الضرائب رغم عدم اتساع الماعون الضريبي بعد، وكذلك يرى الناس ثمرات التقديم الإليكتروني للقبول وللالتحاق بالخدمة العامة. أيسر.

الحكومة الإلكترونية.. ما هي؟

أقصر تعريف للحكومة الإليكترونية أنها هي الحكومة الافتراضية التي تهدف إلى تحقيق تواصل وثيق مع المواطنين. وتهدف إلى تقديم الخدمات الحكومية لهم على اختلافها عبر الوسائط الإليكترونية والأدوات التقنية. وأهمها شبكة الانترنت ووسائط الاتصالات المختلفة، وأهمها الهواتف المتنقلة. وهي بهذا المعنى ليست بديلاً للحكومة الحقيقية، ولكنها (انترفيس) وجه آخر للحكومة الحقيقية. تنوب عنها في تحقيق الاتصال وتقديم الخدمات بكفاءة ليس لها نظير في الحكومة العادية. وأهم أهدافها هي تحقيق تواصل كثيف وفاعل مع المواطنين لتقديم المعلومات لهم، وبناء شراكة فاعلة معهم في إدارة الشأن العام وتعزيز الديمقراطية. وهذه الشراكة سيكون نفعها الأكبر القضاء على الداء الأخطر للخدمة المدنية، وهو الفساد. فإن الضوء الباهر الناجم عن توفر المعلومات لا يُتيح للسُراق أن يعسوا في ظلمات غياب الشفافية ليسرقوا مال الشعب. وكما أن الحكومة الإلكترونية حصانة ضد الفساد، فهي أيضاً وسيلة لتقليل النفقات ورفع التكلفة الباهظة عن كاهل المواطنين. فمن المعلوم أن مكافآت ورواتب العاملين بالخدمة العامة تبلغ نسبة عالية من مصروفات الدولة. والحكومة الإلكترونية بإمكانها قلب هذه المعادلة لتذهب النسبة الأقل للرواتب والمخصصات وتذهب النسبة الأكبر للخدمات التي من أجلها استُحدثت الوظائف والمناصب. وكما أن خدمات الحكومة الإلكترونية زهيدة فأنها غاية في الجودة . وهي لا تعرف التمييز بين طالبي الخدمات ولا تعرف المجاملة ولا المحسوبية . فالجميع يضغط على ذات الأزرار ليتحصل على نفس النتيجة. وأهم ما يكسبه الناس منها ليس المال بل هو الزمن. وما المال إلا ثمرة الكد في الزمن . وأكبر تضييع للمال هو تضييع الزمن. والحكومة الإلكترونية ستعيد المعادلة الصحيحة لتجعل الحكومة خادماً يسعى للمواطن بخلاف الحال الراهن حيث يسعى المواطن لينال حقه فلا يناله إلا بالجهد الجهيد، وربما يناله ناقصاً غير كامل، وربما عاد بالخيبة والندم. كذلك فإن الحكومة الإلكترونية سوف تدعم النشاط الاقتصادي والاستثماري كما لم يحدث من قبل، وذلك عبر تسريع الاتصال وتبسيط الإجراء وإبعاد الوسطاء، لتمضي الدورة الاقتصادية في سلاسة وسهولة ويسر. وتموت أثناء ذلك كثير من ألوان الرشوة والعمولات والفوائد التي لا تدفع إلا من مال الشعب بصورة غير مباشرة . لأن كل ذلك يعود ليصبح جزءاً من تكلفة السلع والخدمات. وتوفر المعلومات بصورة هائلة عبر وسائط الحكومة الإليكترونية سيتيح فرصاً واسعة لجذب الاستثمارات وتطوير السياحة. ورفع الكفاءة المؤسسية للأداء وتحقيق التنسيق الكامل بين مؤسسات الحكومة . فلا يستطيع متهرب من الضريبة أن يفلت منها بالتحايل أو الرشوة . ولا يستطيع أحد أن يحُوِّل مجرى الرسم الحكومي من العام إلى الخاص.

الحكومة الإلكترونية.. الموقف الآن

ظلَّ الحديث يدور ويتصاعد عن الحكومة الإلكترونية في السودان منذ نحو عقد من الزمان. ولم يأت العمل قوياً قوة القول إلا مؤخراً. فقد تسارع المضي في هذا السبيل بنشاط ملحوظ ومحمود من وزارة الاتصالات والمعلوماتية. بيد أننا مهما سارعنا في السعي باتجاه الحكومة الإلكترونية فقد أضعنا موقعنا في طليعة الساعين لتحقيقها. فقد سبقت إلى تطبيقاتها حتى الآن ثلاث حكومات عربية. والسودان رغم ما يتميز به من شبكة اتصالات وبنية تحتية تفوق غالب تلك الحكومات العربية لا يزال في مرحلة غير متقدمة كما يُرتجى في التطبيق العملي للحكومة الإلكترونية. ولئن كانت الحكومة متمثلة في وزارة الاتصالات قد أنجزت الخطة الموجهة للحكومة الإلكترونية وبدأت في استكمال بعض البنيات الضرورية لجعل تطبيقاتها ممكنة وآمنة فتلك بداية جيدة جديرة بالإطراء، وكذلكم فقد كانت تطبيقات التحصيل الإليكتروني مشجعة للغاية. وقد نالت وزارة الاتصالات جائزة عالمية تقديراً لنجاح التحصيل الإليكتروني. والتحصيل الإليكتروني لفائدة المُستفهِم هو منظومة متكاملة من النظم والبرامج الهادفة إلى تسهيل إجراءات عمليات الدفع الإلكتروني بطريقه آمنة، وهي خدمة تهدف إلى توفير الوقت والجهد وتقليل النفقات وتسهيل الخدمة للعميل بوضعها في متناول يد العميل كما تسهل سرعة إتمام عملية الدفع، وقد أسهمت فكرة تطبيق نظام التحصيل الإلكتروني بالدولة في تقليل نسبة التكاليف وتسهيل الإجراءات، وخفض نسبة الازدحام في مراكز الدفع والتحصيل. وهو نظام آمن وسريع مقارنة بالوسائل التقليدية التي أصبحت غير موثوقة ومبددة للوقت والجهد . كذلكم فإن وسائل التحصيل التقليدية في البيروقراطية المزمنة في جهاز الدولة، كما يشهد الناس تؤدي عادة إلى تأخير تحصيل الأموال في الخزينة العامة مما ينتج عنه أحياناً عدم ورود الأموال، أحياناً تسربها وتجنيبها لغير المصلحة العامة. وأما الدفع الإليكتروني فقد حقق مكاسب جمة أولها زيادة إيرادات الدولة، كما وأسهم في محاربة الفساد وجذب الكتلة النقدية للمصارف . وهناك فوائد جانبية أخرى مثل تقليل تلف العملة وتقليل جرائم النشل والسرقة، وضمان وصول الأموال لمستحقيها في مجال الدعم الاجتماعي وغيره، وتقليل التكلفة لمتلقي الخدمة وتوفير الزمن له ثم كسب الزمن بتوفر الخدمة على مدى الأربع وعشرين ساعة وليس ساعات العمل النهارية فحسب.

بيد أن الجهد التشريعي التنظيمي لا يزال بطيئاً وخاصة في جوانب تحقيق الأمن الإليكتروني. كذلك في مجال القواعد التنظيمية المالية التي يتوجب أن يضطلع بتشريعها بنك السودان ووزارة المالية. وأما الإعلام فهو الآخر متكاسل ومتثاقل إن لم يكن غافلاً أو متغافلاً. وربما غير عالم ولا أقول (جاهل) بمغزى وفوائد تطبيقات الحكومة الإلكترونية. وللإعلام دور أكبر من دور التعريف بالمشروع، بل لابد من استخدام الوسائط الإعلامية لتعريف الشعب بكيفية التعامل مع الوسائط الإلكترونية. وقد نحتاج إلي حملة مشابهة للحملة الإعلامية التي صاحبت إجراء الانتخابات وإجراء التعداد العام لتوعية المواطنين. ورفع قدراتهم في التعامل مع الوسائط التقنية.

الهاتف الذكي للمواطن الذكي

امتداداً للطالع الحسن الذي يلوح لتطوير الحكومة الكلاسيكية إلى حكومة إليكترونية، فإن التطوّر الكبير في الهواتف المتنقّلة وبخاصة التطوّر السريع والانتشار المذهل للهواتف المتنقّلة الذكية يُؤذن بتحوُّلٍ كبيرٍ يجعل تطبيق الحكومة الإلكترونية أكبر وأنجع مما يُؤمِّله الخبراء. فقدرة المواطنين ارتفعت كثيراً في التعامل مع الهواتف المتنقّلة بصورة عامة، وبخاصة الهواتف الذكية المشتمِلة على خدمة الانترنت. وتطوّرت في بلاد مجاورة خدمات مُذهلة عبر هذه الهواتف وأشهرها كينيا في استخدام الهواتف للمعاملات البنكية الإلكترونية عبر نظام (النقد المتنقّل). فقد أدخلت هذه الخدمة الملايين من الكينيين في مجال التعامُل البنكي. وارتفعت نسبة المتعاملين مع البنوك من 15% وهي ذات النسبة الراهنة في السودان إلى أكثر من 70% من السكان الراشدين في أقل من ثلاث سنوات. وأغرى النجاح الباهر للتوسع في إدخال خدمات الصحة الإلكترونية وخدمة التعليم الإلكترونية وغيرها في كينيا . وأهم الطرفيات المستخدمة في هذا التوسع هي الهواتف المتنقلة. والإحصاءات تدل على أن انتشار الهاتف المتنقل في السودان مساوٍ أو مقارب جداً لمستوى الانتشار في كينيا . كما أن البنية التحتية للاتصالات في السودان أفضل . والسودان يأتي متقدماً في المرتبة في استخدام الانترنت على كينيا . كما أنه يأتي متقدماً عليها اقتصادياً بمعايير الناتج الكلي الإجمالي وحصة المواطن في هذا الناتج الكلي الإجمالي. وكذلك فإن مستويات التعليم الأولي والعالي أفضل في السودان. وكل هذه ميزات تجعل نجاح السودان في ما نجحت فيه كينيا مُرجّحاً. إلا أن التجربة الكينية اتسمت بالشجاعة في اتخاذ القرار وإنفاذه. والسرعة في إنجاز التشريعات والقواعد الضابطة للمعاملات. وأما السودان فلا يزال في مراحل التجريب الحذِر. ولا تزال المؤسسات التي يتوجّب عليها المسارعة في إنجاز التشريعات تتلكأ في هذا السبيل. ولكي لا نغمط أهل الحق حقهم فقد تسارعت في العام الماضي خطى وزارة الاتصالات والبنك المركزي وبعض المصارف الأخرى لتحريك أمر الحكومة الإليكترونية. ولكن الفرصة أكبر من ذلك. ويقتضي الأمر رعاية رئاسية متصلة، لأننا وإن كنا نتحدث عن الجمهورية الثانية بوصفها الحكومة الأفضل، فإن الحكومة الفضلى لن تتحقّق إلا بمزيد من الكفاءة والشفافية والتفاعل مع المواطن . وأقصر السبيل إلى تحقيق ذلك هي الحكومة التي تدخل مع كل مواطن إلى بيته بل إلى جيبه في هاتفه المحمول. ومما يوسف له أننا يصرفنا الشأن العاجل أحياناً عن الآجل المُهم، ولذلك فإنها لم تكن خطوة موفّقة ما أقدمت عليه وزارة المالية من زيادة لضريبة القيمة المضافة على الاتصالات، وتم ذلك في وقت نريد أن نشجع المواطن على المزيد من التطبيقات الإليكترونية باستخدام الهواتف، ولكن بعض أهل السياسات العامة يسيل منهم اللعاب على السيولة العاجلة، فينسون أو يتناسون مقاصد ذات أولوية لإنجاز سريع لإستراتيجية الإصلاح والنهوض والتقدم.

انتهـــــــــــــــــــــــــــــــــى،،،

الصيحة.