خطر المسكوت عنه بالأرقام :الملوثات .. مقبرة مواد خطرة بالفاشر والدمازين
مدافن مبيدات تالفة وخطرة على مشارف مدينتي الفاشر والدمازين.. أكثر من «600 » طن مبيدات منتهية الصلاحية تتكدس داخل «25» من مخازن الدولة والقطاع الخاص ببعض المشاريع الزراعية، وبعضها في العراء مباشرة.. حوالى «20» ألف طن من تربة الولاية الشمالية أصبحت هالكة لا تصلح لشيء لتعرضها للملوثات العضوية.. «200» طن من تربة الدبة ملوثة بالطعوم السامة.. خطر المحولات والمكثفات الكهربائية بالعاصمة، وبورتسودان وخشم القربة لاحتوائها على الزيوت الملوثة (PCB).. الخطر الذي بات يهدد هواء العاصمة جراء حرق إطارات السيارات والكوابل والمسابك العشوائية، الذي يتسبب في إنتشارمادة «الديوكسين» السامة.. معلومات مؤكدة، وحقائق خطيرة تحصلت عليها «الرأي العام» عن المبيدات الحشرية والزراعية، والملوثات ببعض مناطق البلاد مهددة صحة الإنسان والبيئة نعرضها عبر هذا التحقيق .
————————————————————————————-
حصر الملوثات
شهد السودان خلال الثلاثة عقود الماضية تدهوراً في البيئة حيث عزت منظمات الأمم المتحدة ذلك الى عدة أسباب أهمها: تناقص كمية الهطول السنوي للأمطار والرعي الجائر وقطع الغابات ونتج عن هذا التدهور هجرة من الريف للمدن، وأدى الى تجمعات سكنية حول العاصمة وبعض المدن حيث لا تلقى هذه التجمعات الخدمات اللازمة، وبالتالي تدهور في الوضع البيئي، والاهتمام بالبيئة في السودان ينحصر حالياً في الهجرة المتواصلة للمدن وبعض المشاكل الناتجة عن الصناعة، وبصفة عامة فإن هذين الأمرين في السودان لا يشكلان هاجساً كبيراً كما يحدث في بعض بلدان المناطق المجاورة، وأخيراً بدأ الاهتمام بأمر البيئة على الصعيد الحكومي ومنظمات العمل الطوعي، وبقيام المجلس الاعلى للبيئة وإصدار قانون البيئة للعام «2001م» يعكس هذا التطور، ولكني هذا لا يعني أن السودان خالي من الملوثات بل هنالك الكثير منها الذي يؤثر على صحة وبيئة الإنسان والحيوان.
تم حصر الملوثات العضوية بالسودان بواسطة وزارة البيئة والتنمية العمرانية «المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية» وأهم هذه الملوثات المبيدات الحشرية لمجموعة الكلور العضوية وهي «د.د.ت – الدرين – داري الدرين – المبيد الفطري» وغيرها من المبيدات الخطرة التي سيُمنع استخدامها نهائياً بحلول العام 2025م، وقد حصرت المبيدات في ولايات السودان داخل «25» مخزناً بمخازن الدولة والقطاع الخاص، وبعض هذه المواد السامة توجد في مناطق مفتوحة «في العراء» «في الكرنك – مناطق مسورة بالسلك الشائك- مظلة – جملون»، وهي مخازن غير مطابقة لتخزين مواد ضارة ومسرطنة نسبة لعدم وجود أرضيات مبلطة وماء وكهرباء وغيره، ويرجع أحد الخبراء أسباب تراكم هذه المبيدات في السودان الى التذبذب في مستويات الآفات، وصعوبة أو استحالة التنبؤ بآفات الموسم لعدم توافر الدراسات وعدم الدقة في تحديد كميات المبيدات المطلوبة للموسم الزراعي، وتأخر وصولها، وسوء إدارة المخازن، وعدم توافر الوعي بأهمية المبيدات وفترة نفادها، وعدم حصر الكميات الحقيقية الموجودة بالمخازن، وغيرها من الأسباب التي تؤدي الى تراكم هذه المبيدات أو الملوثات الخطرة على البيئة والإنسان، وقدرت الكمية التالفة بحوالى «666» طناً توجد بالمشاريع الزراعية والمخازن إضافة الى «10» آلاف طن من التربة الملوثة.
ولايات ملوثة
تعتبر الولاية الشمالية اكثر ولايات السودان تكدساً بالملوثات حيث ان المواد غير المعروف أصلها وهي من الملوثات العضوية الثابتة وتقدر بحوالى «60235» طناً، و«20301» طن من التربة الملوثة. والعبوات بحوالى «36» طناً، وإجمالي المكونات يعادل «246» طناً. وفي مدينة الدبة يوجد حوالى «200» طن من الطعوم السامة المعاملة بالجاماكسين، وحوالى «70» طناً من التربة الملوثة، مع كل هذه الإحصائيات لابد من تعبئة هذه المواد وعزلها وترحيلها لمناطق نائية وإيجاد الحل النهائي لأن إحصائيات السرطانات بالولاية لا تتحمل أي تعرض مستمر من هذه المواد المسرطنة والمسببة للإضطرابات الهرمونية، وتعتبر ولاية نهر النيل من أكثر الولايات الملوثة وتقدر كمية الجاماكسين بها حوالى «350» كيلوجراماً و«236» طناً من التربة الملوثة، وحوالى «130275» طناً من المبيدات، كما أن الموقف بمدينة بربر يتطلب الاهتمام الفوري، وتوجد أكوام من الطعوم السامة والعبوات المتآكلة وأكوام من مركبات غير معروفة، وفي شندي يوجد حوالى «80» طناً، وبمدينة الدامر وجد «150» طناً من التربة الملوثة، وما زاد خطورة الوضع سوءاً ما تتميز به المنطقة من حرارة عالية ورياح شديدة، كما تم الكشف عن منطقة دفن المبيدات بأحد مصانع السكر وقدرت تربتها الملوثة بحوالى «75» طناً، وفي أحد المخازن التابعة لإدارة وقاية النباتات بمدينة كوستي تشتم رائحة المبيدات من مسافات بعيدة، وفي منطقة أبونعامة قرب النيل الأزرق على ضفته الغربية توجد منطقة مرتفعة تم دفن المبيدات فيها منذ العام 1989م بالقرب من محطة البحوث الزراعية، وقدرت كميتها بحوالى «6» أطنان وهي مكونة من «د.د.ت – اندرين» اضافة الى ثلاثة من مركبات الفوسفور العضوية وهي «مالاثايون – إيكاتين- فوليمات»، وتم العثور على مدفن بالدمازين على بُعد كيلومتراً واحداً من موقع مخزن للمبيدات ومن محتوياته «أندرين- اندوسلفات- مبيد الحشائش جراماكسون» قُدرت بحوالى «1200» متر مكعب وحوالى «1920» طناً دفنت هناك منذ العام 1987م.
حرق الإطارات
يعتبر الديوكسين والفيوران من أشد المواد الكيمائية سُمِّيةً للإنسان والحيوان، فهي بالاضافة الى أنها تؤدي للإصابة بالسرطان، فهي أيضاً تؤثر على نمو الأعصاب والجهاز التناسلي وإضعاف المناعة، وعلى عمل الغدد الصماء، إذ لا يمكن قياس سُمًّيتها مثل الكيماويات الاخرى، وإنما تُحسب سُمّية الديوكسين في أنسجة الإنسان بما يُعرف بـ«مكافئات السُّمّية»، وهي عبارة عن مجموع سمية «زمر الديوكسين»، وتم حصر مادتي الديوكسين والفيوران في السودان في العام 2003م من خلال مشروع الملوثات العضوية الثابتة نفذه المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، وقدرت كمية هذه المواد في «الهواء، والماء، والتربة، والمنتجات، والبقايا» بحوالى «99106» جم / سنة، والانبعاثات الناتجة من الاحتراق غير المراقب في المرتبة الأولى «9401%» وانبعاثات الحرائق المكشوفة للنفايات بحوالى «81%» و«909%» حرائق المخلفات الزراعية بعد موسم الحصاد، وتعتبر ممارسة حرق الكوابل لاستخراج النحاس وحرق إطارات العربات لاستخراج الأسلاك تعتبر هذه الممارسات تشكل خطورة كبيرة من حيث إطلاق الديوكسين إذ يعتبر النحاس من أكثر العناصر المساعدة على تكوين هذه المواد وبوجود البلاستيك والحرارة تصبح الظروف ملائمة لتكوين الديوكسين، ومن المؤسف أن هذه الممارسات تتم في مناطق بها أعداد كبيرة من المواطنين سواء أكانت مناطق صناعية أو أسواقاً، مما يعرضهم للخطر وأيضاً من يمارسون هذا العمل لا يستخدمون أية وسيلة وقائية وذلك لعدم إدراكهم بمدى خطورة الإنبعاثات الناتجة من الحرق، وأيضاً نجد ان كثيراً من الأغنام ترعى في منطقة الحرق مما يعرضها للخطر، وكذلك تلوث لحومها وألبانها بتلك المواد السامة، ومن ثم تنتقل الى الأشخاص الذين يتناولون لحومها وألبانها، وأيضاً العاملين في المسابك البلدية لصهر الألمونيوم لعمل الأواني المنزلية فإنهم يستنشقون الأبخرة الضارة الناتجة من عمليات الصهر، فهذا يعرضهم لمشاكل صحية قد تظهر آثارها في المدى البعيد.
المواقع الملوثة
الموقع الملوث الذي توجد به المواد بتركيزات أعلى من التركيزات العادية المتعارف عليها وتشكل خطراً فورياً أو على المدى البعيد على صحة الإنسان والبيئة، أو التي تزيد عن التركيزات المنصوص عليها في النظم والقوانين واللوائح وتم حصر كل المواقع المتعلقة بالتلوث في السودان ومقابلة المهتمين بالأمر والمتعاملين مع المبيدات في كل مناطق السودان للتعرف على الأماكن المشكوك بها بواسطة المجلس الأعلى للبيئة، و حددت مناطق دفن المبيدات دون تطبيق المعايير والتدابير العلمية، وجد أن هذه المدافن في مناطق لا تتناسب مع هذه المواد الخطرة داخل المدن أو بالقرب من نهر النيل، أو مناطق مؤهلة لتصبح مناطق سكنية في المستقبل القريب نتيجة النمو المتسارع للخطط الإسكانية في السودان، وأثبتت الدراسات تلوث المياه السطحية ومياه الآبار في كثير من مناطق البلاد بالمبيدات العضوية الثابتة، ففي العام 1995م قامت حكومة ولاية شمال دارفور بالتخلص من المبيدات التالفة في حفرة تبعد مسافة «27» كيلومتراً شرق مدينة الفاشر، وأثبتت التحاليل وجود تركيزات عالية من «الداي الدرين – اللندين – الديازينون» في الماء وكميات مدفونة حوالى «9000» لتر من «الداي الدرين» و«2000» لتر من «الديازينون»، و«2000» لتر من «ميثويت»، و«3000» لتر من «الليندين».
من أخطر المواد الموجودة بالبلاد، مادة «ثنائي الفينيل متعدد الكلور»، (PCB) المستخدم في المحولات والمكثفات الكهربائية، وهي من أكثر المواد الكيماوية المعروفة بقدرتها الفائقة على التسبب في السرطانات، وقد انتبهت وزارة البيئة والتنمية العمرانية، والمجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية، لهذا الخطر الماثل، حيث تم تحديد فريق من الهيئة القومية للكهرباء، كجهة اختصاص لحصرها تحت إشراف خبير وطني وآخر فرنسي من منسوبي الهيئة، تم التخلص من هذه المادة نهائىاً، الفريق مكون من «15» مهندساً، معظمهم من إدارة توزيع الكهرباء التي تحتوي على معظم المحولات الكهربائىة بالهيئة، وبعض المهندسين من إدارة توليد الكهرباء لحصر محولات التوليد والمكثفات الملحقة بها.
ويبلغ إجمالي عدد المحولات والمكثفات حوالى «15000»، والعدد يوضح صعوبة مهمة الفريق، حيث يصعب فحص كل هذا العدد من المحولات والمكثفات، لكن بعد الفحص و الحصر الذي استغرق زهاء التسعين يوماً أثبتت النتائج قلة عدد المحولات والمكثفات المحتوية على الزيوت الملوثة (PCB)، حيث لم تتجاوز «1.5»، كما أفادت نتائج الحصر أن الزيوت محصورة فقط في المحولات الموجودة بالعاصمة القومية، والمنطقة الشرقية «خشم القربة وبورتسودان»، حيث إن المحولات المنتجة بعد العام 1983م لا تحوي هذه المادة، وذلك يعود الى أن شبكات الكهرباء في المناطق الأخرى، عدا العاصمة والمنطقة الشرقية تم تركيبها حديثاً.
الجهات المسؤولة
طبقاً لقانون المبيدات لسنة 1994م فإن المجلس القومي للمبيدات هو المسؤول عن متابعة ومراقبة والتخلص من المبيدات غير المرغوب فيها وبقية منتجات مكافحة الآفات بما في ذلك العبوات، وأعطى القانون الحق للمجلس في منع أو تشديد استخدام بعض المبيدات الخطرة، ومنع بيع المبيدات التالفة، أو تلك التي تم التلاعب بمواصفاتها، ووضع القانون معايير لمنع التلوث وكيفية التحكم فيه، وتعتبر إدارة الجمارك مسؤولة عن التحكم وتطبيق النظم المتعلقة بالتجارة تصديراً واستيراداً، أما وزارة الصحة فهي مسؤولة عن إعداد القوانين المتعلقة بالتعامل مع السموم وكيفية التعامل مع مواد مكافحة الآفات بالمحاصيل وإجراءات تصنيف الكيماويات الجديدة داخل مجموعة السموم وتضمينها في القائمة الخاصة بالسموم التي تمت الموافقة على استخدامها، وتحليل مواد مكافحة الآفات يتم بمعامل تحليل المبيدات بهيئة البحوث والتقانة الزراعية، أما التفتيش فيقع تحت مسؤولية إدارة وقاية النباتات التابعة لوزارة الزراعة والغابات.
إتفاقية استكهولم
انتبه العالم منذ العام 1997م الى ضرورة وجود قانون يلزم بتطبيق التدابير اللازمة على ملوثات عضوية ثابتة، وتم عقد عدة مؤتمرات واجتماعات وتم التوقيع على هذه الاتفاقية بعدد «9» مبيدات «كلورة عضوية» مستخدمة في مكافحة الآفات والصحة ومن ضمنها مبيد (D.D.T) ومادة «ثنائي الفينيل المتعدد الكلورة» المستخدم في المحولات والمكثفات الكهربائية للتبادل الحراري وسداسي «كلور البنزين، ومادة الديوكسين، والفيوراين» من النواتج الثانوية الكيماوية غير المقصودة، وهي من أكثر المواد الكيماوية المعروفة بقدرتها على التسبب في السرطانات، ومن سمات هذه الاتفاقية انها تحتوي على «30» مادة بجانب «9» مرفقات وتلزم المجتمع الدولي بحماية صحة الإنسان والبيئة من الملوثات العضوية الثابتة وتضع حداً للإنبعاثات واستخدام «12» ملوثاً عضوياً ثابتاً من أخطر الملوثات، وتحظر إنتاج مواد ثنائى الفينيل متعدد الكلورة والتخلص منه نهائياً بحلول العام 2028م وتطالب بمعالجة النفايات المحتوية على ملوثات ونقلها بصورة غير مضرة بالبيئة، وهنالك انبعاثات غير مقصودة في الاتفاقية يتولد منها «الديوكسين» وتم حصر هذه المصادر الأساسية لها في حرق النفايات في أفران ذات درجة حرارة عالية، وإعادة استخدام المعادن الحديدية عند صهرها وغلايات المرافق والمنشآت الصناعية ومصانع الأسمنت والطوب والجير والحرق المكشوف للنفايات، وحرائق الغابات وحرائق المصانع والمنازل وبقايا الحصاد في المزارع خاصة التي تعرضت الى بعض المبيدات وانبعاثات السيارات ودخان التبغ والفحم والحطب والمواد البلاستيكية كل هذه المواد توجد بها كميات كبيرة من «الديوكسين» وله كثير من الآثار على البيئة والصحة، إلا أنها تنتقل عبر الهواء والماء الى مسافات طويلة، لأن درجة تبخرها متوسطة وتترسب مرة اخرى عند تعرضها لدرجة برودة وأثناء عملية ترسبها تلوث النباتات والمنتجات الزراعية والتربة وبالتالي تنتقل الى الإنسان بكل أخطارها.
?? أخيراً ??
كيف نحمي صحة المواطنين والبيئة السودانية من خطر هذه المواد؟.. الخطة الوطنية لإتفاقية استكهولم للملوثات العضوية الثابتة، توصي بالمعالجات الآتية:
? وضع وتفعيل القوانين التي تمنع عمليات الحرق المكشوف.
? دراسة مكونات النفايات، ووضع سياسة لفصل مكوناتها خاصة تلك التي تنبعث منها مواد ضارة عند الحرق، مثل البلاستيك والالكترونيات.
? تشجيع صناعة تدوير بعض النفايات.
? وضع حدود للإنبعاثات الناتجة من بعض الصناعات.
? تشجيع وتسهيل استخدام التكنولوجيا النظيفة التي تقلل من إنبعاثات بعض الصناعات.
? فرض رسوم على المخلفات الزائدة.
دار السلام علي :الراي العام