البشير والسيسي وديسالين.. تفاصيل ما حدث
شيراتون.. قلقٌ إعلاميٌّ وتوتُّرٌ أمني وبقايا اشتباك قديم
هل يُنهي الاتفاق النزاع أم هي هدنة ثلجية سريعة الذوبان؟
أديس أبابا: ضياء الدين بلال
-1-
في الطابق الثاني، بفُندق الشيراتون بأديس أبابا، لا تستطيع أن تعبر دون أن تصطدم، أو تحتكَّ بواقفٍ أمام البوابة المُغلقة.
المكانُ مزدحمٌ بالصحفيِّين والأمنيِّين ورجال الحراسة والمراسم.
في هذا الطابق، وفي إحدى قاعاته الصغرى، سينعقد اجتماعٌ بالغ الأهمية، يضم الرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ماريام ديسالين.
رغم وجود هذا العدد الكبير من الإعلاميين من الدول الثلاث، لا تجد حديثاً مُشتركاً بينهم، فكُلُّ إعلاميِّي دولة يتحدَّثون إلى بعضهم ولا يتواصلون مع الآخرين، أجواء من الجدية الحازمة والتوتُّر الحذر تُسيطر على الجميع.
لن تُصادفك ابتسامةٌ عابرةٌ للزحام، ولا ضحكةٌ مُفاجئة.
-2-
المشهد يبدو أكثر توتُّراً وقلقاً على صعيد رجال حراسة الرؤساء، ولا تزال هناك بقايا من الاشتباك الذي وقع أمس في بيت الضيافة السوداني، عند زيارة الرئيس السيسي للرئيس البشير في مقرِّ إقامته.
ما حدث في بيت الضيافة بين الحرس، وكاد أن يخرج عن السيطرة، ربما هو ردُّ فعلٍ لحدثٍ مُشابه، وقع بين الحرس في زيارة الرئيس البشير إلى القاهرة، حينما طلب الجانبُ المصريُّ من حرس البشير تسليم أسلحتهم، فكان الرفض سيِّد الموقف.
الإجراءات الأمنية الإثيوبية في الفندق، كانت على أعلى درجات الحزم والتشدُّد.
-3-
حضر الرئيس السيسي إلى الشيراتون قبل الرئيس البشير، واجتمع مع ديسالين في القاعة الصغرى، وكانت الضحكات الخافتة تعبر للسامعين.
بعد نصف ساعة وأكثر قليلاً، حضر الرئيس البشير ووفده المُرافق، وصعدوا إلى الطابق الثاني.
بدَتْ الجلسة الثلاثية عاكسةً لواقع العلاقة، البشير والسيسي وجهاً لوجه، وديسالين يجلس بينهما على مساحة مُتساوية.
ربَّما تَغيَّر الوضع قليلاً، ما حدث بين السودان ومصر من تصعيد في الفترة الماضية، نقل إثيوبيا إلى نقطة أقرب للوسيط، وهي النقطة التي كان يقف فيها السودان ما قبل التوتُّرات الأخيرة.
-4-
ذلك كان على المستوى المعنوي، أما في واقع العلاقة والمواقف، فالسودان وإثيوبيا مواقفها من سد النهضة أقرب إلى التطابق، وهذا ما كشفت عنه حيثيات تعليقهما على التقرير الاستهلالي الذي قدَّمته الشركة الفرنسية، ورأى فيه السودان وإثيوبيا تجاوزاً للمرجعيات المُتَّفق عليها.
-5-
تقرير الشركة الفرنسية، هو الذي فجَّر الموقف، حين شمل بعض الإضافات في نطاق الأعمال التي لم تُذكر في العقد أو التقرير الفني المُعدَّل، ولم يتضمَّن ملاحظات الدول التي أصبحت جزءاً من العقد.
كما أن التقرير اقترح بعض الطرق لتنفيذ دراسات لم تُجَزْ بواسطة الدول الثلاث.
نهاية الأمر، السودان وإثيوبيا، رَأَيَا في التقرير انحيازاً لما تطلبه مصر، ولم يكن مُضمَّناً في العقد.
كما أن هناك نقاطاً تمَّ ذكرها بواسطة المستشار الفرنسي، كان موقف السودان وإثيوبيا منها أنها تحتاج لتوضيح، حتى تتَّفق الدُّولُ الثلاث على فهمٍ مُشتركٍ مع المُستشار.
نقطة الخلاف الجوهرية، والمسكوت عنها، والتي أوقفت حمار المفاوضات الفنية في العقبة. مصر تُصرُّ على أن يكون الوضع الراهن هو أساس الدراسات التي تُجريها الشركة الفرنسية، وذلك يُمكِّن مصر من استغلال 60 مليار متر مُكعَّب في العام، وغير الرسمي 56 مليار مترٍ مكعب، إذ تعتقد أن الرجوع لاتفاقية 1959، سوف يحرمها من المليارات العشرة الإضافية، مُتبقِّي حق السودان في مياه النيل، وفق اتفاقية 1959.
حينما وجدت مصر أن المُفاوض السوداني واعٍ بحقوقه، ومُتمسِّكٌ بها، وأنه يجد في ذلك دعماً من المُفاوض الإثيوبي، قرَّرَتْ تعطيل المُفاوضات وبداية التصعيد على المستويات كافة، مع السودان أوَّلاً ثم إثيوبيا.
-6-
في هذه الأجواء المُتوتِّرة، توقَّفَتْ أعمال اللجنة الفنية، بعد تقرير المُستشار ومُلاحظات الخرطوم وأديس ورفض القاهرة، وهزيمة مُقترحي التفاوض الثنائي المصري الإثيوبي، وإبعاد السودان وإدخال البنك الدولي طرفاً رابعاً مُرجَّحاً، وبحث مصر عن أوراق ضغط أكثر غلظةً في التعامل مع السودان لتليين مواقفه أو زحزحة مقعده بعيداً عن الطاولة؛ في هذه الأجواء تمَّ اللقاء الثلاثي الذي استمرَّ لساعة وربع الساعة.
في القاعة المُجاورة للقاعة الصغرى، التي جمعت اللقاء الثلاثي، كان الوزراء ورجال المخابرات في الدول الثلاث جالسين وظهورهم على الحوائط البيضاء. الوفد السوداني في مقابلة الوفد المصري، وعلى الحائط الغربي يجلس الوفد الإثيوبي بين الوفدين.
لا حديث مشترك، غندور يُمازح شكري بجملة عابرة للصفوف، والأخير يبدو عليه الضيق وعدم الارتياح، وقابَلَ المزحة بفتورٍ شارد.
-7-
انتهى لقاء الأبواب المُغلقة الثلاثي الأضلاع، وخرج الرؤساء الثلاثة، الملامح محايدة، لا تدعو للتفاؤل ولا تشي بالإحباط.
انتقل الرؤساء الثلاثة إلى القاعة الأُخرى للاجتماع بالوزراء، التُقطت الصُّور، وقبل أن يبدأ ديسالين في الشرح، كان رجال الأمن الإثيوبي يُخرِجُون الصحفيين من القاعة. الصحفيون، تثاقلت خطاهم لالتقاط أيِّ عباراتٍ تكشف ما حدث أو تشير إليه.
استمرَّ اجتماع الرؤساء مع وفودهم لنصف ساعة، وحينما خرجوا من الاجتماع حاصرتهم المايكات وكاميرات التصوير. ربما باتفاق أو دون ذلك، رفع الرؤساء أياديهم متشابكة إلى أعلى، مُعيدين ذات المشهد الذي حدث قبل ثلاث سنوات بقاعة الصداقة في الخرطوم.
بادر السيسي بالحديث، مُبشِّراً بالاتفاق والتفاهم، مُعلِناً وحدة المصالح والمصير، حينها شقَّ صوتُ صحفيٍّ الزحام قائلاً: هل انتهت الأزمة؟
جاءت الإجابة بالتزامن من البشير والسيسي وباقتضاب: لم تكن هنالك أزمة في الأساس.
-8-
في مقرِّ الاتحاد الإفريقي، كان بروف إبراهيم غندور وزير الخارجية، يكشف تفاصيل بعض ما دار داخل القاعات المُغلقة. قال غندور إن الرؤساء اتفقوا على تجاوز الخلافات القائمة، وقرَّروا تشكيل لجنةٍ سياسيةٍ عاجلة، تضمُّ وزارات الخارجية والريِّ ومديري أجهزة المخابرات، لوضع خارطة طريق لإيجاد حلول للخلافات خلال شهر، وتُرفع توصياتها للرؤساء الثلاثة، على أن تُواصل اللجنة الفنية عملها.
وكشف غندور عن اتفاق المُجتمعين، على الإسراع في تفعيل مشروع الصندوق الاقتصادي المُشترك، لدعم مشاريع اقتصادية تربط بين الدول الثلاث.
-أخيراً-
رغم ما قِيل، وتمَّ الاتفاق عليه، ونفيِ وجود أزمة، وتكرار مشهد تشابك الأيادي؛ إلا أن الخوف من شياطين التفاصيل لا يزال يُخيِّم على الأجواء، ويُشكِّكُ في انقشاع سحب الظنون السيئة.
وفي النصف الثاني من الكوب، ربَّما ما حدث في بيت الضيافة السوداني، في اللقاء الثنائي (البشير والسيسي)، وفي الطابق الثاني بفندق شيراتون في اللقاء الثلاثي (البشير والسيسي وديسالين)؛ ربَّما يُسهم في إيقاف التصعيد، ويحدُّ من تدهور العلاقات، ويُجفِّفُ برك توالد ناموس الوساوس.
أديس أبابا: ضياء الدين بلال