“سائلين عليك الناس” حماية المستهلك.. سر الغياب وقت الحاجة
مراقبون: لا يوجد مبرر لصمتها مقابل صرخات المستهلك
مواطنون يشتكون من إغلاق أرقام هواتف تلقي البلاغات
مسؤول بالجمعية: زيادة الأسعار غير مبررة وغير أخلاقية
اقتصادي: النشاط تعرض لصعوبة وإكراه حدّت من فاعليته
الدائرة الاقتصادية: نقف مكتوفي الأيدي ولا توجد سلطات تمكننا من القيام بأي فعل
قانوني: القانون موجود لكنه يواجه إشكالية كبيرة ويجب الإسراع بإجازته
عند ظهور أي أزمة اقتصادية تمس المواطن .. تتوجه الأنظار نحو الجمعية السودانية لحماية المستهلك.. لعكس رؤى ونظرة الواقفين على أمرها حيال القضية المعنية.. والآن ومع ظهور أزمة الغلاء الطاحنة التي ضربت الأسواق، هناك استفهامات عديدة طرحت من قبل الكثيرين تتعلق بأسباب الغياب التام للجمعية عن الساحة.. أرجعه البعض إلى مشاكل تواجه النشاط الخاص بها، والبعض الآخر لا يرى وجود مبرر للغياب، فيما قال آخرون أن المسؤولين بها انصرفوا عن قضايا المستهلك لتحقيق مصالحهم الخاصة..
(الصيحة) قررت البحث عن أسباب هذا الصمت مقابل صرخات المستهلك .
لمحة من الماضي
بداية تجدر الإشارة إلى نشأة الجمعية في العام (1996م) كأول جسم طوعي في الوطن العربي، وكان الهدف من قيامها تبصير المستهلك بالقضايا التي يجهلها والكشف عن المستور وجوانب القصور والممارسات السالبة التي تنعكس على الحياة المعيشية والصحية والتعليمية وغيرها، ولقد تبنت أدواراً في قيام الاجتماعات والمشاركة في الندوات وورش العمل التي تنظمها أجهزة الدولة المختلفة، وبعد قيام أول ملتقى لها بتاريخ (2 يونيو/2010م) والذي جاء تحت عنوان (حماية المستهلك) بدأت تنشط في جانب الدفاع عن حقوق الذي يجهل حقوقه وواجباته الاستهلاكية، ولا يدري ماهية الجهة التي تحميه وتضمن له سلعاً صالحة الاستخدام، وتقيه تبعات الفساد الذي تفشى في كافة المجالات.
إيقاف النشاط
وجاء الملتقى كنشاط تمارسه من داخل موقعها ليضيف الكثير من الإيجابيات ويكشف عن السلبيات، حيث توسعت معه نسبة المشاركة من أجهزة الدولة الأخرى كالمواصفات والمقاييس، ووزارة المالية، والشرطة والجمارك، ونيابة حماية المستهلك وغيرها من الأجهزة، وتمكنت الجمعية عبره من تغيير الكثير من القرارات التي تصدرها الحكومة من خلال الطرق المستمر على قضايا التلاعب بالأسعار والتجارة غير المشروعة، كما تمكنت من خلق نقاش مفتوح وإدارة حوار صحفي شامل حول كل القضايا التي تهم المستهلك، وظل المنتدى يعمل بصورة راتبة كل سبت دون انقطاع، ولقد التف حوله عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين والمهتمين بالمجال، واستمر المنتدى في الطرح الجرئي للقضايا ويقاتل أعضاؤه والمشاركون فيه من أجل المستهلك، ومع غياب هذا النشاط بتاريخ الإثنين الموافق (25 / مايو/ 2015م) على إثر تنفيذ قرار قضى باعتقال دكتور ياسر ميرغني الأمين العام للجمعية ومعه الناشطة نسرين مصطفى، والذي على إثره تمت مصادرة ممتلكات الجمعية من قبل جهاز الأمن الوطني، توقف المنتدى الذي يمثل أهم أنشطة الجمعية.
خارج التغطية
وبحسب خبراء ومتابعين لأنشطة الجمعية، أن إيقاف المنتدى والمشاكل التي واجهت الأعضاء ساهمت في تقليص أدوارها، لكنهم قالوا إن ذلك لا يمنع ظهورها مجدداً للكشف عن حقيقة من وراء أزمة الأسعار الحالية، واشتكى عدد من المواطنين من إغلاق أرقام الهواتف التي خصصتها الجمعية لتلقي البلاغات، وأكد عدد من الصحفيين أن غيابها عن الساحة له أثره الواضح، ووفقاً لحديث الصحفية (حفية نور الدائم) من جريدة إيلاف الاقتصادية، أن كل القضايا التي تناولتها الجمعية كانت تصب في مصلحة المواطن والاقتصاد الوطني وأمن الدولة التي تمكنت من إغلاق أفواه الناشطين وتخويفهم، ولا ترى وجودا مبرراً يؤدي إلى ابتعادها عن الساحة خاصة في ظل هذا الوقت الذي يناديها فيه الجميع، وناشدت المسؤولين بأفرع الجمعية بالعودة وأداء الدور القوي والمؤثر الذي عرفت به.
صعوبات قاتلة
ولم يخفِ المهندس (أحمد صلاح) الخبير في مجال المستهلك دور الجمعية في طرح العديد من القضايا ومناقشة مشاكل المستهلك، والتي كان لها أثرها وأتت أكلها وجعلت المستهلك يسعى للدفاع عن حقوقه، وانتشرت وسط المواطنين ثقافة حماية أنفسهم عبر الإبلاغ عن كل ما يضر بهم، واعتبر أنها مغيبة حيال الأزمة الحالية بفعل فاعل، ويقول دكتور (فتحي عبد العظيم) أستاذ الاقتصاد بواحدة من الجامعات المحلية، مهما كانت أهمية المساهمات والأدوار التي تقوم بها الجمعية، فإنها تعرضت لبعض الصعوبات والإكراهات التي حدت من فعاليتها، والمتمثلة في مراقبة وسيطرة الأجهزة الأمنية على أنشطتها وهو ما حدث للمنتدى، وأكد اهمية أدوارها في التوعية والدفاع عن مصالح المواطنين وفضح جميع أشكال التحايل والتضليل والشروط التعسفية التي تؤدي إلى اختلال التوازن بين الموارد والمنتج والمستهلك.
قصور واضح
عرف السودان نشأة العديد من الأجهزة التي تهتم بحماية وتوجيه المستهلك، وإن كانت ممارسة هذا الدور تتم من خلال مجموعة من الأشكال التي تختلف بحسب الزمان والمكان ونوعية المواضيع، ولكن الواضح أن الجمعية الوحيدة التي كانت تدافع عن حقوق المواطن بالرغم من وجود أجهزة أخرى حكومية معنية بذات الجانب كما يقول الناشط في مجال حقوق الإنسان (إبراهيم الخير) والذي يرى أن الجمعية منحت دوراً أساسياً مارسته إلى جانب باقي الهيئات المسؤولة عن حماية المستهلك ومراقبة السوق الاقتصادي، لكنها كبلت بقيود حديدية ولا أمل في عودتها، بالتالي فإن ما تقوم به الأجسام الأخرى التي منحت أيضاً هذه الصلاحيات لا يمكنها أن تؤتي ثمارها ونتائجها ما لم تفعل على أرض الواقع من خلال ترجمة النصوص إلى مبادرات ملموسة من أجل التحسيس والإعلام، وتمثيل المستهلك والدفاع عن حقوقه الاقتصادية وتأمين سلامته الصحية والمادية من كل الأفعال المخلة بقواعد السوق والتنافس الشريف.
بدون حيلة
ويقول الأستاذ (حسين القوني) رئيس اللجنة الاقتصادية بالجمعية السودانية لحماية المستهلك، إن الجمعية عبارة عن منظمة مجتمع مدني وليس لدى أعضائها سلطات حالياً لتنفيذ أي شيء، وإن دورهم في هذه المرحلة ينحصر في تثقيف وتوضيح الحقوق والتزامات وواجبات المواطن، ولكن من ناحية قانونبة ليست هناك سلطات تمنح الجمعية فرص القيام بأي إجراء قانوني، وإشار إلى أن قانون التجارة وحماية المستهلك في ولاية الخرطوم لعام (2012م) لم يمنح الجمعية سلطة التحرك والمساهمة في تقديم خدمات للمستهلك أكثر من التثقيف والتنوير، والاتصال بجهات الاختصاص للمساعدة في حلول ما يمكن معالجته من مشاكل، بالإضافة إلى مشاركة الجمعية في بعض اللجان والفاعليات لتوصيل صوت المستهلك فقط، وأنه بالتعاون مع جهات أخرى طالبوا بوضع قانون قومي لحماية المستهلك والتجارة، لكنه ظل لفترة طويلة بين مجلس الوزراء والبرلمان ولم ير النور حتى الآن، بالتالي فإن الجمعية مكتوفة الأيدي في مثل هذه الظروف ولا قدرة لها لعمل أي شيء يرضي الطموح.
زيادات غير مبررة
وقال إن الزيادات التي طرأت على الأسعار مؤخراً غير مرضية ولا يوجد مبرر اقتصادي أو أخلاقي يجيزها، وهناك ممارسات لبعض رجال الأعمال بعيدة كل البعد عن الدين والأخلاق والمهنية التجارية، وناشد جهات الاختصاص بعمل رقابة على الأسواق، والإسراع في تنفيذ القرار الذي صدر مؤخراً والمتعلق بإنشاء شرطة لتفتيش الأسواق، مؤكداً انتظارهم لإنزال القرار مجهول التنفيذ أرض الواقع، متسائلاً متى سينعم المواطن بحماية الدولة من رجال الأعمال والتجار الذين تفتقد قلوبهم الرحمة ويسلطون سيوفهم وأطماعهم على رقاب الضعفاء والمساكين، خاصة مع ارتفاع الأسعار المستمر في ظل ضعف دخول المواطنين ومحدودية رواتب الموظفين، وهناك من يعيشون دون خط الفقر، وأطلق صرخة في إذن جهات الاختصاص بأن تعطي المستهلك وحقوقه المزيد من الاهتمام، مع تطبيق القانون وإجازة قانون التجارة وحماية المستهلك القومي حتى ينعم المواطن في الولايات كافة بحماية القانون، أسوة بالدول التي تحمي المستهلك، وأكد أهمية هذا القانون لمسيرة الجمعية.
مستقبل مجهول
لقد تبين لنا من خلال الحديث السابق أن المنظومة القانونية في مجال حماية المستهلك هي التي تأتي بمجموعة التدابير التي ترمي إلى تعزيز الحقوق الأساسية وأن هناك قانوناً إذا لم تتم إجازته سوف يقضي على دور الجمعية في الدفاع عن المستهلك السوداني بالكامل، وكما يقول دكتور (المنصوري عز الدين منصور) مسؤول الإدارة القانونية بالجمعية، هناك قانون اتحادي قامت الجمعية بتكوينه بواسطة لجان متختصة، ولكن تم إيقافه في المجلس الوطني نسبة لعدم اكتمال الدورة المستندية له، وبذلك تمت إعادته لمجلس الوزراء الذي طلب بعض التعديلات في شكله الإطاري، وأن عدم التوافق والصراعات بين المجلسين، ساهم في تعطيل القانون، ووفقاً لطلب من وزير دولة بمجلس الوزراء لم يسمه، كونت لجنة قانونية مختصة مشتركة من (المجلس ـ والجمعية ـ وهيئة المواصفات والمقاييس) لتداول نصوص القانون.
عمليات تنقيح
وبعد صدور توجيه من النائب الأول لرئيس الجمهورية الفريق (بكري حسن صالح) الذي طالب بإسراع القانون، خضع مرة أخرى لتعديل كامل وتمت مراجعة كل نصوصه، ورفعت مذكرة تفسيرية من قبل اللجنة لمجلس الوزراء كما ذكر (المنصوري) الذي أضاف قائلاً: تم إيداع القانون منضدة وزير التجارة الأسبوع الماضي ليطالب بضمه إلى القوانين الثمانية الخاصة بالتجارة التي طلبتها إدارة التشريع بوزارة العدل مؤخراً لتنقيحها لمواكبة التطورات الأخيرة ومخرجات الحوار الوطني ومن ثم إجازتها، الأمر الذي يمكن الجمعية من فعل الكثير، لكنها في الوقت الراهن لا قدرة لها لتقديم أي مساعدة للمستهلك سوى التثقيف.
ملامح القانون
وحسب ما أشار إليه (المنصوري) أن أهم ملامح وسمات القانون أن يكون فيه جهاز كمظلة تحمي المستهلك من كافة الجهات، وأن يكون رادعاً يحمي الجميع المنتج والمستهلك، ويعتبر قانوناً ممتازاً حتى مجلس الوزراء لم يقم بشطب أي حرف منه، وحالياً الإشكال في تبعيته هل سيكون لمجلس الوزراء أم لجهاز آخر؟ ومن سيدعمه ومن الذي يقوم بالتعيين؟ خاصة أنه جهاز حكومي، وهو سيكون أداة رقابية فاعلة، بعد أن تمت فيه إضافة عقوبات رادعة في ظل أن العقوبات في القوانين الحالية ضعيفة ولا تردع السماسرة والتجار المتلاعبين.
جهود سابقة
وتجدر الإشارة إلى أن الجمعية ناقشت من خلال المنتدى الذي كانت تنظمه حوالي (240) قضية في (240) أسبوعاً وبصورة مستمرة كل سبت، بما في ذلك السبت الأسود وهو سبت انفصال السودان، حيث نظمت الجمعية ملتقى بعنوان (العطالة حلول علمية) وذلك بتاريخ (9يونيو 2011م)، كما ناقشت مشاكل التعليم والمناهج، والتقويم والرسوم والزي المدرسي، والتعليم الخاص والأجنبي.. وتمثلت أبرز المقترحات التي لم تنفذ في مجال التعليم في عودة المرحلة المتوسطة من خلال ضغط كل المجتمع لإرجاع السلم التعليمي، كما ناقشت مشاكل الكهرباء والمياه ودمج الفاتورة، وقد ذكر في المنتدى أن المياه حق وليس سلعة، وأن الكهرباء غالية جدًا مقارنة مع مستوى دخل المواطن ومع مقارنتها بدول الجوار، وتم رفض رفع الدعم سابقاً وأن يكون الدعم فقط في الـ(200) كيلو الأولى، وكان رفضاً مبرراً شارك فيه حتى أئمة المساجد والصحف، وتراجع الوزير أسامة عن زيادة أسعار الكهرباء.
قانون ولائي
وأيضاً ناقش الملتقى سلامة الأغذية وأغذية المدارس وسلامة اللحوم والألبان وأغذية الشوارع وتقليل السكر، وتمثلت مطالبة المشاركين في هذا المنتدى بضرورة قيام جسم مركزي سيادي موحد للرقابة الغذائية لسلامة ومراقبة الأغذية، إضافة لما سبق ذكره ناقش المنتدى مشاكل البيئة والتصحر والتشجير والجفاف وأهمية الغابات وكل قضايا المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية في العاصمة، وأيضاً قضايا الصحة والدواء، وخصصت عدة ملتقيات لمناقشة قضايا المعامل والتمريض والكوادر المساعدة، وقضايا نواب الاختصاصيين والأطباء، ودعم الصناعة الوطنية للأدوية والكشف عن بعض الممارسات الخاطئة للترويج الأخلاقي للأدوية وضعف تسجيلها وتخزينها، وانعدام الأدوية المنقذة للحياة والدواء المجاني، إلى جانب الأخطاء الطبية والتعليم الطبي وهجرة الكوادر الطبية وبيئة العمل بالمستشفيات وتبعية المجلس الطبي السوداني ومجلس التخصصات الطبية وغيرها من القضايا الصحية والدوائية، كما ناقش أهمية وجود قانون قومي لحماية المستهلك، وذلك بعد أن تمت إجازة قانون ولائي لتنظيم التجارة وحماية المستهلك في عام (2012م).
الخرطوم: إنتصار فضل الله
صحيفة الصيحة