دعا الناس (المتضايقين) في المدينة للرجوع إلى الريف.. وزير الاسثمار.. رجل (المدينة) الفاضل

تحتاج تصريحات نائب رئيس الوزراء القومي، وزير الاستثمار، مبارك الفاضل، السابقة إلى وقفة متأنية. وتحتاج تصريحاته الآنية إلى مبحث منفصل. أما بشأن تصريحاته المستقبلية فنحن في حاجة إلى وضع شروحات لمبحثنا الذي قلنا به ابتداءً.

وغير هياب لما يمكن أن يلحق بجلبابه الأبيض من لطخات سود، قضى المهدي على كل أمل في أن تراجع الدولة سياساتها الاقتصادية الأخيرة وقادت إلى زيادة كبيرة في أسعار السلع والخدمات، فقال للصحافيين كما تسلحنا بأكتوبر لم نرجع شبراً : (الحكومة لن تتراجع عن الموازنة ولو سطراً).

ويمكن في أي غاشية لمواقع التواصل الاجتماعية، أن تعرف حجم السخط الذي ينتاب الشارع فقط بالاطلاع على المكتوب من ردود الفعل للفيديو وحديثه أو لصورة الصحف لذات الخبر.

قديم متجدد

بعد أمة من تصريح مثير للجدل وتمت نسبته لوالي الخرطوم السابق عبد الرحمن الخضر، ادّكر الفاضل ذات المباني والمعاني فقال للزميلة (الرأي العام) في عددها الصادر يوم أمس (الأربعاء)، (الناس المتضايقين من ارتفاع تكاليف المعيشة في المدينة من الأفضل لهم الرجوع للريف).

وإن كان الخضر سارع بنفي التصريح المنسوب إليه فإن الفاضل لا يتوقع أن يتنكب ذات الدرب، فهو يغرس خنجره في الصدر (واللعنة على من يصرخ).

مسارات

تصريحات المسؤولين عن الريف والحضر في السودان ذات مسارات عديدة. خبراء الاقتصاد والزراعة مع العودة إلى الأرياف باعتبارها مناطق الإنتاج البكرة. وأساتذة الاجتماع يركزون بحوثهم على أسباب هجرة الناس من الأرياف للمدن. أما الساسة فلا يتورعون عن الشكوى من تكدس أهالي الريف في قلب مدنهم دون اتفاقات للحريات الأربع.

وفي محاولة لصف تصريح الفاضل ووصفته لـ(المتضايقين) من حياة المدن بالتوجه (ريفاً)، نظن أن المقصود هو عودتهم إلى مناطق الإنتاج وليس المقصد إخلاءهم للمدن، وإن كانت المسألة تحتمل عكس ذلك تماماً.

يقول الباحث الاقتصادي من جامعة النيلين، أحمد خيري، إن تصريحات الفاضل من زاوية العودة إلى الإنتاج جيدة، ولكنها من ناحية الواقع فليست جدية بالمرة.

ويؤشر خيري إلى أن السكن في الريف هو أمنية في العالم المتقدم، بينما في السودان فإن كل الأمنيات مركوزة على امتلاك أرض في عواصم الولايات الكبيرة لاسيما الخرطوم، وذلك للفرار من الواقع المتردي في القرى.

قائلاً لـ(الصيحة) إن الفاضل على توزيره تعترضه عقبات كبيرة في ملف الاستثمار بالولايات، فكيف ذلك قياساً بمواطن ريفي بسيط تعترضه مشكلات لا تعد ولا تحد أرغمته على الهجرة للمدن علّه يجد مراغماً وسعة، أو ليجد – فقط – الخدمات.

وختم خيري أحاديثه بأن العودة إلى الريف تحتاج إلى شغل كبير، وتهيئة، وبذل لكافة الخدمات، وإلا فإنه ستكون (اخرجوا من مدينتنا).

تحليلات

إذاً ما الذي يرغم حفيد المهدي إلى هكذا تصريحات، كان في المقدور كتمانها ولو كانت قناعات.

يصف المحلل السياسي، محمد نورين، مبارك الفاضل، بأنه رجل (براغماتي) ويظهر ذلك حيثما حلّ ونزل. وذكرنا بالاتهامات التي ما تزال تطاله من كونه سبباً في ضرب مصنع الشفاء بواسطة (التوماهوك) قبل أن يتحول لنصير لذات الحكومة التي كان يعارضها.

ولا تنتهي مقارنات نورين لـ(الصيحة) عند هذا الحد، وتتخطاها إلى التحول الكبير في مواقف الفاضل من ابن عمه الصادق المهدي من التأييد إلى الإدانات.

وبناء على ذلك يذهب إلى أن الفاضل يملك قدرة كبيرة على التماهي مع جميع البيئات التي يدخلها بمحض إرادته، ثم ما يلبث أن يكون شديد الشراسة في المدافعة والخصومة كذلك.

مؤكداً أن دفاع الفاضل الشديد عن موازنة يقر حزب المؤتمر الوطني الحاكم ذاته بقسوتها، يقدم دليلاً على أن الرجل حينما يتحيز لفئة فإنه سيكون من الأنصار، حتى ولو كان ذلك مع حكومة لطالما أظهر لها العداء.

رجل المدينة

يتوقع أن يجابه حديث مبارك الفاضل عن (الرجعة للريف القديم) بذات ما لقيه إبان أطروحته المثيرة للجدل عن التطبيع مع إسرائيل، مع ردة فعل مماثلة تؤكد أنه حين يقول تصريحاً فهو على استعداد لأن يمضي به حتى آخر الشوط، ومن دون تقديم أية اعتذارات لكائن من كان.

إذاً، وبخصوص تصريحه الأخير، لو امتلك مبارك صلاحيات، فسيكون رجل (المدينة الفاضل).

الصيحة.