السودان بوابة افريقيا وجنة العرب المضيعة
بعيدا عن التنازعات الوقتية الزائلة حتما بين الاشقاء يجب الالتفات الى السودان باهتمام وان لا يترك نهبا للأطماع الصهيونية والغربية فيضيع منا كما ضاعت منا اقطار عزيزة غالية، فهناك على بوابة القرن الافريقي يقف السودان مجاورا سبع دول افريقية يتداخل العربي فيها بالإفريقي مما يعطي للموقع حساسية خاصة بمساحة تقترب من مليوني كيلومتر مربع وبسكان يزيدون عن 35 مليون نسمة وبموارد طبيعية بكر لم تمتد اليها يد الإنسان، وهي سلة غذاء العرب في معركة الصراع على الغذاء القادمة ويمتد على البحر الاحمر مشكِّلا معبرا وحيدا لدول مغلقة في اعماق افريقيا.
في تناول ملف هذا البلد نكتشف عدة قضايا تلقي بضوئها على واقعنا العربي والاسلامي، أولها: ان هذا البلد الذي يكاد يكون مغيبا من وسائل الاعلام ومن الاهتمام السياسي من قبل النظام العربي وليس من حديث عن دور اقليمي يتمتع به من قبل الاعلاميين والمثقفين هو بلد يزخر بأنواع التعدد الاستراتيجي من حيث الثروة والموقع الجيوسياسي.. ثانيها: ان الاهمال المتعمد من قبل الاطراف العربية الاخرى للاهتمام بهذا البلد الاستثناء في عنصريه التوغل في افريقيا والوفرة الكبيرة لعناصر الحياة يعني بوضوح اننا نقع تحت ضغط توجيهات غربية لصرفنا عن امكانياتنا الطبيعية واضطرارنا الى التسول على ابواب الغرب وشركاته في مجالات عديدة على راسها الغذاء لتستمر عملية تبعيتنا للغرب الاستعماري.. ثالثا: ان النزاع السياسي بين الانظمة العربية بشع الى درجة انه يعبر عن الهزال الذي يصيب العقل العربي السياسي المعاصر حيث يكفي ان تختلف وجهة نظر راس النظام هنا مع رأس النظام هناك لتحرم الامة من التكامل والرفاه والسعادة ويستبدل ذلك بالحروب والتآمر على الامن الداخلي للبلد والاستقواء بالاجنبي.
وهنا لابد من الاشارة الى مسألتين الاولى تلك التي تتعلق بالجانب الجيوسياسي والثانية تلك التي تتعلق بجانب المخزون الاستراتيجي للعرب من حيث الغذاء والمياه.. وتكامل هاتين المسألتين يعني أننا نحدد ملامح السودان وملامح قضيته في الحس العربي والمستقبل العربي.
فعلى صعيد كونه مخزونا غذائيا استراتيجيا للعرب يكفي ان نعطي بعض الارقام لعلها كافية ان تصدم عدم مبالاتنا وتركنا لنعم الله التي تجري بيننا دونما تدبر منا او استفادة.. ففي السودان تتنوع اصناف الحيوان ” جمال وابقار واغنام وضأن” ويقدر عددها بـ110 مليون راس تم احصاؤها، وهناك ملايين الابقار التي ترعي بدون احصاء في مراع شاسعة تزيدها الامطار والنيل بفرعيه وروافده العديدة خصبا وحيوية.. كما ان الثروة السمكية التي يوفرها النيل والبحر الاحمر تعتبر ثروة سمكية ضخمة يقدر مخزونها بـ110 الاف طن في العام، وفي السودان تتواجد كميات مذهلة من الذهب والفضة والكروم والزنك واحتياطي كبير من البترول والغاز الطبيعي.. وتوجد الاراضي الشاسعة على مد طول وعرض السودان تصلح للزراعة بارخص التكلفات لتوفر المياه وخصوبة الارض.. فيكفي ان نعرف ان الاراضي الخصبة المسطحة متوفرة المياه تبلغ مساحتها اكثر من 100 مليون هكتار تصلح لإنتاج تنوع مزروعات لا يجتمع لسواها والتي يتربع السكر والزيت على راسها والغابات تغطي 12% من اراضي السودان..
اما الموقع الجيوسياسي فيكفي ان نشير الى ان السودان يتحكم في مفاتيح القرن الافريقي سياسيا وثقافيا، ولقد عاد السودان موئلا لشعوب الاقليم من حيث المعيشة والثقافة بقيام السودان بمهمة رسالية بالتعريف بالإسلام والعربية من خلال معاهده وجامعاته المتخصصة في هذا المجال، ورغم ان الاجهزة الامنية الصهيونية وبدعم فرنسي وامريكي قامت بتحشيد قوى اقليمية وداخلية لتفتيت السودان الا ان الجغرافيا اصرت على اسقاط الدخيل المصطنع وواجهت وحدة السودان الجغرافية الحديثة اهتزازات كادت تعصف به ونحن نرى كل دول المحيط تتآمر عليه بعمل عسكري تخريبي، وتعد القواعد العسكرية للمتمردين على كل حدوده وتقوم بتسريب السلاح للمجموعات المتمردة والتي كانت قوى الانفصال الجنوبي على راسها حيث كانت تتمتع بحضور لدى كل دول الاقليم، وبعد ان فرضوا على السودان خيارا اضطراريا اما ان يتخلى عن جنوبه او يتبعثر الى اكثر من كيان سياسي متناحر ترك الامر لاستفتاء غير علمي وغير صحيح البتة خرج بنتيجة الانفصال الذي اهدى هديته الاولى للكيان الصهيوني بزيارة رئيس جنوب السودان تل ابيب في اول خروج له مؤكدا من خلال تصريحات بثتها شبكات التلفزيون والإعلام انه لولا اسرائيل لما قامت دولة جنوب السودان.. وتعرض السودان بفعل خياراته السياسية وتمسكه بالقضية العربية المركزية فلسطين الى اعتداءات صهيونية امريكية متكررة من خلال قصف مستشفياته ومعامل الادوية وقتل مواطنين ابرياء ومن ثم فرض عقوبات مست كل انواع الحياة في السودان وفرض قوانين دولية تلاحق قياداته وتضعهم على قوائم الانتربول الدولي.. واستمر الضغط لتفجير السودان الى اقليم متناثرة في دارفور وكردفان وسوى ذلك من ولايات..
وهنا لابد من النظر الى التركيبة العجيبة للمخطط الغربي الاستعماري؛ إذ يتم استفزاز الدولة الوطنية من خلال تحريك بعض المتمردين لتنصرف الدولة الى التسليح وتجهيز الجيش مما يستدعي ضرورة توفر امكانيات مادية، وهنا تفرض العقوبات ويصبح الفقر عنوان البلد، مما يزيد الاضطرابات والقلاقل ثم تفرض على البلد صيغ التجزئة..
خاض السودان معركة الوجود وحيدا وهو مهدد بتقسيم بلده الى خمسة اقاليم إن لم يدرك العرب وبالذات المجاورين خطورة ذلك والتي تتمثل في ان اسرائيل ستصبح جارتهم الافريقية، وان التناحر القبلي سيؤدي الى انتشار الارهاب، وان غياب دولة سودانية جامعة مانعة يعني ان بلاد السودان ستصدِّر الارهاب والسلاح كما هو حال ليبيا الآن وأسوأ من ذلك.
امنيا واستراتيجيا يوفر استقرار السودان حصانة عربية استراتيجية للامن القومي العربي لاسيما لمصر وبلاد المغرب العربي، كما انه تمدد للنفوذ العربي في مواجهة النفوذ الصهيوني في افريقيا.. واستراتيجيا يكون استقرار السودان فرصة كبيرة للاستثمار العربي في منطقة هي الاخصب في بلداننا العربية يمكنها ان تغطي كل احتياجاتنا الغذائية وتوفر لنا فرص القرار السياسي المستقلّ غير المرهون بالتبعية الغذائية للغرب الاستعماري.. واستراتيجيا ايضا يمكن النظر الى هذا البلد على اعتبار انه يمثل راس القرن الافريقي وحماية خاصرة العرب الاستراتيجية بالقرب من باب المندب.. وبذلك يكون البحر الاحمر بحيرة عربية بامتياز..
ومن هنا يصبح الحرص على هذا البلد العربي والاستفادة منه بمثابة ركيزة أساسية للأمن الغذائي العربي والأمن الاستراتيجي العربي.. والمسألة تظل رهينة القرار السياسي العربي الذي ينبغي ان يتحرر من الحسابات الضيقة واحيانا الشخصية من اجل رفعة الأمة وتأملها وتوفير غذائها وكسائها ودوائها بتكلفة مقدور عليها..
التنوع في اطار التكامل هو بلا شك فرصتنا للخروج من مازقنا الحضاري، ومن هنا يصبح لكل بلد عربي مهمة ورسالة لعلنا نخرج من ساحة تداعي الأمم علينا يتخطفونا بلدا بلدا في لعبة توزيع النفوذ.. تولانا الله برحمته.
صالح عوض
كلام من ذهب.
وحقائق لاينكرها أحد.
ولكنهم يغضون الطرف عنها
أو ينظرون إليها بطرف خفي
وهم يرون عكس ماتري ياسعادة الكاتب هم يرون أن قوتهم في إضعاف السودان.