رأي ومقالات

ضياء الدين بلال: قروبات الواتساب، صادرت من كثيرين متعة التواصل المباشر الحميم (الونسة والقهقهة)

(احذفني من فضلك)!
-1-
في آخر الليل، قبل أن آوي إلى الفراش، درجت منذ فترة على تصفح صفحتي على (فيسبوك)، لمعرفة ما هو شائع ورائج من أخبار ومواضيع وتعليقات.
وأسجِّلُ زيارة بصرية خاطفة لقروبات الواتساب للاطلاع فقط؛ فليس لي حماس نفسي وطاقة معنوية للنقاشات الدائرية التي لا تُفضي إلى شيء سوى الجدال.
في كُلِّ مرَّة أُسجِّل انسحاباً من مجموعة قروبات غير اختيارية، أجد نفسي مُعاداً إليها مرَّة أُخرى على وجه الإلزام، أو مضافاً إلى قروبات جديدة، دون إخطار.

-2-
لم تترسَّخ بعد ثقافة خاصة، تُنظِّمُ سلوك التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي؛ فمن حقِّ أيِّ فردٍ أن يُستأذَن في القبول أو الرفض، بالانضمام إلى القروب المحدد.
حينما تجد نفسك بسياسة الأمر الواقع في قروب (واتساب) دون إذنك أو موافقتك، تجد خيارين أمامك:
الأول / إما أن تقبل بالأمر على سبيل المُجاملة، فتُهدر الطاقة النفسية والكهربائية للموبايل في تلقِّي رسائل خالية من المتعة والفائدة والذوق والأدب أحياناً.
الثاني/ أو تنسحب من القروب على وجه السرعة، حفاظاً على وقتك وكهرباء بطاريتك، عندها ستلتصق بك بعض الصفات السيئة، مثل الغرور والتكبُّر و(عامل فيها مهم).
-3-
أصبح ما يُنشر في أغلب القروبات مُتشابهاً ومُستنسخاً من قروبات أخرى، حتى الأدعية والمُباركات الموسمية تأتي إليك فاقدةً لحميمية التواصل الشخصي، بلا طعم ولا لون ولا رائحة. أنت واحدٌ من عشرات وربما مئات، أُرسلت إليهم ذات الرسالة المصنوعة، المسحوقة بكثرة التداول.
في مرَّاتٍ كثيرةٍ لا أقوم بفتح تلك الرسائل، التي يكفيك مطلع عنوانها، قد لا أردُّ عليها تكاسلاً، أو ربما أذهب إلى استديو الموبايل بصورة آلية، لاستلاف رسالة أو صورة مصنوعة مثلها؛ فأردُّ بها على التحية الباردة بما هو أبرد منها.
قروبات الواتساب، صادرت من كثيرين متعة التواصل المباشر الحميم (الونسة والقهقهة).
حتى إذا اجتمعت الأسرةُ الواحدة، تجد كُلَّ شخصٍ مُنكبَّاً على شاشة موبايله، منشغلاً بها عن الحاضرين، وغارقاً في إحدى القروبات، معزولاً عن المحيط.
-4-
أحد الأصدقاء الأعزَّاء، لا يمرُّ شهرٌ دون أن يذهب بسيارته إلى العناية الميكانيكية، والسبب تكرار حوادث الاصطدام بأرصفة الشوارع، بسبب عدم التوقف عن التراسل ونقاشات القروبات حتى وهو سائق!
للأسف، أغلب القروبات أظهرت أسوأ ما فينا من سلوكيات وصفات: احتقار الوقت وثقافة العمل، وحب الثرثرة والنميمة، وأكل لحوم الغير، وبث الشائعات، والاحتفاء بتجريم الآخرين.
لذا، من الطبيعيِّ أن تكون شركات الاتصالات في السودان، أنجح مشروعٍ اقتصاديٍّ، وأكبر داعم لخزانة الدولة من الضرائب والرسوم.
حصاد الألسن وثرثرة الأصابع.
-5-

الواتساب أصبح دائرةً مُغلقةً بإحكام. نقطة النهاية هي ذاتها نقطة البداية، المُرسِل هو ذاته المستقبل.

أرسلْ رسالةً تحوي ما هو مثير؛ شتائم لشخص أو سيرة مزيفة أو شائعات محكمة الصياغة.

أرسلها إلى شخص خارج الحدود أو داخلها، أو ضعها خلسة على قروب واتساب، واكتب عليها (منقول)، ستسري سريعاً على الشبكة العنكبوتية لتصل إليك.

-6-
إن كانت هنالك فائدة لتلك القروبات -باستثناء قروبات العمل- فهي معرفة أخبار اجتماعية مُهمَّة: وفيات وأعراس وأنشطة ثقافية وفنية.
صديق آخر، قرَّرَ التخلُّص من تطبيق الواتساب، فأزاله من الموبايل، صحيح أنه وفَّر كثيراً من الوقت وهدأة البال؛ لكنَّه أصبح خارج دائرة تلقِّي المعلومات خاصة الاجتماعية منها.
في كُلِّ مرَّة يُفاجأ بخبر وفاة مضى عليه أسبوع وأكثر، وتُقابَلُ دهشتُه بنظرات الشك والاستهجان، حينما يُبرِّر الغياب بعدم العلم، فالحجة الداحضة لذلك التبرير حاضرة: (كل القروبات نقلت الخبر).
-أخيراً-
دعوة للترشيد:
الانغماس في ثرثرة القروبات مشكلة، وحذف التطبيق مشكلة كذلك، قليل من القروبات لبعض الوقت يكفي (الأسرة وبعض الأصدقاء وزملاء العمل).

ضياء الدين بلال