قصة أهالي سواكن السودانية.. والشاعر الإنجليزي حائز نوبل
ليست سواكن وحدها بطلتها الفريدة على البحر الأحمر من شغل سفراً ضخماً في سجل التاريخ القديم، لكن سكانها من مجموعة البجا لهم أيضاً نصيب بفروسيتهم الباهرة وتقاليدهم القديمة وفتوحاتهم التاريخية مع روح غامرة من الود والمرح تتجسد في سباقات الهجن الموسمية وحبهم للإبل ورقصة السيف الشهيرة.
سواكن التي تنشر “العربية.نت” صوراً لأطلالها الدارسة وسكانها بعدسة المصور السوداني المعروف سلمان المتوكل الذي زارها قبل 15 عاماً، يعمر تاريخها القريب بقصص من الحنين والأغاني الحزينة لسكانها من قبائل البجا، بعد أن تحول عنها مؤشر التاريخ ببناء ميناء بورتسودان عام 1900 بأمر من اللورد كرومر فتقطعت بها السبل وهجرها سكانها ولفها النسيان.
يعرف التاريخ البجا بأنه اسم يطلق على القبائل التي تسكن ما بين ساحل البحر الأحمر ونهر النيل وعلى امتداد الشمال إلى الحدود السودانية المصرية وجنوباً ما بين مصوع وجزيرة دهلك إلى منطقة بركة في داخل الحدود الإرترية ثم الامتداد غرباً إلى الحدود السودانية الإثيوبية وهم من أقدم الشعوب الإفريقية ويعود نسبهم إلى كوش بن حام بن نوح.
وأشار ابن حوقل الذي زار المنطقة إلى أن لهم منذ القدم ممالك متعددة وهم قوم مسالمون وودودون، لكنهم محاربون أشداء ومن قبائلهم البني عامر والبشاريين والحباب والإشراف والهدندوة، لكن عاداتهم وتقاليدهم متشابهة.
ناصرت قبائل البجا القائد المهدوي الشهير “عثمان دقنه” عندما اندلعت ثورة السودانيين ضد الأتراك وأذاقت الجيش التركي الأمرين بهجماتهم المباغتة عبر تسللهم المفاجئ من بين الجبال التي سكنوها وخبروها عبر التاريخ.
ولد عثمان دقنه بمدينة سواكن عام 1843 وناصر القائد السوداني محمد أحمد المهدي في ثورته ضد الأتراك، لقسوتهم في جمع الضرائب وفساد الموظفين وخروجهم عن نصوص الشريعة الإسلامية بحسب منشورات المهدية التي بثتها للقبائل.
بين عامي 1883 و 1888 خاض عثمان دقنه تسانده قبائل البجا أكثر من 15 معركة مع الأتراك والبريطانيين دارت خمس منها بالقرب من سواكن وأسقط جميع الحاميات التركية عدا حامية سواكن التي لم يتمكن دقنه من إسقاطها وضمها للمهدية بسبب وجود الحامية الإنجليزية تدعمها بوارج الأسطول الملكي البريطاني على البحر الأحمر.
خاضت الكتائب الإنجليزية معارك شرسة ضد قبائل البجا من أجل فك الحصار عن الحاميات الرئيسية وطرد عثمان دقنه من شواطئ البحر الأحمر.
شن السير جيرالد غيرهام القائد الإنجليزي الشهير حملة مدججة بالمدافع النارية ونخبة من كتائب الحرس الأسود الأسكتلندي وكتيبة المرتفعات واللانكشير تشكلت في هيئة المربع الإنجليزي الشهير من أجل استعادة كرامة جيش الإمبراطورية البريطانية وتأديب البجا.
وشارك في تلك المعارك الشاعر الإنجليزي الشهير روديارد كبلنج الملقب بشاعر الإمبراطورية والحائز على جائزة نوبل عام 1907 ووصف المعارك الشرسة التي دارت على تخوم سواكن بين جيش مدجج بمدافع الماكسيم النارية وآخر بمدفع واحد غنمه من المعارك وسيوف ورماح وكتب قصيدة يصفها النقاد بواحدة من أجمل القصائد التي وصفت الحرب.
أطلق كبلنج على البجا اسم FUZZY WAZZY أي “ذوو الشعر المجعد” ومدح بسالتهم في كسر تصميم المربع الإنجليزي الحربي.
يقول كبلنج في قصيدة
لقد التحمنا في معارك كثيرة ضد الرجال
كان بعضهم شجاعاً وبعضهم لم يكن كذلك
الألبانيون والزولو والبورميون
بيد أن البجاوي كان أروع الجميع
كان يختبئ بين الأشجار ثم يثب علينا
كان يلعب بقواتنا كما يلعب القط باليمامة
***
لقد أخذنا فرصتنا بين تلال خيير والبوير
دوخونا وهم على بعد ميل
البورميون أذاقونا برودة إيروادي
ابن شيطان الزولو نافسنا
لكن ما لقينا من هؤلاء
كان قطرة مما جرعنا إياه البجاوي
*****
فإليك هذا الإهداء أيها البجاوي
إنك إن خسرت أعداداً أكثر منا
إلا أنك هشمت المربع الإنجليزي
إنه يهجم على الدخان عندما نتوقف
يعمل سيفه في رؤوسنا
قبل أن نعرف الموقف
ثم يصف كبلنح البجا في مقطع آخر معبّر:
إنه رمال محرقة وزنجبيل حار عندما يكون حياً
وإنه يكون مرعباً عندما يكون ميتاً
إنه زهرة الديزي.. إنه جوهرة.. إنه حمل
إنه قطعة من المطاط المهووس بالانطلاق
لا يعطي مثقال ذرة من الاهتمام للمشاة البريطانيين
لذلك فإليك هذه القصيدة في وطنك السودان أيها البجاوي النبيل
×××
ارفع إليك التحية يا “فزي وزي”
وأنت في ديارك هناك في السودان
أنت مع كونك هزيلا وجاهلا
إلا أنك محارب من الطراز الأول
التحية لك بشعر رأسك الخشن الأشعث الهائج
أيها العظيم الأسود المعدم
لأنك حطمت المربع البريطاني
العربية نت