تحقيقات وتقارير

شكاوي المستثمرين في الأوراق المالية لعدم حصولهم على الأرباح أو تأخير سدادها،بينما تستخدم هذه الأموال في دفعيات رواتب الحكومة والنشاط التجاري وعجز الموازنة

تروج وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي من جديد، للاستثمار في (شهادات شهامة)، في محاولة لجذب مدخرات المواطنين، بهدف معلن يرتبط بمحاصرة المضاربات في النقد الأجنبي، وخفض معدلات التضخم، والسيطرة على السيولة، لكن اقتصاديين يحذّرون من تكرار تجارب سابقة عجزت فيها وزارة المالية من سداد عائد أرباح المستثمرين، في حين تبرز مخاوف في أن يتسبب اعتماد أسلوب المضاربة في الأوراق المالية في سد العجز في موازنة الدولة العامة عبر الاستدانة من الجمهور.
وكان بنك السودان المركزي قد عقد صفقة لبيع شهادات شهامة بغية امتصاص السيولة بقيمة تجاوزت الـ130 مليون جنيه، تم بيعها بهدف تحجيم معدل التضخم ومحاصرة المضاربات في النقد الأجنبي، باستخدام الشهادات كأداة مالية لخفض معدل التضخم، إلا أن اقتصاديين يرون ذلك هدفا من الصعب تحقيقه لأنها شهادات تنفق على الصرف الجاري وليس التنموي، مما يضطر الحكومة إلى طباعة اوراق مالية لتسديد المال لحملة الشهادات مما يضعف القوة الشرائية للجنيه السوداني، وأضافوا أن قضية الدين الداخلي وبخاصة (شهادات شهامة) ذات أثر خطير وسالب على الاقتصاد، وكان المراجع العام أوصى بتصفيتها بسبب أضرارها على المال العام.
شهامة وأخواتها؟
شهامة هي أوراق مالية تمتلكها الدولة تمثل أسهم أصولها الاستثمارية وتصدرها وزارة المالية وتحمل قيمة مالية اسمية تحسب بالجنيه السوداني.
وهي عبارة عن صكوك تمثل أسهم أصول استثمارية تمتلكها الدولة في أنجح الوحدات الانتاجية السلعية والخدمية واكثرها ربحية وأفضلها إدارة، وصممت هذه الشهادات وفق احكام الشريعة الإسلامية وتصدرها وزارة المالية والاقتصاد الوطني. وتهدف هذه الشهادات إلى المساهمة في إدارة السيولة وتشجيع الادخار والاستثمار الخاص، بالإضافة إلى تمويل عجز الموازنة العامة من خلال طرحها في مزادات في سوق الخرطوم للأوراق المالية.
وتقوم وزارة المالية والاقتصاد الوطني بشراء أي شهادة من حاملها عند حلول أجلها إذا رغب في ذلك وتسدد المبالغ المستحقة لحامل الشهادة على أساس قيمة صافي حقوقه وفقاً للحسابات الختامية الخاصة بكل وحدة من الشركات والمؤسسات المعنية خلال 45 يوماً من تاريخ استحقاق السداد.
تراجع الأرباح:
يقول مستثمر في (شهامة) فضل حجب اسمه لـ(اليوم التالي)، إنه كمشترك بها يرى أن هناك تراجعا كثيرا في الارباح بسبب أنها لا تأتي في موعدها المحدد، وأضاف أن الإدارة تنتظر حتى تأتي الاشتراكات الجديدة لتقدم لهم كأرباح، وقال لا يهمنا أن تدخل الشهادات في مشاريع تنموية لكن الأهم هو الأرباح لأنها أموال خاصة وليست أموال عامة تستثمرها الدولة في مشروعات قد لا توفر الأرباح، وتساءل عن أسباب تأخير الأرباح، وعزا ذلك إلى السياسة المالية، واكد المستثمر أنهم احيانا ينتظرون أخذ ارباحهم من وزارة المالية.
ويقول مستثمر آخر، شهادات شهامة كانت من أفضل الصكوك الإسلامية في السودان، وأصبحت شهامة الملاذ الأول لكثير من الأسر والجهات الاعتبارية، وبدأت قوية جدا، ولكن نكوص وزارة المالية عن دفع مستحقات المستثمرين هز عرش الشهادة.
ويضيف المستثمر: ما لم تتحرك المالية لإنقاذ الشهادة سوف تنهار الصكوك وسوف تفتقد الحكومة أهم مصادر التمويل الداخلي لسد العحز في الموازنة العامة. ويردف: (الحاجة الخطيرة جدا إذا عزف الناس عن شرائها وبيعها في البورصة سوف تنهار البورصة أيضا، لأنها تمثل 90 % من التداول في الأوراق المالية).
إحجام المودعين:
بحسب الموظف السابق (أ، م) ببنك السودان المركزي، أنه لا يوجد أي أثر إيجابي من شهادات شهامة بل إن الارباح بدأت تتناقص والعائد من الصك سنويا لم يكن كبدايته، ولا يصرف في مواعيد محددة، وقال لـ(اليوم التالي ) إن شهادة شهامة بدأت بـعائد أرباح 30 % للمستثمر وانخفضت إلى 16 %، لأنها لم تواكب التضخم.
ويرى (أ، م) أن شهامة أدت إلى تدهور قيمة الجنيه السوداني والقوة الشرائية، لأنها لم تعد مجزية، رغم ضمانها من البنك المركزي. ويضيف إلا أن البنك نفسه يشتري العملة من السوق لشراء القمح والدواء، ويدعو إلى أن يكون لديه مخزون من النقد ليتكئ عليه في حالة الشح، مما يؤكد الشك في استرجاع قيمتها خاصة إذا كان المبلغ كبيرا، ويشير إلى أن كثيرا من المستثمرين بدأوا في حرث الأرض أو شراء الذهب لحفظ أموالهم.
ويقترح الموظف (أ، م) أنه إذا تم توجيه هذه الشهادات للمشاريع الزراعية سينهض الاقتصاد بالتأكيد والعائد يزيد وينعكس على حياة المواطن سواء في الريف أو الولايات، وكذلك يقلل الهجرة من الريف للمدينة.
ويؤكد الموظف أن بنك السودان شارك كمشتر للشهادات لإنعاش عملية التمويل وتمكين إدارة شهامة لتوسيعها مما يعكس أحجام المودعين، ويدل على احتياج شهامة للدعم نتيجة الضخ المالي، ويرى (أ، م) أن أموالها لا تستثمر في مشاريع إنتاجية ذات عائد وإنما تستخدم عند اختلال الميزانية وسد العجز، وهذا ما جعل بنك السودان يتدخل لإنعاش موقف شهامة المالي.
الديون الداخلية:
كتب عميد الصحافيين السودانيين الأستاذ محجوب محمد صالح حول هذه القضية، محذرا من أن الدين الداخلي لا يقل خطورة عن الدين الخارجي، وأن اهتمام وزارة المالية بسداد الديون الداخلية التي تراكمت على الدولة في المرحلة السابقة، كان من الأسباب التي أدت الى انهيار الكثير من شركات القطاع الخاص وأثرت سلبا على اداء المؤسسة.
وأكد صالح أن الدين الداخلي لا يحظى بالاهتمام الذي توليه الحكومة للدين الخارجي، وأشار إلى أن الدين الداخلي ظل في تزايد مستمر سواء للقطاع الخاص او للبنوك المحلية او لعامة المواطنين عبر شهادات شهامة وغيرها من الشهادات الاستثمارية التي مردودها يتصاعد من عام لعام.
أوجه الصرف:
ويوضح المحلل الاقتصادي، كمال كرار، أن شهامة الآن تنفق على الصرف الجاري وليس التنموي، ويرى أنها عبء على الموازنة والاقتصاد، وان الدولة تضطر إلى طباعة الأوراق المالية كيفما اتفق لتسديد المال لحملة الشهادات، ويرى كرار ان ذلك يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية للجنيه بشكل تلقائي.
ويقول كرار إن ديون شهامة تزداد كل عام.. بسبب اتساع عجز الميزانية والحاجة لبيع أكبر قدر من هذه الشهادات، مما يزداد حجم المال الذي يسدد لأصل الشهادة وأرباحها من الميزانية كل عام، وهو خصم على المال المفترض إنفاقه على التنمية أو الصحة والتعليم، وبهذا المقياس فشهامة تضر الاقتصاد ولا تنفعه.
تصفية الشهادات:
وتساءل كمال في أثناء حديثه لـ(اليوم التالي): من أين تدفع أرباح شهامة وهي التي لا تصرف على مشروعات تنموية؟ ويجبيب هو نفسه: (من خلال معدل التضخم المرتفع الذي تتسبب فيه زيادة الكتلة النقدية بغير ضوابط).
ويشير كمال كرار إلى أن حجم الأموال الخاصة بشهامة 24 مليار جنيه، وهو رقم أقل بكثير من الحقيقة، ومع ذلك فهو يمثل حوالى 30 % من الإيرادات العامة السنوية، مؤكدا أنه إذا قرر كل حملة الشهادات استرداد أموالهم في لحظة واحدة لأفلست الخزينة العامة.
ويقول كمال كرار إن المراجع العام أوصى بتصفية هذه الشهادات بسبب أضرارها على الاقتصاد والمال العام.
ويرى كمال في حديث لـ(ليوم التالي) أن قضية الدين الداخلي وبخاصة شهادات شهامة ذات أثر خطير وسالب على الاقتصاد، وقال إن الدولة تعتبرها مصدرا سهلا لتمويل عجز الموازنة ولا تفكر في تبعاتها من جهة تسديد أصل الشهادة وفوائدها.
مشكلات أخرى:
مدير بنك البركة الرشيد عبد الرحمن، قال لـ(اليوم التالي) إن الشهادة هي أصول لشركات محددة، حيث تقوم الشركات بتوزيع الأرباح للمستثمرين إلا أن الشهادة لم تستثمر في مشاريع استثمارية لتمويل التنمية، وأصبحت وزارة المالية تقوم بإدخالها في الفصل الأول كمرتبات وإدخال سيولتها في صرف استهلاكي لا يرجع مرة أخرى.
وأضاف الرشيد لـ(اليوم التالي) أن عائدات الشهادات تراجعت بسبب إدخال ارباح الشهادات في إصدار شهادات جديدة، مما جعل الارباح تنخفض سنويا، رغم أن إدارتها قامت بجذب المستثمر وإعطائه 30 % إلى أن زادوا حملة الشهادات وأصبح الربح في تضاؤل، وأصبح حجم الإصدار أكثر من التداول.
ويعادل حجم شهادة شهامة أربعة مليارات ونصف دولار (18 ترليون) وحجم التداول يتفاوت حسب العرض في السوق، لأن الأرباح لا تأتي في وقت محدد.
ويقول المصرفي الرشيد إن الشهادة إذا استثمرت في مشاريع تنموية ستنجح حتماً، وأضاف الرشيد أن الشهادات تماثل أي عقار للحفاظ على قيمة المبلغ المعين من المال، وكذلك الدولار له نفس الوظيفة في الوقت الذي كانت فيه أرباحها أعلى من الدولار والآن حدث العكس.
ويؤكد حامد الأمين مدير بنك الرواد سابقاً أن شهادة شهامة ليس لها علاقة بتدهور الجنيه السوداني، لأن تدهور الجنيه مرتبط بضعف الصادرات والتصدير وفقدان صادرات النفط وضعف تحويلات المغتربين وقلة الصادرات.
ويشير الأمين إلى أن شهامة كان يجب توجيهها للإنتاج بدلا من ذهابها لحساب الحكومة الجاري في المرتبات، وأن شهامة من شأنها أن تستثمر في المشاريع الاستثمارية التنموية، لكن يحدث العكس الآن.
وقال إن شهادة شهامة هي مكون لعدد من الشركات (مثل سوداتل، أو شركة خطوط الأنابيب) فبالتالي على الحكومة ابتداع مشاريع جديدة وصكوك أخرى تستثمر في التنمية كشركات التعدين كالذهب أو شركات لتصدير السمسم والصمغ العربي في إنتاج وتصدير الثروة الحيوانية.
وأردف حامد لـ(اليوم التالي) أن هناك صكوكا أخرى موجودة كصكوك الاستثمار الحكومية التي يجب أن يتم تشجيعها للتنمية، فعلى وزارة المالية أن تحسن من شروطها.
وعن تسبب شهامة في ارتفاع نسبة التضخم، يرى حامد أن شهامة ليس لها علاقة بنسبة التضخم، لأنه مرهون بكمية النقد المطبوع، وسعر الصرف، خاصة أن السودان يستورد معظم السلع من الخارج وبعملات أجنبية.
وبين أن شهادات شهامة أرباحها تأتي من الشركات المكونة للشهادة، وبما أن الشركات المكونة لها قد انخفضت أرباحها، فمن الطبيعي أن تتراجع أرباح صكوك شهامة.

اليوم التالي.

تعليق واحد

  1. أرباح الشهادات تأتي من المشتركين الجدد !يعني طاقية ده فوق رأس ده