التجسس على الهواتف النقالة !!
* لم أكن أعلم أن القانون يحاكم على تجسس الازواج (من الجنسين) على الهواتف النقالة لبعضهم البعض، إلا عند قراءتى للخبر الذى نشرته الصحف عن حديث (ماهر عيسى) مستشار المركز القومى للمعلومات بوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، بأنهم تقدموا بمقترح لتخفيض العقوبة على الأزواج الذين يتجسسون على هواتف البعض بالسجن سنة واحدة، بدلاً عن الثلاث سنوات التي حددها القانون لعام 2007م.
* لا اخفى عليكم، فلقد أسعدنى جدا أن القانون السودانى يحمى خصوصية الازواج ويعاقب بالسجن (ثلاث سنوات كاملة) على تجسس بعضهم البعض على هواتفهم النقالة، رغم أننى على يقين أنه من النادر جدا أن تصل مثل هذه الجرائم الى الشرطة دعك من القضاء بسبب الهيمنة الذكورية وخضوع المرأة بشكل كامل للرجل، سواء كان أبا أم زوجا أم أخا، فضلا عن التقاليد السودانية التى ترى فى لجوء الزوجة او الزوج الى القانون عيب أو فضيحة، حتى فى جرائم أكبر بكثير من التجسس على الهواتف، وأعنى بذلك العنف الاسرى التى تتعرض له المرأة فى بلادنا بدون أن تلجأ الى القانون ليحميها ويقتص لها، ولو تجرأت وفعلت ذلك، ستصبح فى نظر الجميع، المتهم وليس الضحية وتقابل بنظرت الإستنكار والاستهجان، ربما من القاضى نفسه الذى يفترض أن يزن الأمور بميزان العدالة وليس التقاليد او العواطف !!
* أسعدنى وجود هذا القانون، لأنه على الأقل يعترف بأن للزوجة (او الزوج) خصوصية يجب أن تُحترم وتُحمى فيما يختص بمحادثاتهما ورسائلهما الهاتفية، وهو موضوع مهم جدا يحتاج الى نقاش طويل، فلقد أفضى دخول خدمة الهاتف السيار الى مشاكل كبيرة جدا بين الأزواج وصلت فى بعض الأحيان الى الطلاق أو حتى القتل، وإذا كان الزوج يستطيع حماية خصوصيته بسلطته الذكورية فإن الزوجة (اوالابنة أو الأخت) فى حاجة لمن يحميها، ولو بقانون لا يجد طريقه الى التنفيذ، فربما يأتى اليوم الذى يشكل وجود هذا القانون حاميا لها من قهر الرجل وتسلطه خوفا على نفسه من العقوبة، وكما يعرف الجميع فإن الهدف الأساسى لأى قانون على وجه الأرض، هو الوقاية من الجريمة أو الفوضى فى المقام الأول، قبل إيقاع العقوبة !!
* وبما أننا فى مجال الحديث عن الخصوصية المتعلقة بالهواتف النقالة، فلا بد أن نتحدث عن الانتهاكات الكبيرة التى تحدث كل يوم بل كل ساعة ودقيقة، من قبل الشرطة لحاملى الهواتف النقالة، فكثيرا جدا ما سمعنا وقرأنا عن كثيرين (من الجنسين) تعرضت هواتفهم النقالة لفحص وتفتيش بواسطة الشرطة بدون إذن (من النيابة أو القضاء)، بل صارت عادة محببة للشرطة أن يوقفوا الشباب فى الاسواق والكافيتريات والحدائق وتفتيش هواتفهم واعتقالهم بدعوى وجود صور أو رسائل مخلة بالآداب ..إلخ، وتقديمهم للمحاكمة وجلدهم أو تغريمهم، فى انتهاك واضح للقانون الذى يعتبر الهواتف النقالة مثل المنازل والأماكن الخاصة التى يجب ألا تتعرض لانتهاك الخصوصية والتفتيش إلا بإذن من النيابة أو القضاء!!
* والغريب أن القاضى الذى يفترض ان يكون مُلماً بالقانون ويطبقه بشكل صحيح، ويحمى المتهم من انتهاك الشرطة لحقوقه، ويشطب الاتهام فى مواجهته لعدم سلامة الاجراءات، وينبه الشرطة للإلتزام بالقانون، فإنه فى كثير من الأحيان يحاكم (المتهم) ويعاقبه رغم انتهاك الشرطة للاجراءات القانونية الصحيحة، وبدون أي ذنب ارتكبه، سوى أن شخصا ارسل اليه صورة أو رسالة لم يكن يعلم بوجودها عند فحص الشرطة لجهازه!!
* إذا افترضنا أن بعض افراد الشرطة غير ملمين بالقانون، أو يتصرفون بالمزاج أو السلطة التى فى ايديهم فى دولة يحكمها نظام فاسد عنوانه (قهر الشعب)، فما بال القضاة الذين يسايرون الشرطة فى افعالها، وينتهكون حقوق المواطنين ويسيئون لمهنة القضاء؟!
* لقد كان الأجدر بوزارة الاتصالات أن تلفت النظر الى الانتهاك الشديد والمستمر لخصوصية المواطنين بتعرض هواتفهم النقالة للتجسس والفحص بواسطة جهاز الشرطة وبقية الأجهزة الرسمية، بدون إذن قضائى، بدلا من المطالبة بتخفيض عقوبة جريمة التجسس على هذه الأجهزة !!
مناظير – زهير السراج
صحيفة الجريدة