جعفر عباس

الواجب الذي ليس هو بـ(واجب)

لا أشعر بأي تأنيب ضمير، وأنا أردد للمرة التاسعة بعد الألف أنني كنت أكره المدرسة، ولا أشعر بأي حنين إلى الفترة التي كنت فيها تلميذا. وكرهت بالتحديد المدرسة الابتدائية والمتوسطة، والثانوية إلى حد ما، وكان ذلك لأن المعلمين كانوا يرفعون شعار )الضرب ينفعهم والعلم يرفعهم(، وكان أولياء الأمور يقولون للمعلمين: لكم اللحم ولنا العظم، وكانت هذه رخصة للمعلمين ليسلخوا جلودنا بالسياط والكرابيج وعصي الخيزران، وقضى معظم أبناء جيلي سنين عمرهم الأولى، وهم يحسبون أن جدول الضرب اختراع شيطاني يبيح للمعلمين ضرب التلاميذ.
قبل أسابيع قليلة أصدرت رابطة المعلمين والمحاضرين بالجامعات البريطانية، تقريرا وجد صدى طيبا في أوساط الآباء والأمهات وعدد كبير من المعلمين، وأهم ما ورد في التقرير هو ان الواجبات المدرسية التي ينبغي على التلميذ أداؤها، ضررها أكبر من نفعها، وأنها -وبشكل خاص- ترهق كاهل التلاميذ المنتمين إلى عائلات فقيرة.
عيال الطبقة الوسطى و»أنت طالع«، لا يعانون من أزمة كتب أو كمبيوترات ويكون آباؤهم وأمهاتهم ذوي حظ طيب من التعليم يجعلهم قادرين على مساعدتهم على أداء تلك الواجبات، ولو تطلب الأمر »أجيب لك بدل المدرس الخصوصي، عشرة«، ولكن كما قال ديلان وليام نائب مدير معهد التربية في لندن إن الواجبات المدرسية عموما »رابيش rubbish«، أي كلام فارغ، لا طائل من ورائه، وترى رابطة المعلمين انه إذا كان الواجب المدرسي متعلقا بدرس قادم »جديد«، فإنه يكون أكبر نفعا وإمتاعا، في حين ان الواجبات المدرسية بأسلوبها الراهن هي »تكرار واختبار« لمواد تمت دراستها سلفا، ويتم تكليف التلاميذ بها من باب إبراء ذمة المدرسة، لإعطاء انطباع بأنها »تضغط على التلميذ كي لا ينسى الدروس التي تلقاها في المدرسة«.
لا أستطيع أن أجزم بأن ذلك التقرير على صواب تماما، ولكنني أجزم -وعلى مسؤوليتي- بأن أكثر من ينفر في نظامنا التعليمي الببغاوي هو ميل المدرسين إلى إثقال كاهل التلاميذ بالواجبات، ففي يوم واحد قد يكون الطالب مكلفا بما يلي: نسخ قطعة من كتاب القراءة، وحل 8 مسائل رياضيات، ورسم خريطة آسيا، وحفظ تسع آيات قرآنية، مع قصيدة لحافظ إبراهيم، وبالطبع مع حفظ معاني مفرداتها، وهناك جدول الرموز الكيميائية )للجلوس لامتحان الشهادة الثانوية، كنت مطالبا بحفظ معلقة لبيد بن ربيعة العامري وشرح كل بيت فيها، ونجحت في امتحان الأدب العربي بتقدير ممتاز، ورجعت إلى تلك المعلقة خلال السنوات الماضية ولم أستطع أن أعرف هل هي باللغة العربية أم بالأوردو، ويقول البيت الأول في المعلقة: عفت الديار محلها فمقامها/ بمنىً تأبد غولها فرجامها. »الديار« كلمة عربية ولكن السيد غوغل نفسه عجز عن مساعدتي في معرفة أصل وفصل بقية كلمات هذا البيت(.
وتسمع كثيرا من أولياء أمور طلاب العلم يثنون على مدرسة ما، ويصفونها بأنها »قوية« لأنها لا تعطي التلاميذ »نَفَس«، وترغمهم على قضاء نحو 4 ساعات يوميا في حل الواجبات، ما يعني أن اليوم الدراسي يمتد لنحو 11 – 12 ساعة.. تخيل هذا العبء.. وتذكر وزن الحقيبة المدرسية عندنا.
في المدارس البريطانية مثلا، يجعلون الواجبات مشوقة بتكليف التلميذ بأعمال يدوية باستخدام الورق والكرتون والقش، والتربويون في بريطانيا يطالبون بتخفيف عبء الواجبات على الطلاب، رغم أن النظام التعليمي عندهم يحدد مدة الواجبات القصوى لتلميذ الصف الرابع الابتدائي بـ90 دقيقة في… الأسبوع! يعني 18 دقيقة في اليوم، ويمنع منعا باتا تكليف الطفل بأي عمل أكاديمي بعد نهاية اليوم الدراسي قبل الصف الرابع. مساكين عيالنا: 90 دقيقة لا تكفي لحل واجبات مادة واحدة في يوم واحد.

جع

زاوية غائمة
جعفـر عبـاس

تعليق واحد

  1. انا أعيش في بريطانيا ولا يوجد ما يحكي هذا المقال ربما من اجل الكتابة فقط او ان بريطانيا المثل الاعلي . لو أردت ان تعلم عن التعليم ادرس عن التعليم في الدول الإسكندنافية