سياسية

“مبارزة سياسية” أكد مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم محمود موت مشروع “السودان الجديد”، ولكن متى يعلنون وفاة المشاريع السياسية الأخرى؟

بحديثه حول موت مشروع (السودان الجديد)، يفتح مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني، إبراهيم محمود، استفسارات حول مصير المشاريع السياسية الأخرى، خاصة القوى اليمينية واليسارية، كقوى سياسية متطلعة للحكم ولو بقوة السلاح، كما هو في الانقلابات العسكرية التي شهدتها فترات حكم متعاقبة منسوبة لتياراتهم، مثل انقلاب مايو في حقب تاريخية سابقة، وانقلاب الإنقاذ بالنسبة للإسلاميين، حيث لا يوجد سند بموت مشاريع سياسية، إذ لم تندثر حتى الآن النظريات التي كُتبت منها (المانفستوهات) السياسية، ولا تزال تقدح المشاريع الحديثة الراهنة من وحيها.
(1)
في الحقيقة، فإن حديث إبراهيم محمود أعاد مشروع (السودان الجديد) للأضواء، وإن كان نعت مواته يُقرأ بصورة أوضح من خلال الخطاب السياسي للحركة الشعبية (شمال) في الفترة الأخيرة، وبعد انشقاقها، حيث يطرح القائد عبد العزيز الحلو حق تقرير المصير لمنطقة جنوب كردفان وجبال النوبة، لكن لا يبدو أن الحلو وحده من سيقرر بمشروع السودان الجديد، وستتضح الرؤية أكثر، حسب مراقبين، عقب المؤتمر العام المرتقب لجناح الحركة الشعبية بقيادة مالك عقار وياسر عرمان، المقرر له العام المقبل.
(2)
ينظر البعض لحديث إبراهيم محمود بأنه مجرد مبارزة سياسية، وتصادم بين مشروعين نالا حظ حكم السودان، وبالمقابل أخفقا في تتويج شعارات برنامجيهما لواقع ملموس، فالمشروع الذي يتبناه حزب المؤتمر الوطني، وهو المشروع الحضاري يجد انتقادات بعدم التطبيق الفعلي، وتنزيله على أرض الواقع بشهادة قادته، ويتمظهر أكثر في الانشقاقات التي أحدثها في كيانه الحاضن، وهو الحركة الإسلامية، وهذا دليل عملي على فشل مفهوم الوحدة التي ينطلق منها البرنامج، وترسيخ الدولة الرسالية. فيما اختارت الحركة الشعبية أقصر الطرق في الكفاح السياسي من أجل مشروعها، وتنازلت عن شعاره الموسوم (بسودان جديد على أسس جديدة)، بالركون لفصل الجنوب واستقلاله والتخلي عن وحدة البلاد.
(3)
الأحزاب الحاكمة ليست وحدها من تكبّد عناء تهمة فشل برنامجها السياسي، فالمعارضة هي الأخرى قد واجهت متاعب واتهامات عدم القدرة على تحريك الشارع السياسي ناحية برامجها السياسية، وتعبئته لتحقيق شعارها المرفوع بـ(إسقاط النظام)، فضلاً عن تحقيق خطاب وهيكل موحد لأهدافها، وعلى العكس مما كانت عليه النظرية أصبح البعض يطلق مقولة “إن بقاء النظام سببه ضعف المعارضة”، وللمشاريع السياسية في البلاد أكثر من (أكليشيه) في رحلة بحثها وصراعها عن تحقيق شعاراتها السياسية، وسبق للإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة القومي، أن نعت الأحزاب السياسية بأنها تنقسم لأحزاب (صندل) و(طرور)، كناية عن أدوارها في العمل الوطني والنضالي.
(4)
ويمكن للمقارنة بين مصير عبد العزيز الحلو و(السودان الجديد)، أن تفتح إضاءات واسعة وقراءة عميقة لمدى بقاء أو زوال المشروع، خاصة في أعقاب الأسباب التي دعم بها استقالته قبيل انقلابه الأخير على زملائه في الحركة الشعبية. وأشار كتاب أعمدة في صحف الخرطوم أمس وأمس الأول، إلى إمكانية أن يتجه الحلو لفصل جنوب كردفان ومناطق النوبة، والاتجاه بها نحو وحدة جديدة مع دولة جنوب السودان، وهو سقوط جديد لمشروع (السودن الجديد)، الذي دائماً ما كان يدعو لوحدة البلاد. فكاتب عمود (زفرات حرى)، بأخيرة صحيفة (الصيحة) الغراء، المهندس الطيب مصطف، أشار أمس إلى أن الحلو فرض رؤيته المتطرفة على المؤتمر العام للحركة، وتجاوز بها كل ما أُقر في جولات التفاوض السابقة، بما في ذلك نيفاشا التي اعتبرت، حسب حديثه، منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق جزءاً من الشمال، لا يسري عليهما حق تقرير المصير الذي مُنح للجنوب.

اليوم التالي.