منوعات

وقع العلماء في حبها وفازوا بسببها 6 مرات بجائزة نوبل.. إليك سر افتتانهم بذبابة الفاكهة “أفضل كائن حي على الكوكب”

“أفضل كائن حي موجود على هذا الكوكب”، بهذا يصف بعض العلماء ذبابة الفاكهة، هذه الحشرة التي كانت سبباً لفوز علماء بجائزة نوبل ست مرات.

في السنوات الأخيرة، توصَّل العلم أن ذبابات الفاكهة تشترك بدرجة ملحوظة في سمات تجمعها مع البشر (فنحن نتشارك بنسبة 60% من الحمض النووي نفسه).

هذه النقطة جرى التأكيد عليها، الأسبوع الماضي، عندما مُنِحَت لجنة نوبل جائزة أخرى للعلماء الذين استخدموا ذبابة الفاكهة (الدروسوفيلا) كأساس لبحوثهم الرائدة، حسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وفي هذه الحالة، مُنِحَت جائزة نوبل لكل من جيفري هول، ومايكل روزباش، ومايكل يونغ – وجميعهم من الولايات المتحدة الأميركية – في الفسيولوجيا أو الطب لعملهم في الآليات الجزيئية التي تتحكم في إيقاعات الساعة البيولوجية، أو بعبارةٍ أخرى، الساعة البيولوجية للجسم على مدار الـ24 ساعة، والتي تحكم حياة المملكة الحيوانية كافة. وأُنجِزَ هذا العمل إلى حدٍ كبير من خلال إجراء التجارب على ذباب الفاكهة.

جوائز نوبل

وليست هذه هي الجائزة الأولى التي تُمنَح لبحوث ذبابة الفاكهة، فقد سبق أن تلقى ما لا يقل عن خمس مجموعات أخرى جائزة نوبل لاستخدامهم ذباب الفاكهة في كشف أسرار الفسيولوجيا البشرية وعلوم الأحياء بشكل عام.

وبدأت علاقة الحب هذه بين نوبل وذبابة الفاكهة في أوائل القرن العشرين، عندما استخدم عالم الأحياء الأميركي توماس مورغان ذباب الفاكهة للتأكُّد من أن الجينات تتواجد في الكروموسومات كحبيبات الخزر في السلسلة، وأن بعض الجينات مرتبطة ببعضها، أو بعبارة أخرى موروثة معاً. وبهذا الاكتشاف، وضع مورغان حجر الأساس في إنشاء علم الوراثة كعلمٍ حديث.

تشابه مذهل مع الإنسان

ومنذ ذلك الحين، اعتمد هذا العلم، بدرجةٍ مذهلة، على البحوث القائمة على ذبابة الفاكهة، مما أدى إلى تحقيق تقدُّم على نطاق شاسع من المجالات. ويعتقد العلماء اليوم أن حوالي 75% من جينات المرض البشري المعروفة، لديها نظير يمكن التعرف عليه في ذباب الفاكهة، بما في ذلك تلك الخاصة بأمراض الزهايمر، والتوحَّد، والسكري، والسرطان بكافة أنواعه. ويقول عالم الوراثة ستيف جونز: “تبدو وكأنها مصممة لمساعدة العلماء”.

وكما يوحي اسمها، فإن ذبابة الفاكهة تحب أكل الفاكهة -خاصة الناضجة منها- وتظهر في الصيف لتستقر على التفاح والكمثرى، وكذلك المشروبات السكرية (ومن هنا تأتي ملاحظة الكوميديان السينمائي الأميركي غروتشو ماركس أن “الوقت يطير كالسهم، لكن ذباب الفاكهة يحب الموز”).

وهي لا تشكل أي تهديد على الصحة، ولكنها تمتلك عدداً من الميزات التي تجعلها الكائن المثالي لإجراء الاختبارات المعملية: دورة حياة ذبابة الفاكهة، واسمها العلمي “دروسوفيلا”، تستغرق أسبوعين، وتتغذى على الذرة، والخميرة، والسكر، وقليل من الأطعمة الأخرى، كما يمكنها أن تقطن في أنابيب متناهية الصغر.

وقال سيمون كولير، عميد كلية علم الحشرات بجامعة كامبريدج: “أنت تضع ذكراً وأنثى معاً، وبعد أسبوعين تحصل على جيلٍ جديد من ذباب الفاكهة لدراسته”، مضيفاً أن “هذا ما يجعل منها أداة هامة للغاية في دراسة الطفرات الجينية”.

وهذا في حد ذاته مفيدٌ بما فيه الكفاية، غير أن ذبابة الفاكهة تمتلك ميزاتٍ رئيسية أخرى من شأنها أن تثير إعجاب العلماء. إذ إن جينوم الدروسوفيلا (ذبابة الفاكهة) لا يمتلك سوى أربعة أزواج من الكروموسومات، بينما يمتلك الإنسان 23، ما يعني سهولة معالجة ودراسة وظيفة الجينات وفهم كيفية تفاعلها.

ويوضح جونز قائلاً: “بالإضافة إلى ذلك، فإن جينات ذبابة الفاكهة لديها معدلات تطفُّر عالية للغاية (حدوث طفرات جينية)، ما يجعلها مفيدة جداً للدراسة”.

وأضاف: “يمكن تتبع التغيرات التي تنجم عن تلك الطفرات بسهولة تامة على كائن حي بسيط نسبياً، مثل الدروسوفيلا. إذ يصعب للغاية تتبع تلك التغيرات في الحيوانات الأكثر تعقيداً، كالفئران أو البشر”.

أفضل كائن حي

ونتيجة لذلك، لعبت ذبابة الفاكهة دوراً رئيسياً في كشف العمليات البيولوجية على مدار القرن الماضي. ومن جانبه قال البروفيسور أندرياس بروكوب، الأستاذ بجامعة مانشستر البريطانية: “تُعد الدروسوفيلا الآن أفضل كائن حي معروف على هذا الكوكب بسبب هذا العمل”.

وأضاف موضحاً أنه “بسبب هذه المعرفة، بمقدورنا إجراء تجربة على ذبابة الفاكهة والحصول على نتائج في غضون ثلاثة أسابيع، في حين قد يستغرق الأمر عاماً في حال استخدام فأر. وبهذا تُوفِّر ذبابة الفاكهة سبيلاً رخيصاً وسريعاً للتوصُّلِ إلى فهم المسائل البيولوجية المُعقَّدة التي يمكن أن تُتَرجَم بعد ذلك إلى تطبيقات طبية”.

وفي حالة بروكوب، قدَّمَت ذبابة الفاكهة فهماً جديداً لامتدادات الخلايا العصبية المعروفة المعروفة بالمحاور العصبية، والتي تتلف مع التقدُّم في السن، ويزداد التلف بشكلٍ كبير للغاية في حالة المعاناة من مرض الزهايمر أو غيرها من الأمراض الانتكاسية. ويشرح قائلاً: “بإمكاننا أن ننمي الخلايا العصبية للدروسوفيلا في بيئةٍ حاضنة ونستخدمها لدراسة تطوير محور عصبي. وهذا من شأنه أن يساعدنا على الحصول على فهم جديد لمسببات الأمراض العصبية الانتكاسية”.

القضاء على السرطان

وهناك مثالٌ آخر يُقدِّمه العمل في معهد بحوث السرطان، إذ قال البروفيسور باسكال ماير، رئيس مختبر موت الخلايا والالتهابات في وحدة سرطان الثدي بالمعهد: “هناك عملية بيولوجية تعرف باسم موت الخلية، وهي تحدث في جميع المخلوقات الحية، من الديدان إلى البشر”.

وأضاف: “إنها في الأساس آلية انتحار جوهرية للحياة، واكتُشِفَت الجوانب الرئيسية منها للمرة الأولى في ذبابة الفاكهة. فعندما تتلف الخلية، يُحفِّز ذلك موتها ومن ثم تفنى -وهي العملية التي تُعرَف باسم موت الخلايا المُبرمَج- مما يسمح للأعضاء بأن تبقى صحية”.

بيد أنه في حالات الإصابة بالسرطان، لا تموت الخلايا التالفة، وهذا ما يساعد عملية انتشار الورم. وقال ماير: “نحن الآن نعرف، بفضل أبحاث ذبابة الفاكهة، أن الجزيئات المعروفة باسم مُثبِّطات بروتينات موت الخلايا لها دور في ذلك”، مضيفاً أن هذه المُثبِّطات “تعمل على منع وفيات الخلايا. وبعبارةٍ أخرى، إذا ارتفعت مستويات مُثبِّطات بروتينات موت الخلايا، يُمنَع موت الخلايا المُبرمَج وينتشر السرطان”.

ونتيجة لذلك، يختبر العلماء الآن الأدوية التي يمكن أن تكبح مُثبِّطات بروتينات موت الخلايا في البشر، وبالتالي السماح بموت الخلايا المُبرمَج باستعادة السيطرة على الخلايا. وقال ماير مُبشِّراً: “إنه نهجٌ واعدٌ للغاية”.

وأضاف: “ومع ذلك، فإن سلوك مُثبِّطات بروتينات موت الخلايا في البشر أكثر تعقيداً مما هو عليه في ذباب الفاكهة، مما يزيد من تعقيد البحث عن الأدوية. ولكنها، بالرغم من ذلك، تُعد سبيلاً لعلاج السرطان، والتي ما كان أن يُكتب لها وجود اليوم، لو لم نتوصَّل إلى الاكتشافات الأساسية باستخدام ذباب الفاكهة”.

واليوم، تُمثِّل ذبابة الفاكهة مشروعاً كبيراً في مراكز البحوث، إذ تحتوي كلية علم الحشرات بجامعة كامبريدج على 60 ألف أنبوب تحتوي على الدروسوفيلا، وتوفر ذباباً مُهجَّناً بعناية لحوالي 30 مجموعة بحثية.

وقال كولير: “تُجري الغالبية العظمى من هؤلاء العلماء أبحاثاً على الظروف البشرية أو المشكلات البيولوجية العامة”. وأضاف: “هناك بحثٌ أو اثنان فقط عن الحشرات نفسها، وهذا يُظهر لك فائدة ذبابة الفاكهة للبحوث البيولوجية بشكل عام، وفهم كيفية عمل الجسم البشري على وجه الخصوص”.

لماذا تكرهها نائبة الرئيس؟

لم يكن الجميع على قناعةٍ بقيمة بحوث ذبابة الفاكهة. ففي حملتها الانتخابية للترشُّح لمنصب نائبة رئيس الولايات المتحدة عام 2008، حادت سارة بالين -في خطاب سياسي سابق لها- عن السياق للتنديد بتجارب الدروسفيلا، قائلة: “إنها حقاً غير منطقية على الإطلاق، وأحياناً ما تذهب تلك الدولارات في مشاريع تعود بفائدة ضئيلة، أو لا تصب في المصلحة العامة. أشياء من قبيل بحوث ذبابة الفاكهة، وأنا لا أمزح”.

وحثَّت سارة على إنفاق المزيد من الأموال على أولوياتٍ بحثيةٍ معينة، مثل التوحُّد، وهي تصريحاتٌ أثارت غضب علماءٍ أشاروا إلى أنه قبل بضع سنوات فقط حدَّد العلماء مادة كيميائية تسمى نيوريكسين، والتي تبدو في بعض أشكالها بمثابة عامل خطر جيني لمرض التوحد.

وغني عن الذكر أن النيوريكسينات قد حُدِّدَت للمرة الأولى في ذبابة الفاكهة. وكما قال ريتشارد وولف، كبير مراسلي البيت الأبيض لمجلة نيوزويك الأميركية، فإن هذا كان “أكثر التعليقات جرأة، وجهلاً، وأبعد عن أن يكون مدروساً سمعناه من بالين، رغم وفرة التعليقات الجريئة الجاهلة آنذاك”.

ولحسن الحظ، كان البعض الآخر أكثر تقديراً لاستخدام ذباب الفاكهة في البحوث، بما في ذلك مايكل روزباش، وهو واحدٌ ممن تلقوا جائزة نوبل للطب الأسبوع الماضي. وعرف روزباش أنه حصل على الجائزة، عندما هاتفه رئيس لجنة نوبل في الخامسة صباحاً بالتوقيت المحلي.

وقال روزباش في الأسبوع الماضي: “عندما يدق الخط الأرضي في تلك الساعة، عادة ما يكون ذلك بسبب وفاة شخص ما”. ثم علم بالخبر السار. ورَدَّ معلقاً: “أنا مسرورٌ للغاية لذبابة الفاكهة”.

الفائزون بنوبل بسبب ذبابة الفاكهة في سطور:

مُنحت 6 جوائز نوبل في علم وظائف الأعضاء والطب، لإجمالي عدد 10 علماء لعملهم البيولوجي الرائد المبني على أساس بحوث ذباب الفاكهة:

1933 – توماس هانت مورجان: استخدم الدروسوفيلا للكشف عن الدور الذي لعبته الكروموسومات في الوراثة.
1946 – هيرمان جوزيف مولر: استخدم الأشعة السينية X-ray لزيادة معدلات الطفرات في ذباب الفاكهة.
1995 – إدوارد لويس، وكريستيان نوسلين فولهارد، وإريك فييسشوس: استخدموا الدروسوفيلا لفهم السيطرة الوراثية للتنمية الجنينية.
2004 – ريتشارد أكسل: ركز على مستقبلات الرائحة، وتنظيم نظام الشم.
2011 – جولز هوفمان: مُنح الجائزة لبحثه عن تفعيل المناعة الفطرية.
2017 – جيفري هال، ومايكل روزباش، ومايكل يونغ: تلقوا الجائزة لكشفهم عن الآليات الجزيئية التي تتحكم في الإيقاع البيولوجي اليومي.

هافغنتون بوست