لا تزال العروض الدولية تطرح على رئيس دولة جنوب السودان للتنحي
فشلت كل المحاولات الإقليمية والدولية الرامية إلى إحداث تسوية بين الفرقاء السياسيين والذي أدى إلى اشتعال وتردي الأوضاع بدولة جنوب السودان خلال السنوات الماضية، وبالرغم من الجهود الكبيرة التي ظلت تبذلها الوساطات من أجل إحلال السلام ووقف الاقتتال بينهما إلا أن الأمر لم يكلل بالنجاح وازداد تعقيدا على تعقيد، وظلت جوبا والعواصم الإقليمية تستقبل الوفود والمبعوثين الخاصين بين الفينة والأخرى وعقد جلسات المباحاثات سعيا لإنجاز التسوية النهائية للصراع المرير الذي خلف وراءه آلاف القتلى، وفيما يبدو أن سيل المبادرات لا ينتهي ولا يزال الحديث عن احتمال وجود تسوية سياسية جديدة تعيد خريطة الاستقرار السياسي والأمني في دولة جنوب السودان حاضرا في كافة المنابر، فمؤخرا عرضت الولايات المتحدة الأمريكية على الرئيس سلفاكير ميارديت التنحي من منصبه مقابل استضافته في مزرعة خاصة بولاية تكساس الأمريكية وهو الأمر الذي رفضته حكومة جوبا، ويأتي العرض الأمريكي بعد تعالي الأصوات المطالبة برحيل سلفاكير خاصة بعد وصول التفاهمات إلى طريق مسدود بين الفرقاء ممن يعتبرون أن التسوية للنزاع مستحيلة في ظل بقاء سلفاكير على سدة الحكم في جوبا، وقبل فترة طرح الرئيس سلفاكير مبادرة الحوار الوطني ولكنها وجدت معارضة ومطالبات بتوسيع قاعدتها وعدم حصرها في مجموعات معينة موالية للحكومة دون بقية أطراف المعارضة المسلحة والقوى السياسية الأخرى الموجودة خارج البلاد.
وكانت الحكومة في جوبا قد بدأت قبل فترة مشاورات جدية لاختيار خليفة للرئيس، في خط مواز مع المحاولات والضغوط التي تُمارس عليه للتنحي طواعية عن السلطة وأكد مراقبون أن عملية تنازل ميارديت عن السلطة بات مسألة وقت، سيما أن تلك الرغبة وجدت دفعاً من عائلته بسبب ظروفه الصحية، جاء ذلك بعد أن تسارعت الأحداث في الدولة الوليدة وتقاطعت المصالح الداخلية والخارجية وازداد الضغط الداخلي على الرئيس الجنوبي سلفاكير ميارديت للتنازل عن منصبه، وفتح ذلك الباب أمام المنظمات الإقليمية لطرح وتبني الفكرة فجاءت مبادرة الإيقاد لتنحي سلفا، واقتراح وضع الدولة تحت بند الوصاية الدولية المشتركة بانتداب ثلاث شخصيات من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة للإشراف على الحكومة في الجنوب، فضلاً عن الدعوة إلى تشكيل حكومة انتقالية لخمسة أعوام يستبعد عنها كل من سلفاكير ومشار، إضافة إلى جميع الشخصيات التي شاركت في آخر حكومة ما قبل الحكومة الجديدة، تبع ذلك جملة من الأحداث والتوقعات بشأن التسوية الممكنة جعلت الأوضاع في جنوب السودان مفتوحة على كل الاحتمالات وأصبحت الدولة مرهونة بإنجاز التسوية حتى تتمكن من استئناف الدعومات الخارجية التي توقفت بسبب الحرب التي اندلعت عقب توقيع الرئيس سلفاكير وغريمه رياك مشار على اتفاق السلام الشامل قبل عامين ولكنها ـ أي الاتفاقية ـ لم تصمد طويلا، وسرعان ما أدى تجدد المواجهات بين القوات الموالية للزعيمين داخل جوبا إلى خروج مشار من العاصمة وإقالته من قبل سلفاكير الذي عين بدلا عنه الجنرال تعبان دينق قاي في منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية ووقتها وصف مشار الخطوة بأنها انقلاب على اتفاقية السلام لتعود البلاد مرة أخرى إلى دوامة جديدة من العنف المسلح مع ظهور حركات جديدة تحمل السلاح ضد الحكومة.
وكان مجلس الأمن الدولي قد أقر عقوبات على كل من يعرقل السلام في دولة جنوب السودان، ويرجع البعض تعثر تنفيذ اتفاق السلام لعوامل عدة أولها الاعتقاد السائد بأن الاتفاق يصب بالأساس في جانب المتمردين، لأنه جاء بمشار نائبا أول لرئيس الدولة، كما أنه يخلو من أي قيود على إمكانية ترشح مشار لرئاسة للدولة، بالإضافة إلى تركيزه على تقاسم الثروة والسلطة بين النخبة السياسية، دون معالجة حقيقية للمسائل المتعلقة بإقرار العدل، وإعادة بناء الاقتصاد المنهار، كل ذلك قاد في خاتمة المطاف إلى المطالبة برحيل سلفاكير باعتباره الحل الوحد في وقت يرفض فيه سلفا التنحي، بينما برزت تسريبات عن اتجاه حكومة جوبا إلى تشكيل حكومة انتقالية بعد موافقة سلفاكير على التنحي مؤقتا على أن تمهد تلك الحكومة المؤقتة لإقامة انتخابات مبكرة العام المقبل.
اليوم التالي