تحقيقات وتقارير

خطاب رئاسي غير تقليدي في انتظار «آليات » رئاسية جديدة

مع بداية صباحات يوم أمس، لم تكن الحركة اعتيادية عند مدخل كوبري أم درمان «القديم» من جهة ام درمان وتحديداً عند البوابات الرئيسة للمجلس الوطني، فشرطة المرور انتشرت عند المداخل والمخارج وعلى الجنبات بزيها الابيض الناصع كفراشات الخريف،

كما لاحظ العابرون لهذه المنطقة كثافة قوات التأمين من القوات النظامية بشكل لافت، والمناسبة كانت هي أن السيد رئيس الجمهورية سيخاطب الشعب السوداني صباح أمس من داخل قبة البرلمان وهو خطاب يتزامن مع دخول السودان في أعماق مرحلة مفصلية جديدة من تاريخه الحديث في وقت اتسعت فيه قاعدة العشم وارتقت الآمال والتطلعات والتوقعات بأن فجراً جديداً سيدخله السودان لا محال لو أن الإدارة الأمريكية بالبيت الأبيض أقدمت وبكل شجاعة في الثاني عشر من أكتوبر الحالي على إزاحة كابوس العقوبات من حياة السودانيين، وهكذا كانت الحكومة تنتظر القرار الأمريكي القادم بشأن قضية العقوبات المفروضة على السودان. أما على الصعيد الشعبي، فإن عموم أهل السودان ينتظرون من السيد رئيس الجمهورية في خطابه بالأمس أن يأتي بالبشرى والوعد لكل الذين صبروا على قساوة العيش وعانوا في كبد، فكان العشم أن تعلن الحكومة انحيازها التام «لقفة الملاح» وتخفيف رهق السنين عبر قرارات وسياسات جديدة أكثر واقعية وفاعلية يعود خيرها لكل من ينتظر فرجاً من بعد ضيق .

خطاب غير تقليدي
من النادر في خطابات السيد رئيس الجمهورية أن تأتي مضامينه في شكل حزم وسياسات عامة ليس فيها تفصيلات او توجيهات مباشرة وربما كان هذا طابعاً أساسياً في خطاب الرئيس صبيحة أمس، وهذا في نظر الكثيرين من النواب ملمح غير تقليدي في مظهره العام . وهو خطاب حضره نائب رئيس الجمهورية الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن لأن سعادة النائب لم يكن من عادته حضور خطابات الرئيس البشير في البرلمان، بل ذكر عدد من الزملاء الصحافيين أن الأستاذ حسبو محمد عبد الرحمن لم يكن معتاداً المشاركة في جلسات البرلمان منذ أن تولى منضب نائب الرئيس . وربما لأول مرة أيضاً تستقبل أنظمة النظافة والمراسم خطاب السيد رئيس الجمهورية (بالبخور والعطور) وهي ظاهرة جديدة حرصت عليها شركة (موارد) المسؤولة عن النظافة بالبرلمان وتحسين مظهره العام أمام ضيوفه ونوابه، خصوصاً أن هذه الجلسة شهدت حضوراً مقدراً من ممثلي السلك الدبلوماسي المعتمدين بالخرطوم .

افتتاحية «البروف»
بدأت الجلسة في تمام الحادية عشر بآيات من القرآن الكريم ثم ترحيب من البروف بالسيد نائب رئيس الجمهورية حسبو محمد عبد الرحمن والسيد رئيس القضاء ورئيس المحكمة الدستورية والرؤساء البرلمانيين السابقين وممثلي الأحزاب السياسية والسلك الدبلوماسي. ومن الملاحظات الجديرة بالاهتمام الحضور الكثيف لنواب الهيئة التشريعية فامتلأت كل المقاعد وفاضت على جنباتها حتى أن العضو حسن عبد الحميد عن جماعة الإخوان المسلمين ظل يبحث كثيراً بين المقاعد ولم يجد مقعداً شاغراً مما اضطره للجلوس على المقاعد الأمامية المخصصة للسادة الوزراء .

الخروج من النفق
كنا قد طرحنا على النائب المثير للجدل داخل البرلمان ابو القاسم برطم قبل الجلسة حول عشمهم من خطاب السيد رئيس الجمهورية فتحدث لنا بلغة فيها قدر من التشاؤم، وقال إننا لا نريده خطاباً انتخابياً ولكننا نريده خطاباً عملياً يخاطب أربع قضايا أساسية، وبصفة مباشرة وهي محاربة الفساد وإصلاح الدولة و(قُفة الملاح) وتحقيق العدالة للسودانيين . ولكن برطم حينما التقيناه بعد نهاية الجلسة أكد لنا أن عشمه سقط في الخطاب باعتباره لم يضف شيئاً جديداً كما قال، بل أنه جاء بذات الوعود السابقة، فليس هناك محاربة فساد ولا إصلاح دولة ولا دعم لقفة الملاح ولذلك فهو -كما يعتقد برطم- أشبه بالخطاب الانتخابي ولم يغير في الواقع كما لم يأتِ بجديد وحتى الحوار نفسه أصبح مجرد أوراق غير مفعلة، بل إن حكومة المؤتمر الوطني الحالية تعمل الآن على تطبيق برنامج حزب وليس برنامج حوار وطني، وبالتالي لم يخرجنا خطاب الرئيس من النفق المظلم الذي نحن فيه الآن- حسب قوله .

مؤشرات إيجابية
أما العضو عبد الله مسار، فأشار الى أن الخطاب جاء بمؤشرات عامة مفيدة للدولة، ولكننا في الواقع كنا نريده خطاباً يركز على ثلاث قضايا، أولاً معالجة الأزمة الاقتصادية وتطوير الصناعة وزيادة الصادر، وثانياً إصلاح الدولة وأخيراً معالجة الفساد.
ويعتقد العضو الفريق أحمد إمام التهامي أن خطاب الرئيس جاء في شكل عموميات بما فيها الحوار الوطني والسلام والعلاقات الإقليمية والدولية. ومن المؤشرات الإيجابية للخطاب أن الفترة القادمة لمتابعة مخرجات الحوار وتحسين معاش الناس وجمع السلاح، خصوصاً إن السيد رئيس الجمهورية أعطى الإدارة الأهلية الضوء الأخضر بأن تكون هي الداعمة لمشروع جمع السلاح والمصالحات القبلية، ولكن لابد من الجهاز التنفيذي والسياسي المساهمة في تنفيذ هذه السياسات .

انتخابات غير عادلة
وفي سياق تفاعلات النواب مع الخطاب الرئاسي ذهبت الأستاذة إشراقة سيد في اتجاه أن الخطاب اهتم كثيراً بالمجتمع القاعدي وتحديداً بالمحليات والوحدات الإدارية، وهذا -كما تعتقد إشراقة -منحى جديد يؤكد اهتمام الرئيس بوصول الخدمات الى أدنى مكون جغرافي في الدولة، ولكن أهم قضية أشار إليها الرئيس في خطابه هو الدستور الدائم، خصوصاً أننا كقوى سياسية ظللنا ننتظر هذا الدستور خصوصاً أنه أجيز في الحوار الوطني وكان من المأمول أن يصبح هذا الدستور واقعاً قبل انتخابات2020. واذا لم تكن الآليات الخاصة بإعداد هذا الدستور فاعلة، فإننا سندخل الانتخابات القادمة بشكل ضعيف وتعبان ولا يعقل أن تدخل القوى السياسية الانتخابات القادمة بهذا الشكل غير العادل وغير المتوازن .

اختلال الإصلاح بالولايات
أما العضو النور الحاج النور وصف الخطاب بالشامل ولكنه حوى قضيتين أساسيتين، الأولى جمع السلاح وهيبة الدولة، والقضية الثانية الاقتصاد ومعاش الناس، وهنا لابد للأجهزة المختصة أن تضع خطاب الرئيس في نصب أعينها لتنفيذ مخرجات الحوار الوطني. أما فيما يختص ببرنامج إصلاح الدولة فهو بطيء جداً، خصوصاً على مستوى الولايات .

إنهم يتمنعون
حرص الصحافيون على أخذ إفادات او تعليقات على خطاب السيد رئيس الجمهورية من عدد من المسؤولين في الجهاز التنفيذي ومن بعض النواب، فرفض الأستاذ حامد ممتاز الإدلاء بأية تعليقات على الخطاب فيما يخص القضايا الخارجية رغم إلحاح ورجاءات الصحافيين وملاحقته حتى خارج قبة البرلمان فكان رده .. (لدينا ناطق رسمي هو الذي يفيدكم ) . وكذلك السيد وزير السدود معتز موسى كاد أن يهرول من مزاحمة الصحافيين له ولكنه أشار بكلتا يديه ..لا حديث ! وكان عدد من الإخوة الزملاء الصحافيين قد احتفوا بالأستاذ علي عثمان محمد طه النائب الأول الأسبق لرئيس الجمهورية وهو في طريقه لعبور السلم الى داخل قبة البرلمان ولكنه توقف وحرص على مصافحة عدد كبير من النواب والصحافيين وأخذ الصور معهم .
أما الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر، فتمنَّع هو الآخر عن الحديث لـ(الإنتباهة) وقال بعبارة طريفة (الحديث للصحافة بقروش او شيك ) ثم ضحك وذهب بعيداً من مزاحمة الصحافيين .

تقرير: هاشم عبد الفتاح
الانتباهة