تفاصيل إطاحة البغدادي الجناح السوري بـ”داعش” لخلافات فقهية
لم يعد الحديث عن الخلافات الداخلية المتصاعدة بين قيادات تنظيم “داعش” الإرهابي، في كل من العراق وسورية، مجرد شائعات، فالمعلومات الأكيدة الواردة من مدن سورية في الرقة ودير الزور ومناطق يسيطر عليها التنظيم في حماة، فضلا عن أعالي فرات العراق، تشير إلى وجود خلافات حقيقية بين قيادات التنظيم. غالبية هذه الخلافات فقهية وفكرية، تتعلق بعمل التنظيم وطريقة إدارته للمعارك والتعامل مع من يطلق عليهم “عوام المسلمين” و”الذميون”، وصلت إلى حد ظهور فتاوى تكفير واتهامات بين قيادات التنظيم الميدانية والشرعية منها على حد سواء.
وأصدر تنظيم “داعش” بياناً هو الأول من نوعه، الشهر الماضي، موجهاً إلى مقاتليه في كل من العراق وسورية، يعلن فيه إلغاء تعليمات صدرت لهم قبل مدة، ويقول فيه إنه “تم إلغاء العمل بمضمون التعميم المعنون له بالآية الكريمة (ليهلك من هلك عن بينة)، وذلك لاحتوائه على أخطاء علمية وعبارات موهومة غير منضبطة أدت الى حدوث التنازع والتفرق بين صفوف المجاهدين خاصة والمسلمين عامة”. وطالب البيان مقاتليه بـ”الرجوع إلى فضيلة الحق والتمسك بعقيدة التوحيد”.
ويعلق الباحث والخبير بشؤون الجماعات المسلحة العراقية، الدكتور فؤاد علي العبيدي، على البيان، بقوله إن “التنظيم يعاني انقساما حادا بين فريقين، الأول أبو بكر البغدادي وعدد من القيادات المقربة منه، أبرزهم أبو سليمان ناصر وحسين بلال بوسنيتش وطارق بن الطاهر الحرزي وأبو عبد الله الحربي، بينما يتصدر الفريق الثاني الشيخ عبد الناصر العفري أمير الجناح السوري بالتنظيم، وأبو الحسن القحطاني وآخرون وهم كلهم من القيادات الأولى بالتنظيم”.
ويشير إلى أن “الخلافات قديمة لكنها كانت ما يمكن اعتباره وجهات نظر، بدأت منذ إقدام التنظيم على سبي الأزيديات واعتراض قيادات عدة على ذلك، لكنها تصاعدت بسبب سلسلة الفتاوى بالقتل التي كان يصدرها التنظيم في المدن التي يسيطر عليها تجاه السكان. ومؤخراً حول التحصن بالمدن ومنع السكان من الخروج منها واتخاذهم دروعا بشرية، والتسبب بقتل الآلاف منهم بالقصف الجوي والصاروخي”. كما يلفت الباحث إلى أنه “يمكن اعتبار قبول (داعش) بالتفاوض مع حزب الله اللبناني في صفقة عرسال، القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث كانت قيادات يمكن إطلاق تسمية (الجناح المتشدد) عليها، معترضة على الصفقة وتعتبرها هزيمة لا اتفاقاً”.
كما يبيّن أن “غياب البغدادي الميداني لأسباب أمنه الشخصي وكثرة تنقله من مكان لآخر وتوقف الاجتماعات الدورية مع مساعديه، فضلا عن خسارته مساعديه الأبرز، وهم أبو عمر الشيشاني وأبو محمد العدناني وأبو علاء العفري، أدى إلى إضعافه داخليا في التنظيم نفسه”.
وأكدت مصادر في مدينة دير الزور لـ”العربي الجديد”، تمكن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي من الإطاحة بخصمه الاقوى، وهو الشيخ عبد الناصر العفري، الذي يتولى إمارة الجناح السوري منذ عام 2016، وإحالته للجنة شرعية بعد مخالفته عدة أوامر صادرة عن البغدادي نفسه، من بينها ما يتعلق بوضع مقاتلي جبهة حماة ورفدهم بالمسلحين من مناطق أخرى، لتعزيز موقفهم، فضلاً عن إحالة قيادات أخرى للمحكمة الشرعية وإصدار حكم القتل تعزيزا بآخر لاتهامه بقتل أبو علي الليبي، وهو أحد قيادات التنظيم، وقتل بظروف غامضة في سورية في يونيو/ حزيران.
ووفقا للمصادر ذاتها، فإن ظهور البغدادي الجمعة الماضي في تسجيل صوتي استمر لنحو 40 دقيقة، لم يكن موجها للعالم، بقدر ما هو رسالة تطمين لمقاتليه الموجودين في مدن محاصرة مثل الحويجة وراوة وبلدات في دير الزور، وتأكيد أنه ما زال أميرا عليهم وأن الإشاعات المتداولة غير صحيحة.
وفي هذا الشأن، يقول عضو مجلس العشائر المناهضة لتنظيم “داعش”، الشيخ عبد الله الدليمي، لـ”العربي الجديد”، إن “الهزائم المتكررة للتنظيم في كل من العراق وسورية عجلت في ظهور تلك الخلافات بين قياداته. ويمكن القول إن السبب الآخر هو فقدانه أي شعبية له في المناطق السنية وانهيار ماكينة التجنيد لديه بفعل اكتشاف زيف شعاراته، وما سببه من دمار لملايين العراقيين والسوريين”.
ويضيف “أتوقع أن تكون هناك خلافات أكبر، وصولا إلى مرحلة انشقاق فعلي وولادة جماعات من داخل التنظيم، وهذا ما يمكن اعتباره إيجابيا في تعجيل انتهاء التنظيم بشكل كامل.
العربي الجديد.