قال إن حديث الفاضل يمثله.. (الجاز ــ مبارك).. الماضي يعود اليوم
أن تذم الخرطوم الرسمية دعوة التطبيع مع اسرائيل والتي قال بها نائب رئيس الوزراء، وزير الاستثمار مبارك الفاضل، فذلك مما هو معلوم بالضرورة لمن يعرف عاصمة اللاءات، ولكن ما يجعل ذلك غير اعتيادي، أن يصدر عن مساعد رئيس الجمهورية، د.عوض الجاز، بحسبان أن خلافات الرجلين معلومة بقدر مواقف الخرطوم من تل ابيب.
وقال الجاز الممسك بملف روسيا لموقع “سبوتنيك” الروسي، إن حديث مبارك الفاضل عن التطبيع مع إسرائيل لا يعبر عن موقف الخرطوم الرسمي، باعثاً بالقضية من جديد بعدما هدأت لعدة اسابيع.
تشابه
يتشابه الرجلان في بعض الصفات وبذات التشابه بينهما ما صنع الحداد، ويمكن ابتدار المقارنة من الانتماء فالجاز يصب في بحر الاسلاميين، والفاضل بن البيت الانصاري، ويجمع الرجلين المعترك السياسي، بخلافاته واختلافاته وحتى لقاءاته بين الدعوة الأنصارية والحركة الإسلامية منذ زمن بعيد في عمل السياسة وهموم الدعوة.
ويعد مبارك الفاضل المهدي من أكثر آل البيت الانصاري إثارةً للجدل واللغط، وذلك ما جلب إليه الألقاب من “البلدوزر” إلى “البرغماتي” وغيرها، ويحظى الرجل بمسيرة طويلة من الخلافات التى كان وما زال أبرزها خلافه مع ابن عمه الإمام الصادق المهدي، الخلاف الذي ما زال يراوح مكانه حتى اللحظة.
بدوره يعد الدكتور عوض أحمد الجاز من أبرز قيادات الحركة الإسلامية وأكثرهم نفوذاً، إذ يحسب من أهل الانقاذ الاقوياء والراسخين لادواره التى سبقت وصول الحركة الإسلامية للسلطة في العام في يونيو من العام 1989م، إذ كان مشرفاً على ضباط الحركة الإسلامية في الجيش، الشيء الذي أكسبه قوة دفع أخرى بعد ان وصلت الحركة الإسلامية للحكم عسكرياً، فالتشابه بين عوض الجاز ومبارك موجود وإن اختلف المشارب.
من جديد
عمل عوض الجاز ومبارك الفاضل في حكومة واحدة، إذ شغل الجاز منصب وزير الطاقة والتعدين، وشغل مبارك منصب مساعد رئيس الجمهورية بعد اتفاقه مع الحكومة التى عاد بموجبها للسودان في العام 2002م، مكوناً حزب الأمة الإصلاح والتجديد، ولم يستمر مبارك في الحكومة كثيراً اذ شب خلاف كبير بينه وبين وزير الطاقة والتعدين انذاك الدكتور عوض الجاز، قيل انه كاد يصل إلى مرحلة الاشتباك بالأيادي، ليطيح رجل الانقاذ القوي عوض الجاز برجل حزب الأمة القوي مبارك من الحكومة، ليعود مبارك من جديد لمكانه في صف معارضي الانقاذ، ثم تمضي الأيام ويجتمع الرجلان من جديد، بعد أن غادرا العمل التنفيذي ذاك معارض، وهذا مبتعد، ليعود الجاز مساعداً لرئيس الجمهورية ومبارك نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للاستثمار، لتجمع الأقدار ذات الرجلين مع اختلاف الزمن والمواقع.
إثارة جدل
أحال نائب رئيس الوزراء مبارك الفاضل الساحة السياسية إلى حالة أشبه بساحة المعركة، بعد أن أطلق تصريحاته الداعية للتطبيع مع إسرائيل وزاد عليها بتوجيه النقد للشعب الفلسطيني، وذلك ما دعا عددا من السياسيين ورجالات الدين للانبراء والرد عليه، ومن ثم جاء الموقف الرسمي للدولة على لسان وزير الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة د.أحمد بلال نافيا خلاله أن يكون حديث مبارك يمثل الدولة.
اما الرد الاكثر إثارة فكان من نصيب مساعد الرئيس عوض الجاز خصم مبارك القديم، واعتبر الجاز خلال زيارته لروسيا في حديثه لموقع “سبوتنيك” الروسي، تصريحات نائب رئيس الوزراء وزير الاستثمار مبارك الفاضل عن التطبيع مع إسرائيل بأنها لا تعبر عن موقف الخرطوم الرسمي، ووجد هذا التصريح اهتماماً كبيراً لجهة أن مصدره الدكتور عوض الجاز وبحسبان ان موقف الحكومة الرسمي أعلن من قبل عبر الناطق الرسمي، وهذا ما اعاد للأذهان واقعة الخلاف القديمة بين الرجلين ودفع باعتبارات منها محاولة الجاز إحياء ما كان قديماً بينه ومبارك الفاضل مستغلاً الموقف الذي وضع مبارك نفسه فيه بدعوته للتطبيع مع إسرائيل وهو نائب لرئيس الوزراء القومي.
تصريحات متشاكسة
اعتبر القيادي بحزب الامة عبد الجليل الباشا تصريحات قيادات الحكومة المختلفة عن التطبيع مع إسرائيل دليلاً على عدم وجود الرؤية الموحدة مما جعل موقف الحكومة مرتبكاً، وقال عبد الجليل خلال حديثه لـ(الصيحة) ان تصريح عوض الجاز عن حديث مبارك الفاضل يحسب في شكله العام تصريحاً عاديا جاء بعد حديث الناطق الرسمي باسم الحكومة، ولم ينف الباشا وجود خلافات قديمة بين الجاز ومبارك، إلا انه عاد وقال ان هذا الخلاف ليس بهذا المعنى الذي ينقل العام للخاص، وزاد الباشا بأن لمبارك الفاضل خلافات قديمة مع قيادات الحركة الإسلامية مشيراً إلى ان مبارك نفسه لم ينفِ ذلك في احاديث عديدة سابقة، ولم يستبعد الباشا أن يكون الخلاف القديم حاضر في مشهد رد الجاز على مبارك.
فيما وصف المحلل السياسي صلاح الدومة تصريحات الحكومة المختلفة بالفوضى التى عمت واصفاً الحكومة بالمتشاكسة وغير المنسجمة، وأضاف الدومة بأن الشخصنة في رد الجاز على مبارك هي الاحتمال الاكبر لحمله على الرد بعدما بينت الحكومة موقفها من حديثه، وزاد الدومة بان تصريحات مبارك الفاضل تعتبر صادرة من نائب رئيس الوزراء وهي تصريحات رسمية لا يمكن نفيها بل تستدعي إقالته إذا كان موقف الدولة غير ذلك.
لكن رغما عما رسب من خلافات القديمة بين الرجلين، فغير بعيد بالمرة أن تكون تصريحات الجاز عادية جداً وفيها اجترار للموقف الحكومي، وإن صدرت عن خصم قديم.
الخرطوم: محمد أبوزيد كروم
صحيفة الصيحة