تحقيقات وتقارير

العلاقات السودانية الصينية.. (الجاز).. هل اختارت الخرطوم (الطاقات البديلة)؟!

لسنوات كانت العلاقات (السودانية ــ الصينية) تسير بـ(الجاز)؛ ولكن يبدو أن الخرطوم اختارت (الطاقات البديلة) لدفع علائقها مع بلاد التنين، وما أدّل على ذلك من غياب عوض الجاز البائن عن كواليس زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ غاو لي.

بيد أن فرضية إبعاد الجاز لمرة ثانية، بعد أولى، ذهب فيها مع كبار رجالات الصف الأول بالمؤتمر الوطني؛ قد تبدو صعبة لو عرفنا أن الرجل يمتلك أعذاراً وذرائع لعدم ظهوره في القنوات التلفازية التي اهتمت بالزيارة.

فتور
يذهب كثيرون إلى أن فتور علاقات الخرطوم وبيجين في الآونة الأخيرة، قد قاد مباشرة لتراجع الجاز الذي يشغل ــ بالمناسبة ــ منصب مبعوث الرئاسة إلى الصين والهند، بدرجة وزير في الحكومة السودانية.

ومنذ مطلع العام الجاري 2017م، اتخذت الخرطوم مكاناً غربياً، ووصلت حِبال ودها مع واشنطون، وحين تضع قدمك في الغرب، فلا يمكن أن تثبت الأخرى في الشرق، اللهم إلا اذا اردت السقوط. هكذا تقول دروس التوازن.

ولتدعيم هذا التحليل، نشير إلى حديث وزير الدولة بالمالية، د.عبد الرحمن ضرار الذي نوَّه إلى انقطاع اصحاب الياقات البيضاء في الدولة عن زيارة الصين خلال فترة مهلة أمريكية امتدت لستة أشهر لأغراض تقييم التقدم المُحرز من قبل الخرطوم في مسارات متفق عليها، وتفضي إلى رفع العقوبات الأمريكية عن السودان بشكل تام.

تأمين
لمَّا استشعرت الخرطوم، أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، قد تحرك خشبات المرمى، أمام كُراتِها الدقيقة التي تهدف لاعادة العلاقات مع بلاد العم سام لِما قبل 1997م، قلَّبت دفاترها القديمة، ووجدت في الصفحات الأول، اسم الصين مسطوراً بالنار.

ومع أن الخرطوم حازت شهادة أمريكية بنجاحها في تطبيق مسارات العلائق مع دولة جنوب السودان، ومناهضة جيش الرب. وداخلياً تم الثناء على جهدها في مكافحة الارهاب والاتجار بالبشر. إلا أن ترتيبات حكومية أمريكية قادت لتأجيل رفع العقوبات التي كانت الخرطوم موقنة بانتفائها خلال يوليو المنصرم، هذا إن لم يكن السبب ذو صلة بملف حقوق الانسان.

وبناء على ذلك؛ وصلت الخرطوم ما انقطع من ود مع الصين، مخافة القادم ــ أو قل القاتم ــ الأمريكي، ولذا جاءت زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني تشانغ غاو لي، لتخدم غرض الخرطوم في تأمين ظهرها، ومن ثم أغراض الصين التي لا تريد أن تتخلى الخرطوم عن عباءتها الحمراء، وتلبس العلم ذا الخمسين نجمة. وفي الصدد فتحت الصين خزائنها، وأعلنت تسليم السودان مبلغ (500) مليون يوان، واعفاء (160) مليون من الديون، مع جدولة المتبقي على السودان.

المال حاضر.. الجاز غائب
(اليوانات) المتدفقة في الزيارة كانت لافتة، ولكن غياب الجاز المُصنَّف ضمن أفضل عشر شخصيات اقتصادية في العالم ــ بحسب الرئيس الصيني شي جي بينغ ــ سرق الانظار، والتحاليل كذلك.

فالجاز الذي واصل ــ حسب كثيرين ــ مهامه الرئاسية رغم اعلان حكومة الوفاق الوطني مؤخراً، لكونه قد تم تعيينه قريباً، اختفى في أيام حوبته. فهل أبعدوه.. أم آثر هو الابتعاد، أم أن كلا التحليلين الأوليين خاطئ بالكُليَّة.

ولكن؛ قبل أن نجيب عن سر غياب الجاز، لنذكر أن الرجل تم ابعاده من وزارة النفط في عزِّ عنفوانه، بعدما أبدل الوطني جلده، بآخر شاب.. مؤثراً إراحة الحرس القديم، قبيل انتخابات العام 2015م. ولم يظهر الجاز للسطح الى بعد تكريمه من قِبل الرئيس الصيني، فيما بدا أنها رسالة تلقفتها الخرطوم. فسمَّته مبعوثاً لدولة التنين.

غيبة مبررة
ينظر المحلل السياسي، محمد نورين، إلى غياب الجاز عن مشاهد زيارة المسؤول الصيني الرفيع، على أنها أمر يصب في تصحيح المسار الدبلوماسي، وإعادة الملفات الدولية والاقليمية إلى أروقة الخارجية.

يقول نورين لـ”الصيحة” إن اعفاء الفريق طه عثمان الحسين، من منصبه مبعوثاً عن الرئيس إلى دول الخليج، أفضى الى مراجعة مسألة المبعوثين برمَّتها، مخافة حدوث تقاطعات وأشياء أخرى ــ رفض أن يُسمِّيها ــ فأُحيلت مسألة الخارجية لبروفيسور إبراهيم غندور وطواقمه، ليديرونها بالتنسيق التام مع مؤسسة الرئاسة.

وخَلُص نورين إلى أن كثافة اطلالة مسؤولي مؤسسة الرئاسة والخارجية أثناء زيارة المسؤول الصيني الرفيع، يدعم ما ذهب إليه من تحليل، بوضع الدبلوماسية في يد أصحابها، بعد ما طال السفر.

مسار مغاير
في اتجاه مغاير، ذهب الخبير الاقتصادي، د.الفاتح عثمان، بالقول إن الجاز كان حاضراً في الزيارة، وإن غاب عن الاطلالة الإعلامية. وبحسب رؤية الفاتح فإن الجاز قد نسَّق للزيارة، وحدَّد مواقيتها، وجداول أعمالها، ولكنه لطبيعة الاتفاقات المراد ابرامها، وربما لكرهه لوسائل الإعلام كذلك، فقد آثر الجاز في هذه المرحلة افساح المجال أمام مؤسسة الرئاسة والطواقم التنفيذية لبحث الشراكات، والتوقيع على العقود الخاصة بالاتفاقيات ذات الطابع الاقتصادي والتنموي.

أولويات
إن كان غياب الجاز عن زيارة تشانغ غاو لي، محل تساؤلات، فإن السؤال المهم عن مستقبل علاقات السودان مع الصين. لا سيما؛ وأن الولايات المتحدة على بوابة البلاد. فيما لا يزال يظن أن الصين تغلِّب مصالحها فوق كل شيء، ولذا قد آثرت العودة إلى السودان بعد ظهور الذهب، وهي التي غابت عنَّا بعدما تراجع انتاجنا النفطي، ومشتقاته بما في ذلك (الجاز).

الخرطوم: مقداد خالد
صحيفة الصيحة

‫2 تعليقات

  1. كلام عظيم وجميل وتحليل رائع ولفتة رائعة من الصحفية النابهة فاطمة مبارك.
    كانت له أجندة أخرى تتعلق بالعمل ضد الكبير لصالح نائب الكبير السابق في إطار مراكز القوى التفشيلية بالإضافة إلى تجيير المنصب لمصالحه الشخصية التي ملأت آفاق الشرق الأقصى والأدنى وتمدده تحت الدولة بعمق.
    فليذهب هو وأمثاله، حتى الآخر الذي منح إفريقيا والثالث الذي منح أمريكا.

  2. اين المسلخ واين المطار الجديد واين واين واين؟ الزيارة كلها كانت تكلفتها على الصين ما تفوت 80 مليون دولار