د.ياسر ميرغني : أكثر من “60” مصنعاً مصدقة للأدوية ويعمل منها “22” فقط!!!
عقب عودته من ماليزيا بيوم واحد، وبعد غياب لفترة طويلة عن الساحة . سجل زيارة لمقر (الصيحة) استغرقت ربع الساعة تحدث خلالها عن العديد من القضايا المتعلقة بملف الدواء، وذلك بعد ملاحقته عبر الاتصال الهاتفي الخميس الماضي.. حيث رمى دكتور (ياسر ميرغني عبدالرحمن ) الصيدلي المشهور، ومدير إدارة الأدوية بالجمعية السودانية لحماية المستهلك بالعديد من الاتهامات في مواجهة أفراد بعينهم ساهموا في تأخير توطين صناعة الأدوية محلياً، وكشف عن قصور متعمَّد أدى لتدهور الوضع الصحي بالبلاد.. طارحاً رؤى وأفكار تصحح الطريق، ومؤكداً على حماية صحة المستهلك التي أضحت قاب قوسين.. حيث فتح قلبه وتحدث بشفافية ومصداقية كعادته.
*في سياق ما ذكرته آنفاً.. اتهم بعض المستوردين جهات نافذة بالتلاعب في المبالغ المالية للدواء؟
ـ طبعا هذا الاتهام حقيقي، وبالتالي نحن نطالب مجلس الأدوية والسموم الذي يشهد اليوم رقابة لصيقة وانضباط في العمل.. نطالبه أن يظل حريصاً على كل الأموال التي خصصت للصناعة الوطنية ومراقبتها مراقبة لصيقة، كما أقول إن المُصنِّعين الوطنيين حقاً لا يتلاعبون في الأموال التي خصصت لهم، وللاسف الشديد ان التلاعب تمَّ من قِبل موظفين يعملون في البنوك التجارية مع عدد من الشركات الوهمية، وهي الان تواجه مصيرها في المحكمة، وتنتظر قرارات الحكم ضدها. بالتالي أتمنى ان تُنزَّل عليهم اقصى العقوبات، وان يتم كشفهم بالاسم، ومحاكمتهم محاكمة علنية.
*هل تعتقد أن يضمن توطين صناعة الأدوية عدم اللجوء الى استيراد أية ادوية مستقبلاً؟
ـ أُشدد على ان الاصل في الصناعة الوطنية، وعلينا ان نستورد النقص في الأدوية غير المصنعة لحين تصنيعها، وأي شيء غير ذلك بلا فائدة، ويجب ان يدخل حيز التصنيع الأدوية المنقذة للحياة، وعلاج الازمات. ويجب ان تعالج كل المشاكل، وان لا نعتبرها عقبة لايقاف التصنيع، فيجب تذليل العقبات.. من ضعف في التمويل، والمواد الخام التي تأتي من الصين والهند، من أجل النهوض بشكل سليم، بعيداً عن الترضيات والمحسوبية، أو غيرها من مدمرات النهضة الصناعية. وأرى ان التوطين هو افضل خيار لنا، وهو المخرج الوحيد في ظل شح العملات الاجنبية والإمكانات. كما انه سيضمن للمستهلك تناول ادوية طازجة.
*ما الاسباب وراء توقف عمل بعض مصانع الادوية؟
ـ هذه المصانع معطلة من قِبل اصحابها، فهناك ناس وشركات حصلوا على تصاديق لقيام مصانع منذ 27 عاماً ولم يقوموا بانشائها، وامامهم امريْن إما ان يمنحوا فترة زمنية معينة او سحب التصاديق ومنحها لاخرين جادين وملتزمين، بالتالي اطالب شخصيا وزير الاستثمار التحقيق في هذه القضية بنفسه، لاننا لم نرَ هذه المصانع تعمل، فهناك الان اكثر من 60 مصنعاً مصدقاً يعمل منها (22) مصنعاً فقط. وهذا فرق كبير جداً يثير الاستفهامات، وعلى وزارة الاستثمار الكشف عن كل الذين حصلوا على اعفاءات وامتيازات، واغتنو ثروة بلا عمل ويجب الكشف عنهم باسمائهم سواء أكانت ادوية بيطرية أم بشرية أم مستحضرات تجميل، ويجب ان يتم كشفهم بكشافات لان هذا هو الفساد الحقيقي الذي ضرب ساحة الدواء، وعلى وزارة الاستثمار ان توضح الذين اخذوا الاعفاءات والدفارات والعربات والاستثناءات الكبيرة والضخمة ولم يظهر منهم شيء، وحتى الان ما شفنا لهم شيء. وقد يكون تغير الغرض والاستثمار، وهم معروفون بالاسم لمعظم الصيادلة وللوزارة، وللكثيرين. ويجب ان نتجاوز مرحلة الفساد والتلاعب هذه.
*دخل الدواء مؤخراً حيز المزادات والغش.. ماذا تقول في هذا الخصوص؟
ـ أقول؛ الآن توجد فوضى كبيرة في توزيع الدواء.. فمنذ خمس سنوات تم عمل رخصة توزيع بواسطة وزير الصحة الولائي مع ولاية الخرطوم لاصحاب المخازن، وهي تساعد على عملية شراء الدواء، ولكن ظهر سوق و(كارتينات) وملجة لمضاربات كسر الدواء، مثله مثل كسر العربات، وتحدث الآن فوضى في شركات التوزيع.. فمن غير المعقول ان يكون لدينا (111) شركة ونستورد أدوية من الخارج!! وان يكون هناك (400) شركة توزعه داخلياً وهذه معادلة مختلة جداً جداً. ويجب ان يتم تنظيم هذا العمل العشوائي الذي اضر بالدواء، فقد فتح الباب على مصراعيه للملجة والشيكات الراجعة والتهريب والسماسرة وصيادلة في السجون فاق عددهم المئات. الامر بحاجة لدور أكبر وانتظام لمهنة الصيدلة، فهناك غياب للجهات الممثلة للصيادلة سواء أكان اتحاداً أم غيره، فيجب ان يقننوا أدوارهم.
*هل يصاحب هذا التلاعب تغيير في الديباجات؟
ـ لا يستطيعون فعل ذلك، لان الدواء هو نفس الدواء المسجل، لكن هناك تلاعب في الاسعار، وذلك ما احدث التفاوت في السعر للصنف للواحد، ونؤكد انه حان الوقت لتنظيف هذا الملف، ويجب ان تلزم الصناعة الوطنية بكتابة السعر في العبوة للمستهلك، وأي مصنع يجب الزامه بكتابة السعر المسجل في المجلس للقضاء على تعدد سعر الصنف الواحد، ويكون معروفاً ومكتوباً وواضحاً. الى جانب الزام المجلس القومي للادوية والسموم بمراقبة الشركات الكبيرة ووضعها في اطار قانوني وتنظيمها .
*هل تعتقد أن المجلس متهاون في هذا الجانب؟
ـ والله اقول إن المجلس بعد التشكيل الاخير الان يسير في الاتجاه الصحيح، ونحن كصيادلة نرى الانجاز يوماً بعد يوم. فقد فرض علينا رقابة حقيقية (شفناها بأعيننا) لم تكن موجودة في السابق، واقول هذا الحديث وانا مطمئن. كما هناك شركات عملت اعلانات وهمية في وسائل التواصل الاجتماعي الفيس بوك وغيره.. ولقد اصدرت قرارات بشأنها وغرمت غرامات كبيرة جداً، فهناك رقابة قوية ومحترمة من المجلس، وتجد منَّا التحية والاحترام، طبعا انا زول احب الانتقاد.. لكن لازم اشكر الناس البشتغلوا صاح، لانهم جاءوا بعد خراب كبير جداً جداً.. واختلاسات.. وفساد.. وقروش.. ومحاكم، فالامين العام الجديد وجد هذا الخراب والفساد، وبدأ في الاصلاحات، بالتالى نشجعهم ونضع يدنا في يدهم ونطالب بالمزيد من الانضباط.
*ما تقيمك لوضع مخازن الادوية.. هل هي مطابقة للمواصفات؟
ـ هذا كله اتت به شركات التوزيع التي تقوم بوضع الدواء على الارض معرضاً لاشعة الشمس مثله مثل البصل وبطرق غير قانونية، فشركات التوزيع تحتاج لرقابة منضبطة، فهناك شركات بسيطة جداً وتُعد على اصابع اليد هي الملتزمة من اصل(400) شركة، والباقي يعيش في فوضى عارمة والأسوأ من ذلك نجد ان ابعد شركة تبعد من الامدادات الطبية مسافة (كيلومتر واحد). وكلها تقع في منطقة واحدة، ودعيني اتساءل هل هذه المسالة صدفة؟، فهل صدفة ان تكون كل الشركات العاملة والتي تسببت في الـ(خرمجة والكسر) في الدواء ان تقع في منطقة واحدة لدرجة ان الصيادلة اطلقوا عليها اسم (النيما فارما)، فهذا الامر محير ويتم الاتفاق والكسر تحت هذه النيمة بالقرب من نادي الاسرة ولا بد أن تقنن المسألة ويتم وضعها في الاطار الصحيح، وهذا دور مشترك بين وزارة الصحة والامن الاقتصادي والجهات المختصة الاخرى لان الدواء ليس بصلصة او طحنية او شِعرية فهو سلعة ذات خصوصية بحاجة الى احترامها ووضعها في اماكن مهيأة تماماً.
*هل تعتبر الذين يلتقون تحت ظل شجرة (النيما فارما) مافيا الدواء؟
ـ طبعا؛ فهناك مافيات ظهرت جديدة مؤخراً ولا علاقة لها بالصيدلة، وانما هم عبارة عن تجار يمتلكون المال ويتاجرون في الدواء للأسف الشديد، فان صغار الصيادلة الان في السجون بسبب الشيكات المرتدة، وبسبب هؤلاء التجار.
*ننتقل بك د.ياسر لمنحى آخر.. كيف يمكن للمستهلك ان يتعرَّف على الدواء منتهي الصلاحية؟
ـ الان هناك عقوبات رادعة تنفذها حماية المستهلك تجاه هذه الادوية، والصيادلة حريصون جدا على مراقبة الاسعار وتاريخ الصلاحية والانتهاء، واقول إن الامدادات الطبية هي واجهة الحكومة في الدواء، وعليها ان تنتظم وان تواكب التطور الحاصل، وعليها مسؤولية كبيرة جداً تجاه دعم الصناعة الوطنية، وشراء منتجاتها وتوزيعها واعادة الثقة.
*طيب؛ هل يتم التخلص من الادوية منتهية الصلاحية بالطرق الصحيحة؟
ـ تتم بالطرق الصحيحة رغم البطء من الهيئة الاشرافية لنظافة الخرطوم، وهي الجهة المسؤولة عن إبادة الدواء مباشرة، فمعظم الشركات والمصانع تقوم بابلاغ الهيئة وتدفع لها الرسوم أولاً بأول، لكن الهيئة بطيئة جداً، الامر بحاجة لان تتم الابادة بشكل اسبوعي، وان تزداد وتيرة تحركهم في هذا الجانب.
*تعترض مهنة الصيادلة لمشاكل كثيرة حدثنا عنها؟
ـ طبعا هي مهنة تضارب مصالح ومهنة مليانة بالقروش، والمعروف ان القروش (وسخ) كبير، لذلك فيها مشاكل بين المستوردين والمصنعين واصحاب الشركات والموردين والصيادلة، فتضارب المصالح هو الذي اقعد المهنة، كما ان تقديم المال على الخدمة له دور سالب كبير، وهذا ما لفت انظار اللصوص والحرامية الى الصيدليات مؤخراً، لان بها مال كثير، يجب ان احترام الصيدلة كمهنة ولا داعي للخلافات، وان يراعي الصيادلة الله في المهنة، وان نخدم الانسانية بشكل محترم.
* لو كنت المسؤول ما القرارات التي سوف تتخذها؟
ـ لو كنت المسؤول.. أول شيء سأفعله سوف اتحصل على الاموال من بنك السودان، وسوف اقف على توزيعها بنفسي للمصنعين والشركات مع الزامهم بكتابة السعر مطبوعاً بحبر غير قابل للازالة، ولو كنت المسؤول سوف احضر القروش بالدولارات وأوزعها ولكني لن اتركها لموظفين يتلاعبون فيها، وهذا الامر ساهل جداً.. ولكننا لا نريد ان ننظر للخطأ.. واكتفينا بالنظر للقضية بعين واحدة فقط.. والعلاج يتمثل في ارادة وادارة التغيير.
* بعيدا عن الدواء وقريباً من الصحة.. ماذا تقول في هجرة الاطباء؟
ـ كما قلت سابقاً؛ ان المستهلك يعاني كثيراً من المسألة الطبية عموماً، لأنها غالية.. فمن الذي يحدد سعر الطبيب، ولماذا هناك تعدد في السعر مابين (30 ـ 600) جنيه، لدينا طبيب محترم اسمه ريتشاد حسن حتى الان كشفه بثلاثين جنيهاً، بينما لدينا اطباء كشفهم بـ(600) جنيه، وهناك أطباء رفضوا بطاقات التأمين الصحي لانهم يريدون النقد، وهذه اخطر القضايا، فالوضع الصحي محتاج لهزة ونفضة.. ولوزير يحترم القطاع.. ويكون من ضمن المجال مع كامل احترامي لبحر إدريس ابو قردة. لاننا نريد ان يدير ملف الصحة رجل مختص مثلما يحدث في كل العالم، بالتالي محتاجين لزول يُسعِّر الخدمات الصحية لا يتركها على العراء، فدوماً اتساءل عن الآلية التي تُسعِّر هذه الادوية، الامر الذي ادى لهجرة الاطباء فمعظمهم لم يهاجروا بسبب المال، وانما نتيجة للبيئة الطاردة، وهناك امثلة اشير اليها منهم دكتورة هالة ابوزيد، كانت مدير طوارئ مستشفى الخرطوم، وكانت قبلانة لأن تعمل بمبلغ ثلاثة الاف جنيه داخل البلاد بعد تشليع المستشفى، واغلاق الطوارئ تركت البلاد، والان تاخذ اكثر من ثلاثمائة مليون في الشهر بالخارج، ومثلها كثيرون هاجروا بسبب البيئة والوزير الطارد، فيجب اعادة تأهيل المستشفيات.. وتقييم الاطباء.
*ختاما.. الملاحظ ان هناك اتفاقاً يتم بين الأطباء ومعامل بعينها.. تعرفتهم مرتفعة ما تأثير ذلك؟
ـ والله نحن نقول ان الوضع الطبي كله يحتاج لانتظام.. فهناك معامل عشوائية واخرى تعطي نتائج غير حقيقية.. ولا توجد اية رقابة. فنحن نسعى لتوحيد معايير المعامل، بل هناك (مصرنة) ــ من مصر ــ للفحوصات العلاجية، مثل (الترا لاب والبرج والمختبر) كلها معامل مصرية ادخلت فحوصات لا علاقة لنا بها ولا نعرفها، فالآن أي سوداني يحمل ورقة فحص يقول انه مصاب بجرثومة معدة، ونحن لا يوجد عندنا فحص اسمه جرثومة معدة، وهذا تحديداً جاء من مصر، بالتالى جاء وقت تنظيم مهنة المعامل وانضباطها.
حوار: انتصار فضل الله
الصيحة