4 مقارنات بين الحاضر وما فات (4)
بالنسبة إلى جيلي، هناك مصطلحات تستخدم اليوم في محيط العائلة، لم تكن واردة في قواميسنا عندما كنا صغارا، فأنت تسمع اليوم عيال البيت، يتحدث الواحد منهم عن غرفتي وسريري ومخدتي، بينما نشأنا نحن في بيئة شيوعية، أي كانت فيها ملكية الأشياء عامة/ مشاعة، وليست مخصخصة، أي لا أحد – ربما سوى الوالد بحكم انه سي السيد – له سرير خاص، ولم يكن من السهل على أي شخص أن يعرف ان هذه المخدة أو تلك تخصه، لأنها كانت متشابهة من حيث الانبعاج وكثرة النتوءات، وما من أحد من أبناء وبنات جيلي إلا ويعاني من آلام في فقرات العنق بسبب تلك المخدات التي كانت كثيرة المطبات، ولم تكن المراتب/ الحشيات التي ننام عليها أفضل حالا من المخدات، ولهذا كان كثيرون منا يفرشون البرش أو الحصير على السرير. هذا إذا توفر السرير، وهناك فئة عربية ما زالت حية تسعى، نامت على الحصير المفروش على الأرض لسنوات طوال، وكانت أرضيات معظم البيوت »عالي وواطي«، لأن اختراع البلاط لم يكن قد وصلنا وربما وصل ولم تكن لأهلنا طاقة به.
وبالمقابل فإن عيال اليوم رفضوا في مرحلة مبكرة من أعمارهم البلاط الاسمنتي، وطالبوا بالبلاط المزايكو )موزاييكmosaic (، والموكيت بألوان معينة، ثم هاجوا وماجوا وطالبوا بأرضيات سيراميك، ونشهد اليوم بعض أفراد ذلك الجيل »يستعرون« من السيراميك، ويطالبون باستبداله بالبورسلين، وبعد سنوات قليلة قد نسمع عن فرش الأرضيات بحرير الشيفون المضغوط، هذا طبعا غير مطالبة بعض عيال هذا الزمان بأن يكون الطلاء في الغرفة بيج أو تركواز أو موف )بالنسبة لجيلي كانت وستظل هناك فقط ما اسمته أحلام مستغانمي بالألوان الحاسمة: أبيض وأسود وأحمر وأخضر وأصفر وبني وأزرق(.
عندما قيض الله لي امتلاك بيت خاص في السودان، قلت للمقاول لا أريد أي حوض استحمام )بانيو( في بيتي، لأنني استخدم الدوش فقط عند الاستحمام، وعند استلامي البيت مكتملا في جولة مع المقاول، وجدت في حمام غرفة النوم الرئيسية )طبعا حتى تسمية »غرفة نوم« غريبة على جيلي، لأن كل الغرف في بيوتنا كانت مجهزة للنوم، وحتى الغرفة المخصصة لاستقبال الضيوف كانت مزودة بأكثر من سرير أو فرش على الأرض، ما يسمح للضيوف بالنوم فيها(. المهم اكتشفت ان المقاول – وكان من أقربائي – قد زود حمام تلك الغرفة بحوض استحمام غريب التصميم وكثير النتوءات والحنفيات/ الصنابير، ولما رأى المقاول الاستياء والحيرة على وجهي، قال لي إنه رأى أن يكون لي حوض جاكوزي، وكنت اسمع بتلك الكلمة في الفنادق: جاكوزي في الطابق السابع )مثلا(، وكنت أحسب المفردة اسم دلع لطريقة لإعداد الطعام على وزن باربكيو، التي صارت تقوم مقام »الشواء«. وبعد بحث دقيق في الإنترنت عن الجاكوزي عرفت طريقة استخدامه، وفعلتها مرة واحدة وبعدها »توبة«.
وعلى سيرة الحمام، لم يكن في معظم بيوت أهلنا مكان مخصص للاستحمام، لأن البيوت لم تكن مزودة بأنابيب/ مواسير مياه، وكان البانيو هو »الطشت«، وفي عصر ما قبل البلاستيك، كان الطشت- وهو وعاء دائري أطرافه مرتفعة – يُصنع من رقائق من الحديد مطلية بالألمنيوم، وترش جسمك بالماء بعد فركه بنفس قطعة الصابون المستخدمة لغسل الملابس وأواني الطبخ )كانت إحدى طرق تخليص قدور الطبخ من الفضلات مسحها بالتراب الناعم لترشيد استهلاك الصابون(، وبعد الانتهاء من الاستحمام ترتدي ملابسك فورا لتتولى الملابس تجفيف جسمك، يعني لم تكن فوطة الحمام التي يسميها السودانيون والمصريون »بشكير« معروفة، وإلى أن كبر عيالي كانت البشاكير في البيت ملكية عامة، ولكن شيئا فشيئا صار لكل واحد منهم بشكير بألوان معينة، ويا ويلي لو استخدمت بشكير أحدهم )بسبب عمى الألوان لا أميز هذا من ذاك(، واقتنعت مؤخرا أنه من الصحيح أن يكون لكل فرد من العائلة بشكير خاص منعا لانتقال عدوى الأمراض بين أفراد العائلة، ولكنني وزوجتي ما زلنا اشتراكيين في مجال البشكير.
زاوية غائمة
جعفر عباس