“الراندوق”، لغة استحدثها المشردون في السودان، وفي عدة دول أخرى
“الراندوك” – “الراندوق”، لغة استحدثها المشردون في السودان ، وفي عدة دول أخرى.
وانتشرت منهم لفئات واسعة من الاطفال والشباب.
وحتى أن كلمات كثيرة منها ثبتت في القاموس الدارجي و أصبحت مستخدمة حتى من الأمهات والآباء.
الراندوق ليس لغة مكتملة لها أركان نحوية ، بل تعتمد في تركيبها على اللغة العربية نفسها، مع إبدال الكلمات الأساسية بكلمات رمزية.
كل 5 أعوام تقريباً يتطور الراندوق بشكل كبير، ويتغير بالكامل، في طفولتنا مثلاً كان الراندوك بدائياً، يقتصر على إبدال الكلمات برمزيات شهيرة تتقاطع معها في النطق، مثلاً (حسين خوجلي) كانت رمزية للخجل ، و (كاظم الساهر) دلالة على السهر، و فيصل العجب للدلالة إما عن الفصلة (التنازل) او الإعجاب.
مع مرور السنين شهدتُ الراندوق يتطور ويكتنز بالمفردات، مع دخول كلمات شهيرة حالياً مثل (فردة=صديق مقرب) ، و (جاحة = الحبيبة) و (اكسر الحنك= تغاضى) و (افقع = اسرق) ، و تفرعت لتشمل جوانب أخرى مثل التعاملات المالية:
حمرا = 5 جنيهات سودانية
كلب = جنيه
بقرة = 50 جنيه وهكذا..
ثم تطورت طريقة استخلاص المفردات الجديدة نفسها عبر إستخدام معادلات لغوية، سواء ب (شقلبة) الكلام وهذه معادلة بسيطة مثل:
دلو = ولد ، القوس= السوق
او معادلات مركبة شديدة التعقيد مثل الأشهر بينها في بداية الألفينات: “مفيعل فعل”
مثلاً:
محمد = محيرُمبمّد
السوق = السورُمبوق .. وهكذا
ثم تطورت لمعادلات أكثر تعقيداً وخصوصية، لدرجة أن أبناء منطقة الكلاكلة مثلاً لا يمكنهم فهم راندوك اولاد بحري ، والقادم من دارفور يأتي بمفردات جديدة و أساليب حديثة تختلف عن القادم من الدامر، بل إن في المنطقة الواحدة يمكن أن تطور كل شلة راندوكها الخاص.
وما زال الراندوك يتطور ، تنتجه الفئة التي تعاني من أسوأ ظروف في المجتمع، وينتشر للفئات الراقية المستهلكة، كرد فعل سلمي لاشعوري على استعلاء المجتمع عليهم، حسناً أنتم لا تعتبروننا جزءاً منكم؟ تباً لكم لن نتحدث لغتكم هذه .
الراندوك صرخة المستضعفين، وتعبيرهم الخجول عن رفض الثقافة التي تعتبرهم أناساً من الدرجة العاشرة. و رغم مأساوية الظرف الذي يشكله ، إلا أنه ينطوي على ملامح عبقرية، لأطفال وفاقدي سندٍ و مشردين لم ينالوا فرصة التعليم، إلا أن أدمغتهم العذراء قادرة على ابتكار شكل معقد ومتطور جداً من أشكال التواصل اللغوي المرمّز.
عقولٌ خلاقة، كانت ستضيف لنفسها وللمجتمع الكثير، لو نالت حظاً أوفر من الإهتمام المجتمعي.
بقلم
محمد خالد دوشكا