كاشا والراكبين التايوتا واللابسين السكروتا !!
أضحكتني سخرية والي النيل الأبيض عبد الحميد موسى كاشا من بعض (مناضلي) الأحزاب العلمانية واليسارية الذين شدّوا الرحال إلى الشيخ الياقوت حيث كان بعض طلاب جامعة بخت الرضا من أبناء دارفور يعتصمون رفضاً للرجوع إلى جامعتهم، فقد جاء أولئك المناضلون على ظهور الفارهات ليحرضوا الطلاب على مواصلة غضبتهم المضرية، فقال كاشا متهكّماً: (راكبين التايوتا ولابسين السكروتا ويريدون أن يضيعوا مستقبل الطلاب عشان يشتغلوا عمال في المزارع والمستشفيات والمطارات.. يريدونهم فاقد تربوي بينما أبناؤهم دكاترة ومهندسين)!
صدق كاشا فهو من أبناء دارفور، وبالتالي هو الأحرص على مصلحة طلابها من أصحاب الأجندة الشخصية والحزبية ممن يسعون دائماً إلى الصعود على أكتاف الآخرين، لا يهمهم أن فقدوا مستقبلهم أو حياتهم، أما أبناؤهم هم فإنهم ينعمون بالعيش الرغيد بعيداً عن كدر الحياة ولأوائها.
اسألوا (المرطب الأكبر) عبد الواحد محمد نور الذي يخوض بعض الطلاب السذج معاركهم (الدونكيشوتية) ضد دينهم ووطنهم وشعبهم ويقتلون رجال الشرطة ويحرقون المنشآت الجامعية ليس في جامعة بخت الرضا لوحدها بل في مختلف الجامعات السودانية انحيازًا لتوجّهاته العنصرية وأجندته الشخصية.. اسألوه أين يدرس أبناؤه المنعّمين مثله في العواصم المترفة، بل اسألوا عرمان الذي تدرس بناته في جامعات لندن ويتجولن بين ملاهيها كما صُوِّرن في الأسافير.
أقسم بالله العظيم أنه عندما حاول المتمرد خليل إبراهيم – غفر الله له – غزو أم درمان مستقوياً بأطفال صُوِّروا عند القبض عليهم بعد دحر المحاولة وعُرِضوا في نشرات أخبار التلفزيون كان بعض أولاده يدرسون في جامعة الخرطوم وقد زاملوا بعض أبنائي.
لذلك فقد صدق كاشا عندما عبّر عن أحد مشاهد القذارة في السياسة التي لا تحفل كثيرًا بقيم الصدق والطهر، وأرجو أن تعذروني إن ذكرت واقعة شخصية أخشى أن تحسبوها عليَّ لمجرد إيرادها باعتبارها تباهياً لا يليق بي .. فعندما كنتُ مديراً لتلفزيون السودان وكنا في تلك الأيام العطرات نعرض حلقات أسبوعية من برنامج (في ساحات الفداء) الذي كان يحض على الجهاد ويعرض صورًا من الملاحم البطولية التي خاضها مجاهدو كتائب الأهوال وصيف العبور والميل أربعين وجبال سندرو وجبل الملح وغير ذلك، ضد تمرّد قرنق والتي قلَّ مثيلُها في تاريخ السودان بل عبر التاريخ البشري ..أقول إنه عندما كُنا نعرض تلك الحلقات التوثيقية سعدتُ أيما سعادة عندما التحق أبنائي محمد وعبد الله وأبوبكر ومصطفى بكتائب المجاهدين لأنهم أزاحوا عن كاهلي دليل المصداقية الذي كنتُ أشعر قبلها أنني كمن يأمر الناس بالبر وينسى نفسه، حيث يحض الشباب على الجهاد بينما أبناؤه منعمون، وعندما زُّف إليَّ خبر استشهاد أبي بكر الذي كان فريداً بين إخوانه فإني بقدر ما حزنتُ كنتُ أشعر بالرضا أنه قدم المثال لما كُنا حوله ندندن دفاعاً عن هذه البلاد وقيمها وهويتها، فالحمد لله رب العالمين.
آسف أن أذكر هذه الواقعة، لكني والله حزين أن تصعد قيادات التمرّد جميعها سواء في جنوب كردفان والنيل الأزرق أو في دارفور على جماجم مواطنيهم بعد أن افتعلوا حروبهم العبثية بشعارات صنعوها بدون تفويض من أحد فلم تُسقِط نظاماً بقدر ما أرهقت وطناً وقتلت بشراً وشرّدت أُسرَا ورمت بهم في معسكرات النزوح المُذِل.
للأسف الشديد، فإن لوردات الحرب لم يكتفوا بخداع من إئتمروا بأمرهم بعد أن خدَّروهم بشعارات التحرير إنما جعلوا منهم مرتزقة يقاتلون فيقتلون ويُقتلون (بضم الياء) في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل فيا لها من حياة رخيصة تلك التي تُبذل بلا مبدأ ولا هدف، إنما من أجل حفنة دولارات، فبالله عليكم من الذي يُساءل يوم الحساب عن الذين يقتلهم متمردو مناوي وجبريل وعبد الواحد في ليبيا أو غيرها في حرب التافه العميل حفتر؟
ثم يواصلون بدون أن يطرف لهم جفن خداع طلاب صغار يجعلون منهم متمردين ليواصلوا مسيرة الموت والدماء والدموع فيا حسرتاه.
هل ألوم لوردات الحرب وحدهم أم ألوم من يجلسون في بيوتهم في انتظار أي هيعة أو اضطراب فينهضون من أسرتهم ليؤازروه قبل أن يسألوا عن حقيقة ما يؤيدون.
لن أكف عن التذكير بتلك القصة المثيرة التي حدثت بالفعل قبل نحو عام ونيف عقب إحراق الطلاب المتمردين جامعة أم درمان الأهلية والتي توفي فيها أحد الطلاب فقام (المناضلون) بنصب صيوان ضخم أمام دار والد الطالب المُتوفّى وأتوا بالساوند وكل المعينات الأخرى ثم أحالوا صيوان العزاء إلى مهرجان خطابي تبارى فيه اصحاب الحلاقيم الكبيرة من المناضلين والمناضلات بالخطب النارية حيث هدّدوا وتوعّدوا بينما كان والد المتوفى يرقب المشهد باندهاش بعد أن اختطف المناضلون العزاء وباتوا يتلقون الفاتحة على روح الفقيد، أما الوالد المسكين فقد أوشك أن يصبح من زمرة المعزّين.
الطيب مصطفى
صحيفة الصيحة