رأي ومقالات

القصة ما (نشرة).. القصة (فوضى منتشرة)!

(إن عض الكلب رجلاً فهذا ليس بخبر، الخبر هو أن يعض الرجل كلباً)، وبالارتكاز على هذه القاعدة الشهيرة في عالم الصحافة، فإن الخبر اليوم لا يتمثل في عدم بث نشرة الأخبار في تلفزيون السودان لأول مرة في تاريخه، بل يكمن الخبر في (صمود) تلفزيون السودان حتى الآن وبقائه قيد البث برغم الكوارث والمصائب العديدة التي ظل يتعرض لها خلال السنوات الأخيرة.!

صدقوني، دهشة (صمود) تلفزيون السودان واستمرارية بثه كانت أكبر بكثير وسط الناس من (صدمة) غياب نشرة الأخبار، حيث ظهر ذلك جلياً في تساؤل الكثيرين عقب مطالعتهم للخبر: (هو بالله التلفزيون دا لسه شغال)..؟…ذلك التساؤل الذي يعكس وبوضوح معضلة تلفزيوننا القومي الحقيقية، والتي تتمثل في غيابه عن اهتمامات المواطنين، وبالتالي تحوله إلى جزء من ماضيهم برغم وجوده فعلياً في حاضرهم، وذلك (حزن أعظم).!

ما يضحك في خبر توقف نشرة الأخبار عن التلفزيون القومي هو ركض عدد من المسؤولين لمباني التلفزيون للاستفسار عن ما يحدث، مطبقين بذلك أشهر قاعدة سودانية وهي (لمليم البشاتن)، حيث يصحو المسؤولون عقب وقوع الكارثة بدلاً من أن يسعوا لعلاجها قبيل وقوعها.!

جزئية عدم بث نشرة أخبار القومي قبيل أيام ليست المشكلة الأساسية، المشكلة الحقيقية تتمثل في (الإهمال) الذي تعرض له التلفزيون القومي خلال السنوات الأخيرة، والظلم الفادح الذي قوبل به العاملون داخله وحرمانهم من أبسط حقوقهم، بالإضافة إلى بيئة العمل المتردية والتي كانت تقف حجر عثرة أمام أي نجاح قد يتحقق، في الوقت الذي كانت تولد فيه من حول ذلك الجهاز الإعلامي الرسمي للدولة، العديد من الفضائيات الجديدة والتي كانت تسارع للتعاقد مع كوادر القومي المتميزة، مستغلة بذلك تعثر أوضاعهم المالية داخل القومي، وساعية بالمقابل للاستفادة من (إبداعهم المحبوس) لبناء اسمها وتشييد إمبراطورياتها التي نراها الآن.

مؤسف والله أن يكون هذا هو حال تلفزيون الدولة الرسمي، ومخجل للغاية أن يتحول ذلك الصرح الإعلامي الكبير إلى (أضحوكة) داخل قروبات الواتس آب، أما الأكثر إيلاماً فهو الصمت الذي تدثر به المسؤولون إبان تفجر مشكلات القومي خلال السنوات الأخيرة، ذلك الصمت الذي يدفعون فاتورته الآن عقب (فضيحة) عدم بث نشرة الأخبار الرئيسية، وهنا يستحضرني سؤال مهم وهو: (هل كانت نشرة الأخبار ستتوقف إذا جلس المسؤولون منذ وقت مبكر لعلاج مشكلات القومي التي انتقلت من الحوش لصفحات الصحف آنذاك)..؟

قبيل الختام:
تجاهلك لجرح بسيط على (إصبعك)، قد يكلفك (ذراعك) في المستقبل.!

شربكة أخيرة:
ياجماعة…القصة ما(نشرة)…القصة (فوضى منتشرة).!

احمد دندش
السوداني