بدون إثبات شخصية.. وبعيداً عن الأعين مبانٍ بوسط الخرطوم.. أوكار (مشبوهة) تؤجر بالساعة
كل الأمور تبدو طبيعية للوهلة الأولى.. لكن في الواقع الوضع مختلف تماماً.. مكاتب تؤجر بالساعة وأحياناً لمدة ثلاثة أيام فقط ببعض (العمارات) المنتشرة بوسط الخرطوم، دون علم أصحابها.. حتى أضحت يشار إليها بالبنان، يقصدها طلاب جامعات وخريجون وموظفين وغيرهم .. ولضمان أن تسير الأمور بشكل قانوني يتم توقيع عقد الإيجار لمدة شهر كامل، ويدفع المستأجر مقدم شهر ومثله للوكيل، وغالباً ما يكون عدد المستأجرين اثنين (فتاة ـ وولد ) أو (ولدين) يختفون بعد قضاء يوم واحد فقط بكل تفاصيله داخل المكتب ثم يذهبون بدون رجعة.. القضية قد تكون صادمة نوعاً ما، لا لشيء إلا لعامل التحايل الذي يتم تحت غطاء العمل التجاري داخل هذه المباني .. بينما تدور خلف كواليسها سلوكيات شاذة تقتضي التوقف عندها ومعرفة أسبابها وسلبياتها .
إباحية مفرطة
عندما أخبرني أحد الزملاء في المجال الصحفي، بوجود عمارات قديمة بعضها يقع غرب السوق العربي، والبعض الآخر منتشر في وسط الخرطوم تمارس بداخلها (سلوكيات غير أخلاقية) استوقفتني القضية.. فقررت (الصيحة ) إجراء تحقيق استقصائي لمعرفة صحة ما ذكر.. وأثناء رحلة البحث وبالقرب من مطعم (البحر الأحمر) التقيت أحد المواطنين اسمه (الشيخ الجزولي) وهو سمسار في مجال العقارات، وفي نفس الوقت مسؤول عن تأجير المكاتب بعمارة (… ) الواقعة غرب مول الواحة، والذي أكد صحة المعلومة وأخبرني بوجود عدد من البنايات تستغل بشكل غير قانوني، وعملية إيجار المكاتب تتم بدون إثبات شخصية وبأسماء وهمية، وهناك اتفاق مبرم بين المشرف على العمل أي (الوكيل) وقاصدي هذه المواقع، كما أن أغلب الذين يقصدونها إما لغرض قضاء أوقات ( رومانسية ) أو للتزوير، غير أنه يؤكد أن (90%) من مكاتب هذه العمارات تستغل للغرض الأول، وبحكم عمله في مجال تأجير المباني فقد لاحظ انتشار الظاهرة، وكشف عن وجود بعض من أصحاب المكاتب المستأجرين يستغلون الفتيات استغلالاً (جنسياً) ، تحت غطاء العمل التجاري ولا أحد يعلم بما يدور بداخلها، ولفت إلى أن مباني (السلوكيات) غير الأخلاقية بالخرطوم قديمة ومشهورة وأبوابها مفتوحة لاستقبال كل من يقصدها من زبائن.
الدفع بالدولار
رصدت الصيحة ما يمكن رصده لعدد من الحالات.. فبالقرب من عمارة (…) الواقعة على امتداد الشارع جنوب الجامع الكبير كانت تقف (ن ـ م ) في الثامنة عشرة من عمرها، وهي تجول بنظرها في كل الاتجاهات وتنظر إلى هاتفها، وتتحدث إلى صديقتها التي تجلس على (مسطبة) بالية أسفل المبنى، ويبدو أنها في انتظار شخص ما لكنه تأخر عن الموعد، بعد ثوانٍ أطل شاب في نهاية العشرينات تحدث إليهن ثم اتجه نحو مدخل العمارة وبرفقته (ن)، وظلت الأخرى جالسة بالقرب من بائعة الشاي اقتربت منها متسائلة عن مكتب المحامي (فلان) فكان ردها أنها لا تعرف، لكن أشارت إلى العمارة، وطلبت مني أن أسأل بداخلها وأردفت قائلة (بس أعملي حسابك)، هذا التحذير خلق علامات استفهام كثيرة.. فسألتها (من شنو) لكنها لم تُجب..
هل تعلمون أن أصحاب الشركات والأعمال التجارية الأخرى بهذه العمارة يصطادون فتيات صغيرات من الشارع ويتم استغلالهن بالاتفاق، ثم إعطائهم حفنة من المال مقابل المتعة غير الشرعية، وبعضهم يدفع بالعملة الصعبة (الدولار) هذا ما أخبرتني به بائعة (الشاي والقهوة) التي تعمل أسفل هذه العمارة المشبوهة.. وهي معروفة ومشهورة للعاملين وسط السوق العربي والإفرنجي، وتؤجر فيها المكاتب بالساعة بدون إثبات هوية وفي بعض الأحيان لمدة ثلاثة أيام مع زيادة في ثمن الإيجار، وقد تصل الساعة إلى (1500) جنيه، ونفس المبلغ يدفع للوكيل المشرف على البناية .
الصيدلي الماكر
أثناء البحث بواسطة بعض المعارف حكت لي (ش) تجربتها مع صيدلي يمتلك صيدلية وبها جانب للتجميل وإعداد الكريمات بوسط الخرطوم، حيث إنها قصدت صيدليته بغرض شراء بعض الأدوية مرتفعة الثمن، ولم تكن تمتلك المبلغ كاملاً، فطلب منها مرافقته إلى مكتبه الآخر بعمارة (…) شرق شارع الحرية، ونسبة لحاجتها للمال ذهبت معه، فقدم لها عصير برتقال وبمجرد ما تناولته حتى وشعرت بأنها في عالم آخر ثم حدث ما حدث دون تردد، تقول محدثتي إنها علمت من هذا الصيدلي أن أغلب أصحاب مكاتب هذه العمارة لديهم مكاتب أخرى للعمل التجاري، وبعضهم يأتي إلى هنا (للراحة) التي لا تكلف مبالغ كثيرة، وأنه يأتي للمكتب متى ما أتيحت له الفرصة، خرجت (ش) تحمل (كيس) العلاجات لوالدتها وتحمل معها أسرار هذا المبنى الذي يتحلق حوله عدد كبير من التجار والباعة الجائلين وغيرهم من أصحاب المحلات الذين يستغلون الطابق الأرضي لعرض بضاعتهم من أجهزة إلكترونية وثلاجات وغيرها، قالت لي إنها مصدومة لما يحدث خلف ستار المكاتب بالعمارات ذات المواقع المتميزة، وأنها كانت مضطرة لأن والدتها بحاجة لهذا الدواء الغالي الثمن حيث يصل سعره إلى (850) جنيهاً، وحتى تحصل عليه مجاناً كان لابد من مرافقة الصيدلي إلى مكتب (الراحة) كما يسميه.
مغادرة سريعة
من داخل العمارة (…) والتي تعد من أكثر العمارات إقبالاً والمجال فيها مفتوح للجميع، ولا تحكمها شروط أو قوانين وهي من البنايات التي تقع في اتجاه الغرب، أخبرنا المهندس (عمر عباس) وهو صاحب مكتب للطباعة والأعمال الهندسية بالطابق الرابع بنفس البناية، أنه لاحظ وجود حركة داخل المكتب المقاصد لمكتبه تماماً وذلك أثناء ذهابه لإحضار كوب (شاي) من سيدة تعمل بالطابق ذاته، يقول ظل هذا المكتب مغلقاً قرابة شهرين لعدم وجود مؤجر، في البداية ظن أن الرياح قد حركت (الستائر)، فحمل كوب الشاي ودخل مكتبه وترك الباب مفتوحا كعادته.. فلمح شخصين (فتاة وشاب) يخرجان بسرعه من المكتب ولم يقوما بإغلاقه جيداً، بدوره قرر تفقد الأمر فعلم ما دار بداخله من الأشياء المبعثرة بداخله، أضاف هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مثل هذه السلوكيات، فقد سبق وأن شاهد عددً من الشباب يستأجرون المكاتب لمدة شهر ولا يمكثون سوى يوم أو يومين فقط، وهي الفترة التي ينقضي فيها الغرض رغم أنهم يدفعون إيجار شهر ومقدم كامل، هذا بخلاف ثمن الشهر للمسؤول عن الإيجارات وهو الوكيل الذي يتم تعيينه من أصحاب العمارات والمباني للإشراف على مسألة الإيجارات.
فوضى وانفتاح
بالتأكيد أن هذا ليس بكل العمارات وليست كل الحالات، ولكن هذا ما تمكنا من رصده خلال جولة (الصحيفة، ومن المعلوم أن هناك مباني تطل على شارع النيل، وأخرى تقع جنوب السوق العربي ومثلها في غربه، تحدث بداخلها (كوارث) وصنفت ضمن (المباني المشبوهة) استناداً لحديث المختصين الذين استطلعتهم الصحيفة..
وفي السياق القانوني لتأجير المكاتب العقارية وصف المحامي (عماد الدين أبوبكر) هذه السلوكيات وفوضى المباني المشهورة بغير القانونية، وفيها إباحية وجرأة بالغة الحد ولغة يتحكم فيها الجسد والمال، وانفتاح مخيف من المحتمل أن يتفشى ويصيب المجتمع بخلل إضافي، وأضاف لـ(الصيحة): نسبة لاكتمال عمليات الاستئجار من الباطن، الذي يتم بعيداً عن الشروط القانونية المعروفة وفي مقدمتها (إبراز الهوية)، زائداً عدم التمسك بتوقيع عقد إيجار أصبحت بعض المباني ملاذاً للمجرمين والهاربين من تنفيذ الأحكام، وانتشار الشركات الوهمية بل هي أوكار آمنة تمارس داخلها أفعال يعاقب عليها القانون خاصة في ساعات الليل، ناهيك عن أن المخالفين الذين يتجولون بين أزقتها بحرية، وغيرها من المظاهر السالبة التي تقع تحت طائلة القانون.. والتي يتوجب محاربتها بكل الطرق لسلامة وأمن المجتمع.
قضية معقدة
وجود مبانٍ (مشبوهة) في العاصمة قضية معقدة جداً ولها أبعادها الاجتماعية السالبة، ومدعاة لتفشي ظواهر أخرى منها مثلاً (الحمل سفاحاً) وارتكاب جرائم غير أخلاقية أخرى تؤذي المجتمع بأكمله وتصرفه عن أساسيات حياته، هذا ما ذكرته الباحثة الاجتماعية (اعتماد الفادني) التي عزت الإقبال على المباني المعنية من فئة الساعين وراء إشباع الغرائز لعدم وجود منافذ يتنفسون من خلالها باطمئنان ففضلوا اللجوء إلى المكاتب المغلقة.
وترى أن القضية مشتتة المسؤولية، فلا نستطيع أن نقول هي مسؤولية المحليات، أو الأجهزة الأمنية كل على حدة، وإنما مسؤولية مجتمع بأكمله يتستر على هذه المباني التي يدرك تماماً حجم الفاحشة التي تمارس بداخلها، كما أن عدم الرقابة من ذوي الشأن وترك الأمر للسماسرة والوكلاء فيه نوع من التهاون وعدم اللا مبالاة، الأمر الذي يساهم في ظهور مبانٍ أخرى تمارس فيها المخالفات بشكل علني، ونسبة لأنها من المشوهات لابد من وضع ضوابط لها، والإعلان عنها وتحديد مواقعها، وبالتالي فرض رقابة صارمة على كل المستأجرين ومنع الشباب تحت عمر الأربعين من تأجير المكاتب بداخلها إلا لغرض تجاري بواسطة إبراز مستند تسجيل اسم تجاري ونشاط بعينه تفادياً لارتكاب المخالفات والأفعال الشاذة.
مبانٍ فقيرة
الخبير الاقتصادي (أحمد مالك ) فند أسباب تحول اتجاه بعض المباني من الهدف الأساسي الذي أنشئت له إلى أهداف أخرى، إلى عدم الإقبال عليها وتأجيرها لفترات طويلة، فعدد كبير من العمارات بوسط الخرطوم قديمة وجديدة تشهد عزوفاً عنها و(70%) من مكاتبها والشقق بداخلها خالية من المستأجرين لأن بعضها يفتقر للخدمات الأساسية من إنارة ومياه، وأغلبها إن لم تكن جلها تواجه مشاكل في (المصاعد) الكهربائية ـ بالتالي التركيز أصبح على الطابق الأرضي فقط، ويوجد عدد قليل من الأفراد يرضى بالإيجار في مكاتب تشكو بيئتها التردي، هذا كله ينعكس على اقتصاديات الوكلاء والوسطاء وحتى أصحاب العقار الذين يجدون أنفسهم أمام مطالبات العوائد والنفايات والضرائب والزكاة وغيرها، هذه العوامل مجتمعة غيرت اتجاه الفهم السائد لتأجير العقارات ذات المواقع المتميزة وسط العاصمة، وشجعت البعض لاتخاذها منفذاً يمارسون من خلالها أعمالهم دون مسالة قانونية أو ضبط من الجهات المعنية، والأمر يتطلب التقنين في الإيجار والاهتمام بمظهر المباني وبعض الضوابط الصارمة التي تعيد المسار إلى وضعه الطبيعي.
انتظار مكالمة
لم تقف رحلة التقصي عند الإفادات السابقة، فقد طرقت الصحيفة أبواب الجهة المختصة والمسؤولة عن المباني والعمارات بالخرطوم، والمعنية بضبط المخالفات والسلوكيات غير الأخلاقية بداخلها، وهي (غرفة المكاتب العقارية والشقق المفروشة) ولاية الخرطوم، توجهنا إليهم وطرحنا عدداً من التساؤلات حول عدد هذه المباني ومواقعها والدور الذي تقوم به الغرفة.. ومراقبتهم لها ونوع المخالفات التي تحدث بداخلها؟ وتحدثنا إلينا اللواء (خالد ياسين) رئيس الغرفة طالباً موعداً آخر سوف يتصل علينا لتحديده.. وما زلنا في الانتظار.. وكإثبات للوقائع والحالات فقد تداولت الصحف خلال الشهر الماضي خبرًا عن ضبط شرطة أمن المجتمع شبكة تمارس (الدعارة) في إحدى العمارات الشهيرة وسط السوق العربي الخرطوم، وحسب المعلومات فإن مباحث رئاسة أمن المجتمع كانت قد رصدت معلومة تفيد بنشاط أفراد الشبكة، وهم شباب من الجنسين المشبوهين بإحدى شقق العمارة، وبعد مراقبة العمارة المشبوهة ميدانياً تم القبض عليهم.
وفي سياق هذا، أكد مصدر شرطي للصحيفة أن عدداً من العمارات تؤجر شققها من قبل طالبات بالجامعات لممارسة (الدعارة) وتعاطي التبغ والشيشة والحبوب المخدرة.
تحقيق: إنتصار فضل الله
الصيحة
بعد هذا الإعلان المجاني والوصف الدقيق يجب التصرف بسرعة لأن هذا الإعلان والإشهار غير المقصود سيزيد الطين بلة، يجب إلزام كل صاحب عمارة بوضع كاميرات في الممرات والمدخل وتأجير المكاتب بالرقم الوطني والبطاقة القومية ورقم الهاتف وتسجيل كل داخل إلى أي عمارة في السوق العربي أو غيره من الأسواق والفنادق داخله والجهة التي يقصدها بالتحديد وتسجيل الزمن الذي قضاه بالداخل، وبهذا يقضى على الظاهرة في الأسواق على الأقل.
الأخت الأستاذة إنتصار
و أنا أنهي قراءة هذا التحقيق و هو الثاني الذي أقراءه لك خلال أسبوع، خطر على رأسي سؤال صاغه خيالي بصورة لا تخلو من الطرافة: (البت دي في زول مغالظها؟؟)
إذا أطلعت على تعليقي على المقال السابق بلا شك ستدركين السبب. و هو ما أشار اليه صاحب التعليق السابق أيضاً من كثرة التفاصيل غير الضرورية. هناك معلومات تقدم للعامة، فقط لعكس صورة عامة عن موضوع و غالبا ما تستخدم فيها الأرقام (20 عمارة، 1500 جنيه، 4 مكاتب الخ) ومعلومات تقدم لجهات الإختصاص (الحكومية) و تشمل كل التفاصيل الضرورية