الشائعة التي صدقها الجميع
إذا كانت الجهات المسؤولة سلطة تشرع القوانين، فإن الإعلام هو السلطة التي تشرع الأفكار والآراء، لذلك يجب عليه متابعة الأحداث من مصادر موثوقة وتمليك المواطن المعلومة الصحيحة، بجانب المساهمة في توعيتهم بعدم تصديق شائعات لا توافق الواقع إذا ما قاسها المتلقي بعقله وليس بهذه السذاجة، وجلنا يعلم هذه الأيام ما تتداوله مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة حول شائعة الاختطاف لهدف يعلمه صانعوها، وبالفعل أفلحوا في نشرها بطرق متنوعة لكسب ثقة الجمهور والتأثير على آرائهم وأفكارهم.
ومن هذه الشائعات أكذوبة (تجارة الأعضاء) التي صدقها الجميع، مستغلين وسائل التواصل التي بدورها تعتبر إعلاما موازيا للإعلام الرسمي، علما بأنها مستقلة ولا تحمل صفة رسمية، ولكن تمثل صوت الشعب، وحدود حرياتها تتعدى حدود السماء، فكل مستخدم لها يعطي ذاته الحق الكامل في التطاول على الجهات الرسمية وغيرها.
ومن المؤسف حقا أن معظم مستخدمي هذه الوسائل استطاعوا أن يصنعوا منها آلة تعمل لإقناع المتلقين من جميع الفئات لما يروجون له من شائعات لا تمت للواقع بصلة، ويجزمون بأنهم يكتشفون حقائق لم يسبقهم إليها أحد، وبالمقابل تحرت معظم وسائل الإعلام بأنواعها ونشرت عشرات الأخبار والتقارير بشفافية عالية لتمليك المواطن المعلومة الحقيقية من موقع الحدث، بجانب تصريحات الجهات المعنية عقب تكريس جهدها للبحث عن الحقائق، ولكن لن يغير قناعة الناس بما رسخ في عقولهم جراء ما شاهدوا وسمعوا عبر مواقع التواصل المختلفة، لذلك على الإعلام الرسمي دور كبير في توعية المواطن بواسطة استضافة أطباء مختصين في الشأن وشرح كيفية نقل الأعضاء وزراعتها واستحالة تنفيذها في بلد تفتقر لأبسط مقومات هذا النوع من الجراحة التي يعاني فيها كثيرون عندما يقرر لهم عمليات بالخصوص، ليتها كانت بهذه البساطة حتى لا يسافر المئات إلى دول الجوار لزراعة عضو ما.
حسب إفادة الشرطة وهي الجهة المنوط بها بسط الأمن بين المواطنين وتمليكهم الحقائق، صرحت عدة مرات بأن ما يتم تداوله عبر الوسائط جله محض إشاعات والقصد منها زعزعة الأمن وترويع المواطنين، وأكدوا أنهم سيلاحقون مصادرها أينما كانوا، وحقا يجب ملاحقتهم ثم معاقبتهم وفق القانون، نحن بلد مساحته متداخلة مع دول الجوار وتتنوع فيه السحنات والقبائل، بالإضافة إلى التدفقات الأجنبية، بالتالي يجب الحذر من بث الشائعات حتى لا تشعل الفتن وتوقد ناراً يتعثر إطفاؤها، ونحن رغم الضائقة المعيشية وما تمر به البلاد من أزمات يكفينا نعمة الأمن التي نتمتع بها، ولا يستطيع أحد نكرانها، والخرطوم من أأمن العواصم وما يحدث من قبل بعض المتفلتين.
والمعلوم أن الأمن المطلق لا يوجد في كل العالم، جميعنا يسير في طرقاتها مطمئنا حتى الأجانب وجدوا ما لا يجدونه في أوطانهم، إذاً ما يدور في ساحات مواقع التواصل الاجتماعي شائعات ليس إلا. أما القضايا التي تشغل بال الراي العام حالياً، فهي من الجرائم الجنائية التي لا علاقة لها بتجارة الأعضاء، وقطعاً ستكشف الشرطة عن ملامحها حال وصولهم لحقيقة الأمر وسينال المجرمون عقابهم فوراً.
ما سبق ذكره لا يعني أننا ندعو لمقاطعة وسائل التواصل، بل ندعو إلى التريث وفق المفهوم العميق دون السطحي حتى نميز بين الحقيقة والخداع.
خالدة ود المدني _ صحيفة اليوم التالي