تحقيقات وتقارير

متضررو مستشفى مكة.. التعويضات لم تغلق الملف

قبل نحو خمسة أشهر فقد (34) مريضاً بمستشفى مكة للعيون بصرهم بسبب تلوث باكتيري صاحب عمليات حقن الشبكية، الحادثة وجدت رواجاً كبيراً في الوسائط الرسمية والشعبية، وشكلت وزارة الصحة لجنة للتحقيق أدانت المستشفى بتهمة الإهمال، وأمهلت الأطباء المعالجين للحالات ثلاثة أشهر لرفع تقارير نهائية بالحالات ووضعها الآخير.. انتهت المدة وزادت عليها شهرين ولم تتحسن أحوال المرضى، في تلك الأثناء أسدلت وزارة الصحة الستار على القضية كما هي بإعلانها عبر مؤتمر صحفي إلزام المستشفى بدفع تعويضات للمتضررين بقيمة (4.5 مليار جنيه)، الوزارة قالت إن التعويض سيشمل ( 16) من جملة الـ(34)، لكن يبدو أن المعيار الذي تم به إختيار الحالات لم يكن دقيقاً – حسب البعض -ففي جولة لـ(السوداني)، أمس على بعض الحالات المتضررة تبين أن عدد مقدر منهم لم يتم الاتصال به بشأن التعويض، ولم ينفِ المستشفى ذلك الوضع، وقال ناطقها الرسمي لـ(السوداني): “إن أي متضرر لم يتواصل معه المستشفى عليه الحضور للمطالبة بحقه”.

العم ربيع قبل أن يُجري حقن الشبكية كان نظره جيد جداً، أما بعدها فقد بصره تماماً ولا حتى بصيص، هكذا اختصر الابن نادر ربيع حالة والده، وأضاف أن الحديث عن تحسُن في الحالات لا أساس له من الصحة، فوالده من سيئ للأسوأ. ولفت نادر في حديثه لـ(السوداني) إن المستشفى رفض منحهم تقرير حالة والدهم حتى يتمكنوا من الذهاب به لاختصاصي آخر. ويتساءل نادر: “لماذا يُخفي المستشفى تقارير الحالات وما المصلحة في ذلك؟”، أما فيما يختص بالتعويض الذي أعلنت عنه وزارة الصحة مؤخراً، يقول نادر إنه لم يسمع به إلا عبر الإعلام ولم تتصل بهم أي جهة لتوضيح الأمر إذا ما كان سيشملهم أم لا، وفي حال لم يشملهم كيف تُحسم قضية العم ربيع وما هو حلها، ورغم أن الابن أكد على أن والده لن يقبل تعويضاً عما فقده، لكنه عاد ليُعاتب المستشفى ويستنكر عليها تجاهل حالة والده التي قال إنها لم يطرأ عليها أي تحسُن رغم مرور ذلك الوقت الطويل عليها.
ولا حتى بصيص أمل
يبدو أن التعويضات التي أعلنت عنها وزارة الصحة والتي حُددت بـ”4.5 مليار جنيه”، لـ(16) حالة، ليست مُقنعة للمرضى وذلك يُدلل عليه حديث والد محمد مكاوي من الحالات التي فقدت بصرها عقب إجراء الحقن بمستشفى مكه، قال إنه ذهب بابنه للقاهرة في رحلة استشفاء استمرت قرابة الشهر في أمل أن يعود فقط بصره كما كان، لكن بلا جدوى. فبحسب مكاوي فإن أطباء العيون بالقاهرة أجمعوا على استحالة أن يعود بصر محمد مرة أخرى، وكل العلاجات كانت لتخفيف الألم والصداع ونجحوا فيها لكن استعصت عليهم إعادة نور بصره مرة أخرى. ويضيف مكاوي لـ(السوداني) إن مستشفى مكة اتصل بهم وطلب حضورهم لأجل التعويض لكن لظروف خاصة لم يتمكن من الذهاب، لافتاً إلى أن التعويض المقرر منحه لهم والمُقدر بـ(250 ألف جنيه) للحالة، قد صرفوا أضعافه في رحلة البحث عن العلاج داخل وخارج السودان.
مستشفى مكة يُدافع
رفضت إدارة مستشفى مكة أي حديث حول المبالغ التي حُددت للتعويض وما إذا كانت قليلة أو لا توازي حجم الضرر، مؤكدة على أن وضعها تم على أساس ديني ومرجعية شرعية وقانونية، إضافة لوجود نوعين من التعويض أحدهم كامل والآخر جزئي. وقال مدير الإعلام بالمؤسسة حامد أبوبكر لـ(السوداني) إن تسليم المبالغ للمجموعة المتضررة سيتم عبر برمجة محددة وضعتها الجهة المختصة ولكن جميعهم تم التواصل معهم وعلى علم بتطورات الأوضاع، ونفى تقصير مؤسسته في الوصول لكافة المتضررين، وطالب كل المتضررين الذين لم تتواصل معهم المؤسسة للحضور للمستشفى للمطالبة، وقال إن ذلك العمل تم بدقة لأن الفترة الماضية شهدت بعض ممن لا علاقة لهم بالموضوع ليأتوا ويقولوا إنهم ضمن المتضررين مستحقي التعويض. ومضى أبوبكر في حديثه إلى أنه إلى الآن لا يوجد رفض صريح للتعويضات، وأن المرضى مُستسلمون للأمر بأنه قضاء وقدر.
وزارة الصحة والعقار
المؤتمر الصحفي لوزير الصحة ولاية الخرطوم، الذي استعرض فيه نتائج التحقيق النهائية لحادثة مستشفى مكة، قبل نحو عشرة أيام، حدد فيه مبالغ التعويضات، وألقى فيه مستشفى مكة باللائمة على الإعلام واعتبره السبب الرئيس وراء عزوف المرضى عن المستشفى خاصة مرضى اعتلال الشبكية، وهاجم رئيس قسم شبكية العين بمستشفى مكة د.أبوبكر عبد الله الإعلام اعتبره السبب الرئيس لعزوف المرضى عن العلاج وكشف عن ربكة وصفها بالكبيرة حدثت بعد الإصابة، في ذات وقت حذر وزير الصحة مأمون حميدة مرضى اعتلال الشبكية من مغبة عدم استخدام عقار الافاستين الذي بات مصدر رعب بالنسبة لهم ولا يقبلون العلاج به، مؤكداً أن عدم استخدامه يعرضهم للعمى الكامل، وفي السياق هدد حميدة بإغلاق أي مستشفى خاص يتسبب في ضرر المواطن وشدد على تطبيق القانون ومتابعة المستشفيات وتفتيشها، واعتبر ما حدث عادياً مقارنة بما يحدث وكان يمكن أن يمر بلا تضخيم، وتابع: “الحملة العكسية التي قامت بها الصحف انعكست سلباً على مرضى الشبكية وذلك لانقطاع بعضهم ورفض آخرين للحقن بالعقار، حتى أن بعض الشركات باتت لا تستورده”.

الخرطوم: تسنيم عبد السيد
السوداني