الصادق الرزيقي

هل للحكومة أوراقها؟..

إذا لا قدر الله صدر القرار المرتقب, وقرر البيت الأبيض – وهذا متوقع وغير مستبعد- عدم رفع العقوبات عن السودان أو تمديد المهلة لستة أشهر أخرى أو العودة إلى المربع الأول,

فهل لدى السودان تدابيره ويمتلك بعض أوراق اللعبة؟ الإجابة ليست عسيرة بالطبع كما أنها ليست صعبة. فعالم اليوم يختلف تماماً عن العالم ما قبل مجيء ترامب, ظروف المنطقة والإقليم ما عادت كما كانت, وأصبح اللعب على المكشوف, بينما تضاءلت الفرص في جانبين, ضاق هامش المناورة في الساحة الدولية, كما أن فرص المواجهة والصدامات أيضاً لم تعد لعبة الكبار المأمونة في حال وجود حلفاء دوليين أقوياء.

> للسودان مهما كان بعض الأوراق التي يمكن أن يلعب بها وهي أهم ملف دولي يشغل العالم ويؤرق مضاجعه وهو ملف الإرهاب, ولعبت الخرطوم دوراً بارزاً خلال الفترة الماضية في الحرب على الإرهاب, ولم يتقدم الحوار في عهد الإدارة الديمقراطية السابقة في عهد باراك أوباما, أو في عهد الجمهوريين خلال فترة الرئيس جورج بوش الابن, لولا الكفاءة ومقدار وحجم وأهمية المخزون الهائل والمفيد من المعلومات حول الإرهاب التي يمتلكها السودان وكانت أساساً للتعاون مع مخابرات دولية وبينها المخابرات المركزية الأمريكية، وبها تم تمهيد الطريق للحوار السياسي الذي قاد الجميع إلى إصدار البيت الأبيض في عهد أوباما بإلغاء الأمرين التنفيذيين اللذين بموجبهما تم فرض العقوبات الأمريكية الأحادية على السودان.

> هذا الملف والتعاون البناء وقيمته الفعلية العالية, هي أهم الكروت التي بيد الخرطوم, ولا تستطيع جهة أن تجبرها على التعاون والتنسيق لاحتواء ظاهرة الإرهاب والحد منها, وتعلم المخابرات المركزية الأمريكية خطورة وأهمية ما لدى الخرطوم من معلومات في هذا المجال, وأكثر من مرة تمت الإشارة أمريكياً أنه لا يوجد جهاز مخابرات في المنطقة لديه ذخيرة حقيقية من المعلومات مثلما للمخابرات السودانية, وأكثر من مرة أيضاً تمت الإشارة ثم جاءت تصريحاً لا تلميحاً في عديد من المرات أن المعلومات السودانية أسهمت بشكل مباشر في إفشال كثير من العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف دولاً غربية سواء أكانت عمليات منسقة ومنظمة تقوم بها جماعات متطرفة أو عمليات ذئاب منفردة نجحت المخابرات السودانية في معرفتها والتنبيه لها في الوقت المناسب.
> وهنا لا نتحدث عن مساومة, لكن في أقل التقديرات والقراءات حول الموقف الرسمي لواشنطن وتشابكاته السياسية وتقاطعاته, أن الدوائر المعنية بالأمن القومي الأمريكي تعلم ماذا يعني توقف الخرطوم من التواصل والتنسيق والتعاون في مجال الإرهاب الذي يهدد الأمن القومي الأمريكي ومصالح أمريكية في طول العالم وعرضه.

> الشيء الآخر إن الفترة الماضية شهدت تراجعاً في الدور الأمريكي في المنطقة إفريقياً وعربياً, وتوجد أزمات بالغة التعقيد مثل الوضع في دولة جنوب السودان ومنطقة البحيرات العظمى خاصة في شرق الكونغو وبورندي وفي الصومال وليبيا وظاهرة الاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية, ولاتزال الأوضاع هشة في إفريقيا الوسطى, وكانت هناك تفاهمات سودانية أمريكية حول بعض هذه القضايا والمسائل الحساسة, وظلت واشنطن تتعامل مع السودان وفق هذه التفاهمات على أنه لاعب رئيس يستطيع أن يسهم بفاعلية وإيجابية في حل قضايا الإقليم, ففي جنوب السودان بالرغم من أن الموقف الأمريكي في فترات الأزمة الجنوبية الأولى كان حذراً وغير قادر على هضم واستيعاب أهمية الدور السوداني في وضع حل للحرب الجنوبية, إلا أن واشنطن تراجعت وعادت إلى تنسيق جهودها مع الخرطوم للمساعدة في تهدئة الأوضاع في الدولة الوليدة.

> كذلك الوضع في العالم العربي, فيما أن السودان في محيطه الإفريقي واحة للسلام والأمن ودولة قوية ونظام حكم مستقر وقادر على مواجهة صعابه وإنتاج نفسه من جديد في كل مرحلة, فإن السودان عربياً بات يلعب أدواراً أهم من حلفاء رئيسيين في المنطقة، ولديه من الحكمة وبُعد النظر ما يؤهله للقيام بأدوار تساعد على وضع حد للتوترات والنزاعات العربية, ولا تخطئ واشنطن في ذلك وهي ترى حالة السيولة التي ضربت المنطقة العربية وتراقب السودان كيف أنه البلد الذي كان مرشحاً للانهيار والسقوط، هو الأكثر رسوخاً بإقدامه على الأرض وانهارت أنظمة كانت تتعاون مع واشنطن لإسقاط الحكم القائم في السودان.

> نحن هنا لا نقول إن الحكومة يمكن أن تتراجع عن التزاماتها أو تتخلى عن المحاور الخمس التي اتفقت فيها مع مؤسسات الإدارة الأمريكية، فتلك موضوعات تم الاتفاق عليها وفيها مصلحة للسودان أولاً, لكن في نفس الوقت لا يمكن للخرطوم مهما كان أن تقابل الإساءة إليها بالإحسان, أو تدير خدها الأيمن لمن يصفعها على خدها الأيسر.. وللصبر حدود.. لقد صبرنا على العقوبات والحصار الاقتصادي عقدين كاملين, فلا يمكن أن نقبع في قبوه مرة أخرى ولعشرين سنة قادمة!.

الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة