– على أي حال يمكن أن ترسو سفينة التكهنات، وعلى أي الزوايا يمكن النظر إلى دفتر التوقعات بشأن ملف رفع العقوبات الأمريكية عن البلاد عقب انتهاء فترة الستة أشهر الممنوحة للخرطوم منذ إعلانها في يناير الماضي..
مؤشرات إيجابية عديدة دفعت بها جهات ذات صلة أدت إلى خلق نظرة متفائلة حيال ما يمكن أن تتخذه واشنطن من قرار عقب تقدم ملموس اتخذته الخرطوم على أصعدة المسارات الخمسة. إلا ان تقريراً هاما دفعت به مجموعة الأزمات الدولية مؤخرا، لفت إلى ان المقياس الذي تخطط الولايات المتحدة لاستخدامه في هذا التصميم, قد ترك غامضا عمدا، ليس من الواضح مقدار التقدم الذي يجب على الخرطوم إحرازه أو ما إذا كان التقييم سيكون شاملا أو يتطلب الحد الأدنى من التقدم على كل مسار على حدة. وهذا يوفر للإدارة الأمريكية المرونة , وسيجعل بالمقابل، حتما، قرارها هدفا لانتقادات من جانب أو آخر. وأشار معدو التقرير إلى أنه حتى كتابة هذه السطور، كانت الإدارة الأمريكية في خضم استعراض مشترك مع الوكالات لتقييم التقدم على المسارات الخمسة. ومن المتوقع أن تكون النتيجة النهائية تقريرا عاما، مع مرفقات سرية، و قرارا رفيع المستوى بشأن رفع الجزاءات بشكل دائم.
ساعة الصفر
أقر تقرير حديث دفعت به مجموعة الأزمات الدولية ، أن اتخاذ قرار بشأن العقوبات المفروضة على السودان، بحلول 12 يوليو،2017 يعد خيارا ليس …… ،إذ يجب على إدارة ترامب أن تقرر ما إذا كانت سترفع العقوبات الاقتصادية والتجارية التي علقها سلفه في يناير الماضي. واعترف التقرير أن الحكومة السودانية قطعت طريقا نحو الوفاء بمعايير الولايات المتحدة لتخفيف العقوبات, إلا انه لفت إلى أن تقدمها، ولا سيما فيما يتعلق بوصول الغوث الإنساني ووقف الأعمال العدائية في صراعاتها الداخلية، هو في أحسن الأحوال، جزئياً، إلا ان التقرير حذر من أن عدم رفعها قد يؤدي إلى تقويض التقدم المحرز وعدم تشجيع التعاون بين البلدين. وفي المقابل، أشار الى أن رفع العقوبات هو أفضل الخيارات، لا سيما إذا اقترن بإشارات واضحة بأن هناك حاجة أكثر بكثير إلى أن تفلت الحكومة من الجزاءات التي ستظل سارية، والحصول على تخفيف ديونها. كما يجب على الولايات المتحدة أن توضح أنها على استعداد لفرض عقوبات مالية جديدة مستهدفة إذا ما تراجعت الخرطوم عن التزاماتها”.
اختبارات
بعد مناقشات مكثفة داخل إدارة أوباما، قررت واشنطن ابتداء من عام 2015 اختبار ما إذا كان إشراك الخرطوم من خلال سلسلة من المحادثات الثنائية يمكن أن يؤدي إلى طريق متفق عليه نحو إلغاء العقوبات, بناء على خطوات سودانية محددة فصلها التقرير الذي صدر في 22 من يونيو 2017م. وأبان ان الدافع وراء خطوة واشنطن ، برفعها جزئيًا ، هو الرغبة في ضمان استمرار التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، لكنها طالبت بتحولات في مناطق أخرى أيضا. وفي يونيو 2016، اتفق الجانبان على خارطة طريق تستتبع سلسلة من الخطوات وعملية لتقييم ما إذا كانت قد اتخذت. وأظهرت النتائج الأولية في يناير 2017 ، حسب مجموعة الأزمات الدولية،”التقدم المطرد الذي أحرزته الحكومة السودانية على عدة جبهات، بما في ذلك انخفاض ملحوظ في النشاط العسكري الهجومي، والتعهد بالحفاظ على وقف الأعمال العدائية في مناطق الصراع في السودان، والخطوات المتخذة نحو تحسين وصول المساعدات الإنسانية في جميع أنحاء السودان، والتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب ومعالجة الصراعات الإقليمية”، بناءً على ذلك أصدر الرئيس أوباما قراراً بإلغاء الأجزاء الرئيسة من العقوبات وفي الوقت نفسه، أرجأ قرار رفع هذه الجزاءات نهائيا إلى يوليو الجاري, لإتاحة المزيد من الوقت لاختبار ما إذا كان تخفيفها سيعزز التحسين المستمر. وحسب التقرير “ظلت العقوبات الهامة المتعلقة بدارفور دون انقطاع كما هو الحال بالنسبة لتسمية السودان كدولة راعية للإرهاب وعقوبات الكونغرس التي فرضها قانون سلام السودان لعام 2002 والذى يتضمن حظراً على الدعم الأمريكي الحاسم لتخفيف الديون”.
مشاركة حذرة
وبحلول عام 2015، وبعد عقود من العلاقات المتبادلة والمعارضة، اختارت الولايات المتحدة استراتيجية مشاركة حذرة. وبفضل سلسلة من الاجتماعات الثنائية رفيعة المستوى، أوضح الجانبان الخطوات التي ستتخذها الخرطوم. وبلغ ذروته في إعلان الولايات المتحدة الصادر في 13 يناير 2017 رفعها مؤقتاً بعض الجزاءات المحددة استنادا إلى الإجراءات الإيجابية التي اتخذت خلال الأشهر الستة السابقة، وسيلغيها نهائياً إذا استمر التقدم على مدى الأشهر الستة اللاحقة. وقد أدرجت خمسة مسارات يمكن أن تقاس بها أوجه التقدم: التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والتصدي لتهديد جيش الرب للمقاومة، إنهاء القتال في “المنطقتين” (جنوب كردفان والنيل الأزرق) ودارفور، تحسين وصول المساعدات الإنسانية، وإنهاء التدخل السلبي في جنوب السودان. وأشار التقرير إلى ان هذا الاتفاق “قد كسر طريقا مسدودا نشأت من انعدام الثقة المتبادل، وهو شكوك واشنطن العميقة في أن سلوك الخرطوم سيتغير باستمرار، والشكوك العميقة التي تساور السودان من أن الولايات المتحدة سوف تكون راضية في أي وقت مضى إذا فعلت ذلك”.ولفت إلى ان معايير الحصول على درجة النجاح مفتوحة للتفسير، مما يعطي الإدارة في الوقت نفسه بعض الفرضية ويضمن قراراً متنازعاً عليه بشدة بغض النظر عن مكان انتهائه. وأشار الى أن المسار الأول هو الأوضح لتعاون السودان لسنوات مع الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب، ومعظمها من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية .وبشأن جيش الرب للمقاومة، الذي أصبح الآن قوة متضائلة، بدا تعاون السودان مع جهود مكافحة التمرد المدعومة من قبل الولايات المتحدة واضحا أو على الأقل لا يعوقها. كما امتنعت الخرطوم تماماً، تقريباً ،عن توجيه دعم عسكري كبير إلى الجماعات المسلحة التي تقاتل حكومة جنوب السودان.
واستناداً إلى التقرير، تثور تساؤلات بشأن المسارين المتبقيين – الحروب الداخلية للسودان, ووصول الغوث الإنساني. ومن المرجح أن يخلص معظم المراقبين إلى أن الخرطوم قد أحرزت فيها بعض التقدم. وعلى مدى الأشهر الستة الماضية، لم تشن الحكومة أي هجوم عسكري جديد في المنطقتين أو دارفور، وقد حافظت إلى حد كبير على وقف إطلاق النار من جانب واحد. ومع ذلك، لا يزال انعدام الأمن والعنف قائماً في كلا المنطقتين. أما بخصوص وصول المساعدات الإنسانية، أقر التقرير أن الحكومة، تعاونت مع المنظمات الدولية، لكنه بعيد عن الوصول غير المقيد الذي تريده واشنطن .وأقر التقرير, أن فعالية العقوبات الاقتصادية في عزل السودان مشكوك فيها. وهذا يفضي إلى دعوة حكيمة صعبة تثير تساؤلاً حول “هل سيؤدي إلغاء العقوبات إلى تشجيع التقدم”، وأقر ايضا ان هناك تردداً مفهوماً لاتخاذ هذه الخطوة. ومع ذلك سيكون من الخطأ وقف هذه العملية في مساراتها. ويوضح سجل السنوات العديدة الماضية لماذا اختارت الولايات المتحدة اختبار مسار المشاركة المتعمدة والمشروطة، ولماذا لا تزال وتستحق المتابعة إلى اليوم. إن الخطوات التي اتخذتها الخرطوم حقيقية ومعقولة تماما. إن فعالية العقوبات الاقتصادية في عزل السودان أمر مشكوك فيه، خاصة بعد أن تحسنت العلاقات مع جيرانه المباشرين، مع دول الخليج العربي ومع أوروبا، مقابل تخفيض كبير في علاقاته مع طهران. لكن أقوى حجة لإلغاء العقوبات تدور حول ما سيحدث إذا اختارت الولايات المتحدة عدم ذلك. مع بعض المبررات، تعتقد الخرطوم وحلفاؤها الإقليميون, أن واشنطن لديها تاريخ حافل بتحرك الأهداف في إصدار المطالب, فإن قرار إعادة فرض الجزاءات سيزيد من تأكيد ذلك، مما يثبط أية خطوات مقبلة ويعرض تلك التي اتخذت بالفعل للخطر. والأسوأ من ذلك أنه قد يدعم الحجة في الخرطوم بأن ضبط النفس لم يؤت أكله.وأشار التقرير إلى ان البعض قد دافع عن خيار بديل, وهو تعليق الجزاءات لمدة ستة أشهر أخرى، مما يشير إلى عدم الرضا عن الخرطوم، ويأمل في أن تظل قادرة على الوفاء بالشروط المطلوبة. والحل التوفيقي له ميزة، لكنه سيكون نصف التدبير، كما هو الحال في كل تدابير النصف، لا يرضي أحدًا تمامًا. فالبعض يجادل أن السودان ما زال يكافأ، وآخرون يرون أن الولايات المتحدة تخرق كلمتها مرة أخرى. فبدلاً من إعطاء العملية زخما إضافيا وتمهيد السبيل أمام مجموعة أكثر طموحا من المعايير، فإن ذلك سيؤدي إلى إدامة الوضع الراهن غير الملائم.
مصالح واشنطن
ويرى معدو التقرير, أن إلغاء العقوبات يعطي الولايات المتحدة فرصاً خاصة بمصالحها الاقتصادية والسياسية في البلاد. وبالمقابل هناك الكثير الذي يريد السودان أن يحصل عليه ، مثل عودة سفير الولايات المتحدة إلى الخرطوم، وإزالة البلد من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وموافقة واشنطن على تخفيف عبء الديون الخارجية. وكي يحقق السودان هذه الأهداف، قد توحي للولايات المتحدة أن الخرطوم بحاجة إلى القيام بأكثر من ذلك بكثير (بما في ذلك إمكانية وصول المساعدات الإنسانية التي لا يمكن التحقق منها، والجهود الحميدة لإنهاء النزاعات في المنطقتين ودارفور)، واشنطن سوف تكافئ على ذلك بشكل أفضل. ويشير هؤلاء إلى انه “حال تراجع النظام عن الخطوات التي اتخذها، يمكن للولايات المتحدة أن تفعل أكثر من مجرد إعادة فرض العقوبات المعلقة، فإنه يمكن أن تضع عقوبات مالية أكثر فعالية وموجهة، من التي يدعو إليها البعض”.ولا توجد ضمانات بأن هذا النهج سيعمل. وفي أفضل الأحوال، فإن اتخاذ قرار لرفع الجزاءات لن يكون إلا الخطوة الأولى والجزئية على طريق أطول بكثير. لكن العقوبات لم تكن تنتج تأثيرها المقصود، وأضرت بشكل غير متناسب بالسودانيين.
الانتباهة