تحقيقات وتقاريرعالمية

السيسي في ألمانيا – المصالح الاقتصادية في مواجهة حقوق الإنسان!

في الزيارة الثانية للسيسي إلى ألمانيا ولقائه مع ميركل، تتجه الأنظار إلى المكانة التي سيحظى بها ملف حقوق الإنسان والمجتمع المدني في المباحثات الألمانية المصرية بعد تبني القاهرة قانون المنظمات الأهلية المثير للجدل.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وصل ألمانيا على رأس وفد رفيع المستوى في زيارة تستغرق بضعة أيام يشارك خلالها في قمة مجموعة العشرين للشراكة مع أفريقيا والتي تعقد تحت شعار “الاستثمار في مستقبل مشترك”.

وحسب مصادر مصرية يفترض أن يعقد الرئيس السيسي مباحثات ثنائية مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل وعدد من الوزراء الألمان على رأسهم وزير الخارجية زيغمار غابرييل، بالإضافة إلى زعيم الكتلة البرلمانية للاتحاد المسيحي فولكر كاودر، وذلك لمناقشة سبل تطوير العلاقات بين البلدين على مختلف المستويات. كما يلتقى السيسي مع عددا من الشخصيات والمسؤولين الألمان المعنيين بالشؤون الاقتصادية، ومنهم وزيرة الاقتصاد والطاقة ووزير التعاون الاقتصادي والتنمية ومجموعة من رؤساء كبرى الشركات الألمانية.

وفي الوقت الذي أكد فيه السيسي حرص بلاده على مواجهة كافة التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تواجهها وتلقي بظلالها على الاقتصاد المصري، دعت وزيرة الاقتصاد الألمانية بريغيته تسيبريز مصر إلى تعزيز سيادة القانون وإتاحة المزيد من الحريات الدينية إذا كانت تريد جذب الاستثمارالأجنبي.

وأضافت تسيبريز “الأمن وحده لا يدعم مجتمعا مزدهرا ونابضا بالحياة”. وتابعت “نعتقد أن الاستقرار والنمو يجب أن يرتبطا بمجتمع منفتح وحوار منفتح وبسيادة القانون والتعددية الدينية”.

وتأتي هذه المباحثات بعد وقت قصير من زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسعودية والقمة التي شارك فيها أيضا السيسي، وفي ظل تبني القاهرة قانونا مثيرا للجدل ينظم عمل منظمات المجتمع المدني، فهل تتطغى مواضيع كمحاربة الهجرة غير الشرعية والمصالح الاقتصادية على ملف حقوق الإنسان في مصر خلال المباحثات في برلين؟

المصالح الاقتصادية أولا؟

يشهد الاقتصاد المصري صعوبات كبيرة في الوقت الذي تعيش فيه البلاد موجة اضطرابات سياسية وعنف منذ عزل الرئيس الأسبق حسني مبارك عام 2011. ولفت السيسي في برلين إلى أن الحكومة شرعت في تنفيذ برنامج شامل للإصلاح الاقتصادي، يهدف إلى معالجة التحديات الهيكلية والمالية، وجذب مزيد من الاستثمار، وأكد حرص الحكومة المصرية على تعزيز دور القطاع الخاص والانفتاح على العالم الخارجي، بما يساهم في إحداث تنمية شاملة وحقيقية لرفع معدلات التشغيل وزيادة معدلات النمو والتصدير.

وحسب تسيبريز فإن حجم التجارة السنوية بين مصر وألمانيا يبلغ 5.5 مليار يورو ومن المرجح أن تنمو الصادرات في ضوء التوقعات الاقتصادية الإيجابية لأوروبا. تسيبريز عبرت عن اهتمام ألمانيا بالعمل مع مصر في مجالات مثل الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، وقدمت ضمانات للصادرات والاستثمارات لتمهيد الطريق أمام إبرام مزيد من الاتفاقات التجارية. وحسب إريك شفايتسر رئيس غرفة التجارة والصناعة الألمانية، فإن الصادرات الألمانية لمصر زادت 50 بالمائة في الربع الأول من العام الجاري مقارنة بالعام الماضي.

وأضاف شفايتسر أن الصادرات المصرية لألمانيا زادت بنسبة 32 بالمائة. ويقول بشير عبد الفتاح الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن ألمانيا مهتمة بدعم الاقتصادات الأفريقية بشكل عام لعدة عوامل أبرزها أن أفريقيا تمثل سوقا مهمة لقوة اقتصادية مركزية مثل ألمانيا، كما أنها مصدر للمواد الخام. وبفعل الأزمات السياسية في دول أفريقية أصبحت الأخيرة مصدرا للهجرة إلى أوروبا، وهو ما تدفع ألمانيا ثمنه. ويثير تزايد التعاون الاقتصادي بين مصر وألمانيا المخاوف من تجاهل ملف انتهاكات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني في مصر خاصة في ظل التهديدات الإرهابية التي تواجهها البلاد. ويشير عبد الفتاح في حوار مع DW عربية إلى أنه من الوارد بالفعل أن يصبح ملف الهجرة وحقوق الإنسان أمرا ثانويا لصالح المصالح الاقتصادية ويضيف “المصالح الاقتصادية هي التي تحكم. ومصر وألمانيا لديهما الكثير من المصالح المشتركة. هذا بالإضافة إلى ملف الهجرة. فمصر يمكنها أن تلعب دورا في التخفيف من تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، وقد يتطور التعاون في هذا المجال إلى توقيع اتفاق شبيه بالذي وقعه الأوروبيون مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان”.

وغداة إعلان ألمانيا أن ثلاث دول أفريقية، هي تونس وغانا وساحل العاج، تعتزم تشجيع الاستثمارات الخاصة فيها بصفتها دولا شريكة لها، عبر وزير التعاون الاقتصادي والتنمية غيرد مولر عقب لقائه مع السيسي، عن تفاؤله بأن مصر سوف تنضم أيضا خلال عدة شهور لهذه المجموعة. ولكنه شدد على ضرورة الالتزام بمعايير معينة في مجال حقوق الإنسان أيضا، من أجل تحقيق ذلك.

السيسي في موقغ تفاوضي أفضل!

من جهته يرى الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط شتيفان بوخن أيضا أن انتهاكات حقوق الإنسان لم تعد أولوية بالنسبة لألمانيا. ويقول إن الاهتمام بحقوق الإنسان تراجع كثيرا في العلاقات الخارجية الأوروبية عموما مع الشرق الأوسط. ويضيف في مقابلة أجرتها معه DW عربية “ما يهم الحكومات الأوروبية بما فيها الألمانية حاليا، هو الحفاظ على الاستقرار في منطقة انهارت فيها دول وتوشك أخرى على الانهيار. ومصر واحدة من هاته الدول. فلولا المساعدات السعودية والإماراتية لكانت مصر مهددة في وجودها، وهذا التهديد بالنسبة للأوروبيين هو تهديد إضافي للشرق الأوسط”.

أما فيما يتعلق بملف المهاجرين، فيرى بوخن أن ألمانيا تطلب من مصر مراقبة السواحل، لكن ملف الهجرة مطروح بشكل أكبر في مناطق أخرى مثل ليبيا وتركيا حيث أعداد المهاجرين ضخم.

ويرى السيسي أنه ليس هو نفسه الذي زارته ميركل في مارس/ آذار الماضي، ويضيف “السيسي أقوى الآن، فبعد زيارة الرئيس دونالد ترامب للمنطقة والحملة التي أطلقت ضد الإرهاب كأولوية بالنسبة للولايات المتحدة وتأكيد دور مصر في هذه الحملة بالإضافة إلى تنحية موضوع حقوق الإنسان جانبا وتحسين العلاقات المصرية السعودية… كل هذا يضع السيسي في موقع تفاوضي أفضل”.

بعض الصحف الألمانية تطرقت إلى ملف حقوق الإنسان في مصر في تغطيتها لزيارة السيسي الحالية، منها صحيفة “برلينر تسايتونغ” التي أشارت إلى أن عدد المعتقلين السياسيين في مصر تجاوز 60 ألف شخص والكثير منهم مسجونون منذ سنوات دون أحكام. وقالت الصحيفة إنه لم تعد هناك حرية صحافة في مصر مشيرة إلى ترتيب مصر المتدني في حرية الصحافة حسب منظمة مراسلون بلا حدود.

مصير المنظمات الألمانية في مصر

أما الخبير الألماني بوخن فيرى أن زيارة ترامب، على العكس من ذلك، أظهرت السيسي على أنه “ملحق تابع للسعودية لا غير”. ويضيف: “اتضح بشكل أكبر أن السيسي ينفذ ما يطلبه السعوديون والإماراتيون ولا يملك أي استقلالية في اتخاذ أي قرار دون الرجوع إليهم، بالتالي لا يمكن القول إنه أصبح أقوى الآن”.

ويشغل موضوع منظمات المجتمع المدني الألمانية العاملة في مصر حيزا مهما في اللقاءات بين المسؤولين الألمان والمصريين في الآونة الأخيرة، مع تزايد القيود على منظمات ألمانية في مصر. وشهدت العلاقات نوعا من التوتر على إثر مغادرة مؤسسة “فريدريش ناومان” المقربة من الحزب الديمقراطي الحر لمصر إثر مضايقات وقيود من السلطات، وقبلها صدرت أحكام قضائية في حق منظمات أخرى مقربة أيضا من أحزاب ألمانية.

ويقول عبد الفتاح إن هذا الموضوع نوقش خلال زيارة ميركل السابقة لمصر، وهناك الآن محاولات لإيجاد تسوية قانونية وإدارية لعمل هذه المنظمات. ويرى بوخن من جانبه أنه سيتم التوصل لحل وسط لأن معظم هذه المنظمات مقرب من أحزاب ألمانية، وألمانيا لن تسكت على مضايقتها أو إغلاقها حفظا لماء الوجه.

وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد صادق الأسبوع الماضي على قانون الجمعيات الأهلية المثير للجدل، والذي يفرض قيودا على تأسيس المنظمات غير الحكومية، ويمنح الحكومة سلطات واسعة على هذه المنظمات. وينص القانون على فرض عقوبات على من ينتهك بنوده تصل إلى السجن لما يصل إلى خمس سنوات، وغرامة تصل إلى مليون جنيه مصري (55 ألف دولار).

ولفت توقيت المصادقة على القانون أنظار المحللين، حيث تم إصداره بعد ستة أشهر من إقرار البرلمان له، ولكن بعد أسبوع واحد من لقاء الرئيس السيسي نظيره الأمريكي دونالد ترامب في الرياض.

DW

‫2 تعليقات

  1. المانيا تعلم تمام العام ان انقلاب السيسي لايعمل افامه مجتمع منفتح وحوار منفتح وبسيادة للقانون اوتعددية دينيه لكنه النفاق السباسي وازدواج المعايير فالسيسي يخدم مصالح اوربا في ابقاء مصر سوقا للمنتجات الالمانيه وضرب الاسلام السياسي وابجاد الحلول لمشكله اليهود التي خلقتها المانبا الهتلريه والنزهه النازيه التنسربه وكذاك تلعب مصر دورا في التخفيف من تدفق المهاجرين إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط !!