رأي ومقالات

الإنتماء السوداني المتوهم لدولة الخلافة العثمانية

مما اتضح لي من قراءاتي ورصدي المكثف على مدى ١٥ عاما من مختلف المصادر مع التنسيق المستمر للمعلومات بحسب التسلسل الزمني ، أن حملة محمد على باشا على السودان سنة ١٨٢٠م وإن كانت باسم الخلافة العثمانية وكانت تقود معها علماء من الازهر لاقناع سلاطين وملوك الممالك السودانية بالتسليم طوعا ، إلا أنها كان لها هدف استعماري استراتيجي محدد وهو : إفقار السودانيين وإخراجهم من مجالات التجارة والزراعة والصناعة ، وتسليم كل ذلك إلى الوكلاء الأوربيين الذين دخلوا بعد الحملة واستوطنوا في المدن التجارية واستلموا تجارة الصادر في المواد والمنتجات التي كان يصدرها السودانيون.
مدينة الأبيض قبل الحملة كان يخرج منها شهريا قافلة لا تقل عن ٢٠٠ جمل محمل بالصمغ العربي ومنتجات دارفور وجنوب كردفان مثل العاج وريش النعام والسنمكة ، وتصل مصر عن طريق دنقلا.
دارفور كانت ترتبط بدرب الأربعين الممتد من الفاشر حتى أسيوط وكانت لها صادراتها للعالم الخارجي.

جون باثريك أول قنصل لبريطانيا في السودان وصل الأبيض سنة ١٨٤٠م بصفته مهندس جيولوجيا متعاقد مع محمد علي باشا ، وفي الأبيض قابل العديدين ممن شاركوا في القتال ضد جيش الدفتردار في معركة بارا ، وقدم توثيقا رهيبا لمعركة قاتلت فيها حتى النساء ، ووثق التنكيل الذي مارسه الدفتردار بسكان الأبيض ومصادرته ممتلكاتهم ، والناس تعتقد أن تنكيل الدفتردار بالسودانيين بدأ بعد مقتل إسماعيل باشا على يد المك نمر في ديسمبر ١٨٢٢م ، إلا أنه بدأ في الأبيض ، ووثق جون باثريك حنين الناس في الأبيض لأيام حكم المسبعات التابعين لسلطنة دارفور ( سلطنة دارفور أرسلت جيشا شارك في معركة بارا ) حين كان الحكم رحيما والجبايات معدومة أو ضئيلة جدا ، والتجارة والصناعات مزدهرة ، ووثق جون باثريك مواقع استخراج خام الحديد وصهر الحديد بتقنيات محلية بالقرب من بارا ، وكان السودانيين يصنعون محليا أدواتهم للزراعة والحرث والسلاح ، وكانوا يزرعون القطن ولهم محالجهم المحلية وأنسجتهم المحلية ، إختفى كل ذلك وتم التنكيل بكل المناطق وفرض الضرائب الباهظة كمنهج للإفقار.

مشكلة الممالك والسلطنات السودانية كانت في الحروب المتبادلة وصراعات السلطة الداخلية والاستقواء بالخارج الأقرب إليهم وهو حكومة محمد علي باشا في مصر ربما توهما منهم أنها إمتداد لدولة الخلافة ، فلجأ إليه الأمير أبو مدين من الأسرة الحاكمة في دارفور ، ولجأ إليه المك نصر الدين مك الميرفاب في بربر ولجأ إليه واحد اسمه هاشم أو الهاشمي من المسبعات في كردفان ، فهل يعيد التاريخ نفسه ؟
الله يستر.

بقلم
كمال حامد