مدير مكتب الترابي أيام المفاصلة عوض بابكر : أصحاب مذكرة العشرة أرادوا إبعاد الترابي والبشير معاً
تمر علينا اليوم الرابع من رمضان الذكرى الثامنة عشر لمفاصلة الإسلاميين الشهيرة التي أدت لتمايز صفوف الإسلاميين بين مؤتمرين (وطني وشعبي)، وتيارين (قصر ومنشية)، وفسطاطين (حاكم ومعارض)، وقائدين (الترابي والبشير).
ويصف كثيرون الخطوة التي أدت إلى إبعاد عراب الإسلاميين د. حسن الترابي بأنها القشة التي قصمت ظهر الحركة الإسلامية ومن جرائها فشلت كل المحاولات لإعادة اسلاميي السودان تحت راية واحدة برغم التقارب البائن بفضل الحوار الوطني في السنوات الماضية.
وفي ذكرى المفاصلة استنطقت (الصيحة) مدير مكتب الترابي على تلك الأيام، عوض بابكر نوح، لمعرفة كيف تعامل الترابي مع المذكرة التي مهدت للمفاصلة فخرجنا بالتالي .
يقال إن الترابي تفاجأ بمذكرة العشرة التي رصفت الطريق أمام المفاصلة؟
برغم أن اجتماع المكتب القيادي الذي شارك فيه بعض الموقعين على المذكرة ولم يتطرقوا لها في الاجتماع، مع ذلك لم يكن الترابي متفاجئاً بالمذكرة.
*ماذا ناقش اجتماع المكتب القيادي؟
– كان مخصص لمناقشة تعديلات النظام الأساسي .
*متي طرحت مذكرة العشرة؟
-طرحت في اليوم الثاني لاجتماع المكتب القيادي .
*أين طرحت؟
-عبر اجتماع مجلس الشورى.
*هل هنالك إرهاصات سبقت المذكرة ؟
-نعم كانت هنالك إرهاصات قبل المذكرة من خلال بعض البيانات، وكذلك بعض الآراء التي قادها أكثر من شخص من جهات مختلفة .
*أين طرحت تلك الآراء؟
-من خلال جلسات مشتركة، وكانت تطالب بعض المجموعة التي وقعت في المذكرة أن يكون لها دور .
*صف لنا وضع الحركة الإسلامية وقتذاك ؟
-الحركة الإسلامية كانت تمر بمرحلة انتقال للعمل العام بدلاً من العمل العسكري، من ثم تشكيل حزب سياسي علني، وأجهزة الحركة كانت في مرحلة انتقال، والمطالبة بإخراج كل من يحمل صفة في الأجهزة الأمنية والعسكرية والشرطية أن يخرجوا من المؤتمر الوطني، وكانت هنالك قوائم تحمل أسماءهم للخروج من الوطني .
*بمعني المذكرة سبقت مرحلة الانتقال؟
– نعم سبقت مرحلة الانتقال لقطع الطريق أمامه، ولم تترك عملية الانتقال تكتمل، لذلك وقفوا ضد الانتقال، وكان تصورهم مركزي محض .
بمعني ؟
الحركة الإسلامية كانت تريد الانتقال من المركزية إلى الفدرالية، وهم يظنون أن التنظيم به تطور كبير من خلال عضوية المكتب القيادي، لذلك أرادوا أن يكون التنظيم مركزياً، ووقفوا ضد الانفتاح صوب الولايات، ووقفوا ضد عضوية الولايات .
*يقال إن الترابي حرك الأجهزة السرية لكشف المذكرة ولكنه بُوغِت بها؟
– لا يوجد شي اسمه أجهزة سرية، والاجتماع الذي قدمت فيه المذكرة كان مهماً جداً، وحضره عدد كبير من أعضاء الحركة الإسلامية .
*بصراحة من الذي دبر المذكرة؟
-هنالك شخصان أو ثلاثة تداولوا حول مواضيع المذكرة، ثم لعبت العلاقات الشخصية دوراً كبيراً في انضمام البعض لها، ثم طرحت لآخرين في إطار ضيق للغاية.
*إذن الامر تمت إدارته بسرية ؟
-كانت هنالك مؤامرة في اختيار جهات مختلفة جهوية إسلامية وعسكرية، وطرحها شخص معروف، والطرح نفسه كان في شكل مؤامرة أكثر من إصلاح أو احتجاج .
*هل عرضت المذكرة في اجتماع الشورى على الأمين العام ؟
-لم تعرض بشكل رسمي، وأصحابها قصدوا أن يتجاوزوا بها الترابي.
*أين كان الاجتماع الذي عرضت فيه المذكرة؟
-كان في قاعة الصداقة، وكان الاجتماع ساخناً جداً، وهو أول اجتماع للحركة الإسلامية في شكلها الجديد في إطار خروجها للعلن، وكان اجتماعاً أشبه بالجمعية العمومية للمؤتمر الوطني.
*أين كان الموقعون عليها؟
-جزء منهم كان أول اجتماع لهم، ولم يكونوا أعضاء شورى .
*وكيف أدخلت المذكرة لقاعة الصداقة ؟
-نحن كسكرتارية للأمين العام تفاجأنا بدخلوها، لأننا كنا مسوؤلين عن كل الأوراق التي سيتم تدوالها في اجتماع الشورى .
*كيف أدخلت المذكرة ؟
– تم إدخال المذكرة بواسطة عناصر الأمن .
*ثم ماذا حدث ؟
– تم توزيعها على الحضور، وحاولنا إيقاف توزيعها، ثم رفعت الجلسة، وحدث بعض الهرج، ثم عادوت الجلسة، والوضع كان أقرب للانقسام من خلال الاستقطاب الحاد داخل القاعة، والترابي ارتضى مناقشة المذكرة داخل الاجتماع .
* كيف تعامل الترابي مع الوضع؟
– شيخ الترابي تجاوز الانشقاق داخل الحركة الإسلامية حيث أدخل تعديلاً أساسياً يتمثل في سحب صلاحيات الأمين العام، وسحب قيادته للمكتب والمجلس القيادي، وإسناد الأمر للرئيس البشير، والترابي قبل بالأمر لتفادي الازدواجية، وتجاوزاً للانشقاق، وبعدها أصبح البشير رئيساً للمكتب القيادي، والمجلس القيادي، والترابي بلا صلاحيات، ثم بدأت عملية البناء داخل المؤتمر الوطني.
*كيف بدأت عملية البناء رغم الخلافات المستفحلة؟
– الشيخ الترابي قام بجولة لكل ولايات السودان يبشر بميلاد المؤتمر الوطني .
*ثم ماذا بعد؟
– أثناء عملية البناء عبر الجولات الولائية عدل النظام الأساسي مرة أخرى بأمر القواعد التي قالت الحاكمية للتنظيم وليس للدولة، وعادت الأمور كما كانت من قبل .
*كيف مضت الأمور؟
– كانت هنالك مجموعة حاولة المقاومة حتى وصلوا مرحلة المفاصلة .
*في تقديرك وأنت شاهد عصر على المذكرة ما الهدف منها ؟
– لأصحاب المذكرة هدفان: الأول تفكيك قبضة الترابي وتجاوز عقبته، والهدف الثاني الإطاحة بالرئيس البشير .
*تمكنوا من تحقيق الهدف الأول؟
– تمكنوا من إزاحة الترابي بالتعاون مع البشير، وفكروا في إبعاد الرئيس كمرحلة ثانية، ولكن الإرادة الشعبية للوطني عبر مؤتمر العشرة آلالف أعادت الترابي للتنظيم مرة أخرى.
*لماذا فكر قادة المذكرة في إبعاد الشيخ الترابي؟
– المجموعة تجمعها مصالح مشتركة هي إبعاد الترابي والبشير عطفاً على المصالح الشخصية، وبعضهم كان على خلاف تاريخي مع الترابي والبعض منهم كان يريد السلطة.
*هل مازال الهدف الثاني موجوداً؟
– البشير استوعب الدرس لذلك تم إبعاد كل أصحاب المذكرة بصورة جماعية من مراكز اتخاذ القرار.
*سؤالي هل مازال هدفهم قائم؟
– نعم يسعون لتحقيق الهدف الثاني.
*لكنهم خارج السلطة؟
– ما زالت صلاتهم مع مراكز القرار في السلطة ممتدة .
*أين كان علي عثمان محمد طه ساعة تسليم المذكرة؟
– لم يكن ضمن حضور الاجتماع، وكان مشاركاً في لقاء خارجي، وحضر متأخراً للمشاركة في اجتماع قاعة الصداقة، ولكنه لم يتمكن من الدخول، وظل خارج القاعة .
*لماذا لم يدخل القاعة؟
– اظنه علم ان الاجتماع ساخن ويشهد بعض المناقشات الحادة.
*ما فعل بعدها ؟
– قام بإرسال سكرتيرته الخاصة للتأكد من الاجتماع، وحينما تأكد من الداخل أن الأوضاع (جايطه)، أخطر علي عثمان بالأمر، ثم عاد إلى منزله، ولم يحضر الاجتماع .
* يقال إن الترابي اتهم علي عثمان بتدبير المذكرة؟
– لم يتهمه صراحة، ولكن علي عثمان محمد طه حدد موقفه مبكراً وانحاز لأصحاب فكرة المذكرة ضد الأمين العام، وانحيازه رجح الكفة لصالح أصحاب المذكرة، وهو إنجاز للتيار الذي يعمل ضد الترابي .
*أين لجان رأب الصدع ؟
– اللجان التي عملت على رأب صدع عمل المذكرة ضمت كبار الإخوان الذين كانوا يرفضون المذكرة تماماً، وكانوا يقولون: المذكرة فيها تعدي على النظام الأساسي.
*من كان يقود هذه اللجان؟
– هم مجموعة من ضمنهم عثمان عبدالوهاب، والشيخ الراحل الكاروري، وخليفة الشيخ مكاوي .
*ماذا فعلت هذه اللجنة.؟
– اجتمعوا مع أصحاب المذكرة فرداً فرداً وملخص اللقاءات كان هنالك إحساس من أصحاب المذكرة بأنهم ارتكبوا خطأ من خلال تقديم مذكرة بصورة التفافية من خلف الأمين العام .
*ماذا عن لجان رأب الصدع التي تشكلت بعد قرارات الرابع من رمضان؟
– هي لجان كثيرة، جزء منها لجان خارجية، وأخرى داخلية.
*لجان خارجية بقيادة الشيخ يوسف القرضاوي أليس كذلك؟
– نعم بقيادة شيخ يوسف القرضاوي، وعبدالمجيد الزنداني، ومجموعة من القيادات الإسلامية بالوطن العربي، بالإضافة لمبادرة أخرى من دولة قطر، وبالداخل كانت هنالك مبادرة من القيادات الوسيطة بالحركة، ووساطة من أمناء الولايات، بالإضافة إلى لجنة رأب الصدع بقيادة عبدالرحيم علي.
*رغم كثر لجان رأب الصدع فشلت عملية إبقاء الحركة الإسلامية موحدة؟
– الترابي كان لا يريد المفاصلة، بدليل أن يوم تقديم مذكرة العشرة التي أوضحت أن انقساماً وشيكاً في الطريق، وكان يمكن أن يحدث الانقسام داخل اجتماع الشورى، ولكن الشيخ حسن الترابي بحكمته تجاوز هذه المعضلة، وتنازل عن رئاسته للمجلس القيادي، وترك أمر القيادة للبشير تفادياً للثنائية في القيادة، بالإضافة لذلك المذكرة كانت خارج أجندة أعمال اجتماع الشورى، مع ذلك مرت برضاء من الترابي، وحينما أصبحت أمراً واقعاً تعامل معها بذات الوضع.
*كيف تعامل الترابي مع قرارات الرابع من رمضان؟
– قبل القرارات كان البرلمان يناقش بعض التعديلات الدستورية، وإقرار رئيس وزراء، وتعيين الولاة، وهي قضايا كان حولها خلاف، وداخل التنظيم كان هنالك اتجاه لتعيين هيئة المحاسبة العليا، من المفارقات كل هذه الأشياء تحققت مؤخراً عبر الحوار، وهذه القضايا شهدت نقاشاً حاداً جداً وصل ذروته بإعلان حل البرلمان، وإعلان الطواري .
*الترابي كان رئيساً للبرلمان؟
-في اليوم الثاني للقرارات ذهبنا للمجلس الوطني، وقام الحرس بمنع الترابي من دخول البرلمان وفق تعليمات عليا .
*كيف تعامل الترابي مع هذا الأمر؟
-تعامل مع الحرس بلطف، ثم عدنا لمنزل الترابي، ودعا لاجتماع المكتب القيادي، ثم عقد مؤتمراً صحافياً وشرح من خلاله الوضع، وكل التفاصيل، خاصة التعدي الدستوري.
*كيف كان يقابل الترابي أعضاء المذكرة بعد حدوث المفاصلة؟
-أحياناً يلتقي بهم في المناسبات العامة (أفراح وأتراح)، وكان يتعامل معهم بصورة عادية، ويتفادى إحراجهم، وكان يعتذر عن بعض المناسبات حتى يتفادى إحراجهم، ولم يتعامل معهم برد فعل .
*هل كان يحضر أعضاء المذكرة للترابي في منزله بعض المفاصلة؟
– البعض منهم كان يحضر لمقابلة الترابي .
*هل المقابلات تتم بصورة سرية؟
-من المواقف المهمة بعد نهاية الاجتماع الذي طرحت فيه مذكرة العشرة، وعدنا للمنزل، وكان اليوم مرهقاً حتى لنا نحن كمكتب للترابي، وقتها كان يعمل معي مصطفى مدني في مكتب الشيخ، وكان اليوم عصيباً وطويلاً وانتهى الاجتماع في وقت متأخر للغاية، ثم عدنا لمنزل الترابي، حضر اثنين من ضمن الذين وقعوا على المذكرة، والتقيت بهم داخل المنزل، وقلت لهم إن الشيخ الترابي قد خلد للنوم، ووقتها كان الوقت متأخراً جداً .
*هل الشيخ كان نائماً؟
-اكتشفت أن الشيخ الترابي لم يخلد للنوم بعد، وذهبت إليه وقلت له قد حضر شخصان، وقلت لهم: الترابي نائم، بعدها غضب الترابي غضباً شديداً وقال لي (خلاص ما دايرين الناس، وبقيتو تطردوا الناس) ثم طلب منى الذهاب فوراً لهما في منازلهما والتأكيد على أن الترابي لم يخلد للنوم بعد ، فعلاً خرجت في الساعات الأولى من الصباح وأخبرتهما بأن الترابي لم يكن نائماً، وقالوا الصباح سنحضر لمقابلة الترابي.
*ما فهمت من هذا الرسالة؟
– للتاريخ، الترابي لم يكن يحمل أيّ غبن شخصي تجاه أيّ شخص من أصحاب المذكرة .
الصيحة
{ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس } ( آل عمران : 140 ) .