قراءة في التشكيل الحكومي (2)
مواصلة لنهج تم إقراره في الحكومات السابقة بعد انتخابات 2010م أتاحت حكومة الوفاق الوطني التي أُعلنت مساء الخميس فرصاً مستحقة لأطراف السودان المختلفة بأن تكون لها مشاركة واسعة في الحكم ووجود فاعل وقوي ظل محجوباً منذ الاستقلال ،
فقد كانت النخب السياسية التي حكمت البلاد طيلة العهود الوطنية وهي تقيم في عاصمة البلاد وتتركز مصالحها فيها تستأثر بالمواقع الحكومية وتقضم (كيكة) السلطة وحدها دون أن تترك شيئاً للأطراف البعيدة أو ما تسميها المعارضة مناطق الهامش .
> انتبهت قيادة البلاد منذ فترة طويلة إلى معالجة الخطأ التاريخي الذي ران على السياسة ومنهج الحكم واختيار الوزراء والحكام ، وسعت إلى تمثيل كل مناطق السودان تمثيلاً منصفاً وعادلاً ، خاصة المناطق المأزومة التي بسببها كانت الحروبات والصراعات المسلحة ، وتم إرضاء مواطني هذه المناطق بجعل السلطة بأيدي أبنائها ، وبذلك قضت قيادة البلاد على السم الزعاف الذي كان يفتك بالتماسك الوطني والوئام الأهلي ويتسبب في النفور الوجداني والجفوة والمرارات التي تقود الى السأم والرفض والتمرد ، وهذه حسنة كبيرة من حسنات الإصلاح السياسي وتطور مهم ولافت في مسار الحياة السياسية السودانية التي سيكون مؤداها القريب هو تكامل اللحمة الوطنية وتراجع خطاب الكراهية والعنف والاحتجاج لدى قطاعات من عامة الشعب.
> فالحقيقة الساطعة اليوم أن الحكومة الحالية وضعت معالجات مركبة ، حافظت فيها على التوازن السياسي والموازنات المتعلقة بالمناطقية والجهويات والمجموعات السكانية ، وهو أمر لابد منه في بلد مثل السودان تمثل هذه الاعتبارات أهمية قصوى في شراكات الحكم وتهدئة ثائرة النفوس الواقفة على أهبة الرفض وعدم الشعور بالرضى. فالحكومة الحالية بحساب بسيط تمثل 85% من الوزراء من أبناء المناطق البعيد وممثلي الجهات التي كانت تشعر بالظلم والحيف في كل العهود الوطنية ، فدارفور مثلاً نصيبها اليوم هو نصيب الأسد في السلطة ، وهذا النصيب يخرس بلا شك كل الألسن التي تدعي أن ولايات دارفور مظلومة ، وكذلك توجد مناطق الشرق في كل مؤسسات الحكم من رئاسة الجمهورية إلى الوزارات ، وتليها ولايات كردفان خاصة جنوب كردفان التي تدور فيها حرب بسبب التمرد الذي يرفع شعارات التهميش ، فأبناء النوبة تزايد عددهم بشكل كبير في الحكومة وكذلك ممثليهم في الجهاز التشريعي ، فتراجع حصص النخب السياسية المحترفة للعمل العام من بوابة الأحزاب السياسية ومفهومها في تولي السلطة هو أمر جيد نوعاً ما في هذه الظروف ، لأن هذه النخب حتي وإن جاء كثير منها من مناطق الأطراف واستقر بالخرطوم وانقطع عن مناطقه وصار لا يمثل همومهم وقضاياهم، وتتوالى كما دلت تجربة نخبنا السياسية مع بعضها البعض وتنطلق من منصات الأحزاب للسيطرة على القرار السياسي دون مراعاة للموازنات الدقيقة المؤثرة في الاستقرار والأمن والسلام .
> معالجة الخطأ التاريخي المتجلية في هذه الحكومة ، ستعجل بحلول موضوعية ومقنعة لقضايا الحرب والظلم والتهميش في السودان ، بنظرة سريعة لمؤسسات الحكم في المؤسسة السيادية أو الجهاز التنفيذي أو التشريعي ، نجد تقدماً نحو الأمام في إيجاد التوازن المطلوب بالدفع بقيادات جاءت من الأطراف وتحملت المسؤولية الوطنية لإدارة البلاد وأثبتت كفاءتها وقدرتها، وهذا يحسب لقيادة الدولة وعيها المبكر بهذه القضايا الشائكة والمعقدة ، وللحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) إنه استلهم من تجربته وتجارب غيره ، أسهل المسالك لبناء التوافق الوطني عبر رؤية مركبة حافظت على التنوع السياسي والمناطقي والجهوي والمهني في وقتٍ معاً .
> أهمية هذا الحديث أنه حدثت تطورات اجتماعية وسياسية مهمة للغاية خلال العقدين الماضيين، وتغيرت معادلات الحكم والسياسة بشكل متسارع، وبرز الخطاب الجهوي والعنصري والقبلي بشكل لا يمكن تجاهله غض الطرف عن آثاره المدمرة ، فأفضل وسيلة هي نزع فتيل هذا الخطاب المخرِّب وسد الذرائع وقتل الفتنة في مهدها وابتداع وابتكار منهج يوائم ما بين الحاجة الى تهدئة الأطراف ولجم الأصوات النشاز فيها وجعل السلطة بين يدي أبنائها الأكْفاء .
> نحتاج إلى قراءة التشكيل الحكومي من هذه الزاوية قراءة دقيقة وواعية وموضوعية وواقعية في ذات الوقت ، فبدون هذا التراضي الوطني لا يمكن لبلادنا أن تجد رائحة العافية ، أو تجري في عروقها الطمأنينة، فحتى نصل إلى فياح المواطنة دون تميز ونحصل على الشخصية الوطنية المتكاملة دون تلوين أو تحديد جهة ومنطقة وقبيلة وذاك طريق طويل ، نقول إن الرضى مقابل ذلك هو الهدف والمطلب الآن ..
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة
أكثر الناس سعادة بالتشكيل الحكومي هم من حازوا على المناصب بدليل أن البعض ذهب مغاضباً عندما تخطاه الإختيار . كما أن بقاء معظم وزراء الوطني في مناصبهم يوحي بأن لاجديد من حيث النهج والأداء فالمواطن العادي لم يحرك ساكناً تجاه التشكيل كأنه يعلم سلفاً ماهي النتائج ، وأن المقصود هو فقط إحتواء من شاركوا في الحوار والذي لا نعرف حتى الآن ما هي تلك المخرجات التي سيقوم جمهور الوزراء بإنزاله على أرض الواقع هل هي تلك التعديلات التي لاتسمن ولاتغني من جوع أم تلك الفرعيات التي تلهي الناس عن واقعهم المرير . البلاد في حاجة ماسة للعمل والإنتاج للنهوض بالخدمات الأخرى وتأهيل المرافق الخدمية كالصحة مثلاً ، لم تشهد البلاد في تاريخها تردياً في الخدمات الصحية في جميع أنحائها أكثر مما تشهده الآن حتى أصبح المواطن السوداني سلعة رائجة لمستشفيات الدنيا من مصر إلى الأردن إلى الهند وقد وصل المرضى مؤخراً إلى روسيا . هل يعقل أن يظل أكثر من 18 وزير صحة ووزير دولة ووكلاء ومدراء في مناصبهم لاتهتز منهم شعرة لما يعانيه الأطفال والنساء والشيوخ من عذاب بحثاً عن جرعة دواء أو مشرط جراح فيتكبد المشاق إلى العاصمة فيصطدم بالمبالغ الفلكية التي تطلبها المستشفيات الحكومية دون رحمة ولا مراعاة لظروف ، ولكن كيف تراعي المستشفيات أي ظروف والحكومة نفسها لا مركزية ولا ولائية لم تراعي أي ظروف للمواطن في شيء فهي مشغولة بتوزيع الحقائب بغير حساب كما لو كانت طلبات بيتزا بعد أن أمضت سنوات في الحوار لينتهي بركاب طائرة جامبو من الوزراء .