قراءة في التشكيل الحكومي:
لا جدال في ان حكومة الوفاق الوطني ضمت عدداً كبيراً من الأطياف السياسية التي شاركت في الحوار، بالرغم من أن البعض ولأغراض مختلفة يقول ان هذه الحكومة وتكوينها لم يلب الطموح وكانت مخيبة للآمال ..!
ونود هنا تحليل ما إذا كانت الحكومة بالفعل هي حكومة وفاق وطني يرجى منها الكثير ..؟ ام هي حكومة ضرورة فقط اقتضتها الحالة السياسية الراهنة رغم طول المشاورات وكثرة المناورات والتأخير الذي لازمها؟ ولن سيكون هناك انسجام وتجانس في اداء هذه الحكومة؟ وهل هناك ما يشير الى انها تتوفر على برنامج محدد وواضح لتنفيذه؟
> الاجابة ليست صعبة قياساً بما يتوفر من معلومات حول الوزراء الجدد وخبراتهم وتأهيلهم والسند السياسي المتوفر لهم، باعتبار أن هذه الحكومة هي أكثر الحكومات التي مرت على تاريخ البلاد تمتلك قاعدة عريضة ودعماً سياسياً من (79) حزباً و (34) حركة مسلحة كانت تحمل البندقية.
> من الوهلة الأولى يتبادر للذهن ان حصة المؤتمر الوطني التي نقصت كثيراً لم تأتِ بجديد يذكر، نفس الوجوه السابقة ما عدا تغيير طفيف شمل وزارتين مهمتين هما المالية والداخلية، ثم وزارة المعادن التي ابلى وزيرها السابق د. الكاروري بلاءً حسناً، وكانت الانباء قد راجت قبل اعلان الحكومة انه باقٍ في موقعه، وسوى هذه الوزارات لا يوجد تعديل كبير يذكر في حصة وزارات المؤتمر الوطني، بخصوص وزراء الدولة الذين تم تعيينهم، فأبرز المفاجآت كانت في الوجه الشاب الجديد حامد ممتاز الأمين السياسي للحزب، فهو اضافة جديدة لتيار الشباب، وكان سلفه الشاب ايضاً الدكتور عبيد الله محمد عبيد الله قد اعطى عطاءً مقنعاً ومفيداً، وربما اقتضت سنة التغيير الاستعاضة بممتاز ليتفرغ عبيد الله لمهام اخرى.
> اما بشأن الوزارات التي تخلى عنها المؤتمر الوطني، فقد تلاحظ ان الكفاءات العلمية الكبيرة مثل البروفيسور موسى تبن وزير الثروة الحيوانية غادر الوزارة، وهو يترك وراءه عملاً ومنجزاً علمياً وادارياً وتنفيذياً هائلاً هو الأساس في الارتقاء بتطوير قطاع الثروة الحيوانية، ووضع برنامجاً فاعلاً وطموحاً، واسهمت الثروة الحيوانية في عهده في رفد الدخل القومي بعائدات ضخمة لم تكن موجودة طيلة الفترات الاخيرة، ويخلف البروف تبن في الوزارة وزير شاب جديد على القطاع لكنه من اعمدة الحوار الوطني ولجنة (7+7) وعضو اللجنة العليا لمتابعة تنفيذ مخرجات الحوار، وهذه الوزارة يعول عليها الكثير في تحسين اداء الاقتصاد الوطني من صادر الثروة الحيوانية، فقد كسبت الوزارة سياسياً طموحاً وخسرت خبرة عملية نادرة.
> اما وزارة الداخلية التي ترجل عن صهواتها الفريق اول عصمت عبد الرحمن بعد سنوات من الاستقرار وتطوير الوزارة وتحديث قوات الشرطة واداراتها والتطور التقني والفني الذي طرأ فيها، فإن الوزارة الآن عليها وزير من ابناء الشرطة، ودفعة المدير العام لقوات الشرطة، وهذا يعني ان التجانس والتنسيق سيكون اكبر واكثر تصويباً نحو الهدف المطلوب، ووزير الداخلية الجديد اضافة لخبراته في الشرطة فهو عالم واكاديمي لا يشق له غبار ستكون الوزارة في عهدة قائمة على ركيزتين اساسيتين هما ترقية عمل الوزارة ورفع قدرات قوات الشرطة والصعود بها الى مدارج التحديث في المجالات المختلفة وتهيئة المناخ وبيئة العمل لضباط وافراد الشرطة لاداء دورهم ومهامهم الوطنية وحماية المجتمع.
> وزارة الدفاع لم يطرأ عليها تغيير لا في منصب الوزير ولا وزير الدولة، وهذه اشارة واضحة الى حسن الاداء في الفترة الماضية، والاستقرار داخل الوزارة المهمة التي نجحت في لجم التمرد وتحسين اوضاع الجيش وتحقيق مطلوباته، وما تحقق في الفترة الماضية من انجازات وتوسع المهام القتالية والمشاركات الخارجية في حرب اليمن او قوات شرق افريقيا والتواصل مع العلم الخارجي في عدة اصعدة، جعل الوزارة تجد فرصاً اوسع لتطبيق وتنفيذ خطتها الاستراتيجية التي وضعت منذ عهد الوزير السابق الفريق اول مهندس عبد الرحيم محمد حسين، واستمرار الوزير ووزير الدولة تأكيد على أن تنظيم القوات المسلحة وتأمين حدود البلاد وتحديث الجيش والصناعة الحربية سيكون هو هم الوزارة في المرحلة المقبلة.
> وفي قطاع الاعلام بقي الوزير الدكتور احمد بلال والوزير الشاب ياسر يوسف ابراهيم في موقعيهما، ولا يساور احد شك بأن وزارة الاعلام طيلة السنوات الماضية كانت اكثر انفتاحاً على القطاع الاعلامي كله والصحافة، وظل التنسيق المستمر بين الوزارة والقطاع الخاص الذي يدير ويمتلك القنوات الفضائية والاذاعات والصحف هو ديدن الوزارة، مما ادى لتهدئة الاوضاع الاعلامية وتقليل الخلافات وتحسين التعامل في مجال الحرية الصحفية والاعلامية، فنجاح الوزارة انها كسبت وسائل الإعلام والصحف وتحاورت معها، ويشعر الوسط الصحفي بارتياح كبير لبقاء الوزيرين واستمرارهما في الوزارة وقيادة المبادرات الجادة في هذا المضمار الحيوي الفاعل.
> وفي زارة المالية التي طرأ فيها تغيير كبير، فإن الوزير الجديد محمد سليمان الركابي، الذي عاد الى عرينه السابق وزارة المالية، تنتظره تحديات جسام وملفات شائكة ومعقدة للغاية، منها ما يتعلق بالوضع الاقتصادي ومشكلاته الداخلية، وما يتعلق بالديون الخارجية وعلاقات السودان مع الخارج ورفع العقوبات الامريكية بشكل كامل، فهو يعلم جيداً مشكلة الاقتصاد السوداني بتفاصيلها الدقيقة، ويدرك أن هيكلة الاقتصاد واتخاذ قرارات وخطوات وسياسات جريئة لا تجامل، هو المسار الصحيح للإصلاح وانعاش الاقتصاد. وقد أبقي على وزيري الدولة عبد الرحمن ضرار ومجدي حسن يس لادائهما المتميز طيلة الفترات الماضية، ولما يملكانه من خبرة ودراية بمكامن الداء ونوع الدواء المطلوب.
> وفي هذا الجزء المخصص من هذا المقال لعدد اليوم يتضح ان الحكومة بالوجوه التي اعلنت وتم تكليفها، أن رؤية جديدة تم طرحها وشخوصاً يمتلكون قدرات معينة سيقودون العمل لانجاز ما يمكن انجازه .. والإجابة المهمة أنه حتى الآن لم يخبُ الأمل في أن هذه الحكومة الجديدة يُنتظر منها الكثير ويمكن أن تنجز بعض تطلعات الجماهير.
(نواصل غداً)
الصادق الرزيقي
صحيفة الإنتباهة